لم يغب نضال الفلسطيني لاستعادة أرضه عن السينما في فترتي الستينيات والسبعينيات، وثمة أرشيف واسع قرر المخرج الفلسطيني مهند اليعقوبي تعقبه والوقوف على أهم أفلامه وما سعى إلى تقديمه للجمهور العربي إبّان مرحلة كانت هي الأصعب في تاريخ المواجهات العسكرية بين العرب والعصابات الصهيونية.
استدعاء الذاكرة
وأُنتجت مقاطع من أفلام لسينمائيين عرب وغربيين مع تأسيس وحدة أفلام فلسطين كجزء من منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها غابت عن الذاكرة العربية؛ فقرر اليعقوبي إعادتها إلى واجهة المتابعات الفنية وعرضها لأول مرة منذ عقود من خلال فيلم بعنوان “خارج الإطار.. ثورة حتى النصر”.
جمع اليعقوبي الفيلم لأول مرة وعرضه في فلسطين مساء الخميس الماضي بمدينة البيرة، بعد مشاركته في مهرجانات عالمية مثل مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سبتمبر 2016 ومنتدى برلينالي في فبراير2017 بألمانيا وسينما دي ريل بفرنسا في مارس/ آذار الجاري.
تفاصيل
يبدأ الفيلم بصورة ثابتة لمقاتل فلسطيني ينظر إلى المدى البعيد نحو بلاده، ثم يضع المخرج تدخله شبه الوحيد في مشهد تركيب شريط سينمائي، وكأنه يعيد الحياة إلى مشاهد قديمة منسية؛ ومنها ينطلق الفيلم في عرض مشاهد سينمائية من القدس في عهد الانتداب البريطاني، ثم مشهد من حقبة وصول هتلر إلى السلطة عام 1933 وسياسة اضطهاد اليهود في أوروبا الشرقية.
ورغم أن هذه الفترة ليست الحيز الزمني الذي يعتني به الفيلم، فإنها بدت كمادة تعريفية بالقضية الفلسطينية التي تناولها انطلاقًا من النكبة 1948، ثم النكسة 1967 وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين؛ في مشاهد حملت اسم “حكاية شعب خلال بحثه عن صورته”.
أبيض وأسود
يسافر الفيلم مع حافلات الفلسطينيين التي أقلّتهم من الضفة الغربية وبعد عبور جسر اللنبي إلى الشتات على وقع حرب 1967، في مشاهد جمعها من أرشيفات العالم، وتمر الكاميرا باللونين الأبيض والأسود على مخيمات اللجوء الحديثة.
ولم تغب مشاهد معسكرات تدريب الفدائيين الفلسطينيين عن الفيلم؛ حيث يعرضها المخرج إلى جانب مشاهد لافتة من مدرسة فلسطينية يسأل فيها المعلم طلابه عن غاية حمل الفلسطينيين للسلاح، فيجيب أحدهم: لاسترجاع وطننا فلسطين، وإن كان بإمكان الفلسطينيين استرجاع وطنهم بالمفاوضات، فيرد التلاميذ بالنفي، ويقول أحدهم: بقوة السلاح.
ولدى سؤال المعلم عن شعار الفلسطينيين من أجل تحرير بلادهم يرد تلميذ: “ثورة حتى النصر”، وهو العنوان الآخر لفيلم اليعقوبي، ويمثل مرحلة انقطع عنها الخطاب الفلسطيني الرسمي منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو للسلام مع إسرائيل 1993.
ويستعرض الفيلم لقطات من أعمال سينمائية لا يعرفها أرشيف الفلسطينيين الحالي وجمعها اليعقوبي بعد بحث طويل في أرشيفات سينمائية موزعة حول العالم.
ملامح من الشتات
وحرص الفيلم على استعراض ملامح من حياة الفلسطينيين في الشتات؛ منها حلقات التعلم والتثقيف، ومنها مقابلة مع المناضلة ليلى خالد تتحدث فيها عن تعليم النساء وإكسابهن مهارات مهنية وعلمية، وكذلك مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في حديثه عن النضال لاسترجاع فلسطين، وكذلك لانخراط مجتمع الفلسطينيين في الشتات بنسائه وأطفاله وشبابه في الاستعداد للمقاومة.
ومن هذه الأفلام “لحن لأربعة فصول” للمخرج عدنان مدانات، و”ثورة حتى النصر” لنيوزريل عام 1973، و”عدوان صهيوني” لوحدة أفلام فلسطين 1973، و”الفلسطينيون” للمخرج الهولندي جان فان دير كيوكين، و”شجرة الزيتون” لجماعة سينما فانسان 1976، و”المضطهدون دائمًا على حق” لنيلز فيست 1975.
مجهود الإخراج
يتحدث مهند اليعقوبي عن عملية بحث في أرشيفات عالمية للكشف عن سينما الثورة الفلسطينية، ويتتبع المخرج أعمال صانعي الأفلام في تلك الفترة، مثل مصطفى علي وهاني جوهرية، الذين التحقوا بصفوف الثورة الفلسطينية من خلال العمل السينمائي “في محاولة لاستعادة صورة الفلسطيني وروايته”، كما يقول التعريف بالفيلم.
ويهدف الفيلم إلى سد ثغرة في الذاكرة الجماعية، مما يجعل من الماضي عنصرًا هامًا لتحليل حاضر السينما الفلسطينية؛ وهو ما يمثل غاية المخرج، الذي يرى في الفيلم مرحلة من عملية جمع ما تبعثر من أرشيف الثورة الفلسطينية وتوثيقه ونشره.
يقول المخرج مهند اليعقوبي إن الفيلم يتناول الثورة الفلسطينية وعلاقتها مع السينما وأهمية هذه السينما لدعم الثورة، وهو يعتقد أن البحث عن السينما كان يعني البحث عن الثورة ذاتها.
سينما النضال
تقول وزارة الثقافة الفلسطينية، التي دعمت إنتاج الفيلم، إنه يركز على “سينما النضال” الفلسطينية، وهو مصطلح استخدم في الأفلام المنتجة حول الثورة الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات التي مثلت نموذجًا لشعب يناضل لاستعادة أرضه من خلال الصورة؛ وتعكس هذه الأفلام تحولًا في هوية الشعب الفلسطيني من شعب لاجئ إلى شعب يقاتل من أجل الحرية.