رأت صحيفة “ديلي بيست” البريطانية أن رهان الرئيس الأميركي ترامب على السيسي كحليف إقليمي من المؤكد أن يفشل نظراً للإخفاقات السياسية والأمنية والاقتصادية لنظام عبدالفتاح السيسي.
واستهلت الصحيفة بالإشارة إلى ما تشهده سيناء من انفلات أمني وذكرت قصة “مسحاق” المواطن المسيحي الذي سأله المسلحون خلال ذهابه إلى عمله مع زملائه المسلمين إلى العمل عن ديانته.
ورفض “مسحاق”، وهو القبطي المتدين، الكذب على الجهاديين، كما قال صديقه المسلم في وقت لاحق للأسرة، وطلب مقاتلوا تنظيم الدولة الذين تفاجأوا بشجاعة الرجل، الاطلاع على بطاقة هويته التي أكدت ديانته حتى أنهم فحصوا الوشم الموجود على معصمه، وطلبوا منه الخروج من السيارة وعندما رفض، قاموا بسحبه وطلبوا منه الركوع، وعندما رفض للمرة الثانية أطلقوا عليه 14 رصاصة وتركوا جثته في الصحراء.
وتقول ماجدة البالغة من العمر 52 عاما، والتي اضطرت هي و300 عائلة مسيحية أخرى: “الإرهابيين ليس لديهم جدول زمني للظهور، إنهم يظهرون في أي مكان”.
وتقول ماجدة في تصريحات للصحيفة: “ظهر حاجز تنظيم الدولة بين نقطتي تفتيش عسكريتين”، وأضافت: “لا بد وأن يكون الجنود قد سمعوا أصوات الرصاص، إن لديهم أبراجا، تمكنهم من أن يروا بسهولة ما يجري، كان زوجي يقود سيارته وأمامه سيارة عسكرية، لكن لم يأت أحد لنجدته”، وتستطرد: “قوات الأمن قلقة على أمنها الشخصي، إنهم في الغالب يخافون من القيام بأي شيء”.
وترى الصحيفة أن النزوح الجماعي للمسيحيين من شبه جزيرة سيناء المضطربة فى فبراير الماضى والذى أعقت تفجير تنظيم الدولة لكاتدرائية كبرى فى القاهرة فى ديسمبر الماضى هو تذكير صارخ بالكيفية التي لا تفوذ فيها الحكومة في الحرب المشتعلة ضد تنظيم الدولة .
وقالت العديد من العائلات المسيحية التي تحدثت إلى الصحيفة إنهم صوتوا لعبد الفتاح السيسي الذي وعد بالاستقرار والأمن والازدهار لكنه خيب آمالهم وتندمج قصص العريش مع قصص من أخرى من الوداي والدلتا، مثل المنيا حيث –بحسب الصحيفة – تحرق منازل المسيحيين بشكل متكرر ويختطف أفراد أسرهم للحصول على فدية.
الجدير بالذكر أن دعم مكافحة الارهاب، الذى يهدد سكان مصر البالغ عددهم 92 مليون نسمة، سيكون على رأس جدول اعمال خلال اجتماعه مع الرئيس الامريكى ترامب فى واشنطن يوم الاثنين .
وتضيف الصحيفة أن السيسي، الذي اشتهر بكونه أول رئيس دولة اتصل على ترامب للتهنئة بفوزه الانتخابي، على علاقة قوية مع نظيره في واشنطن استناداً إلى موقفه المتشدد ضد الإرهاب، وكراهية الإخوان المسلمين، ووصف ترامب قائد الجيش السابق بأنه “رجل رائع” فى مقابلة مع فوكس نيوز في سبتمبر، وتحدث المرشح الجمهوري آنذاك بحماس عن “الانقلاب العسكري” الذي ترأسه السيسي عام 2013، والذي أدى إلى مقتل مئات من معارضي النظام وإلقاء القبض على آلاف آخرين ، وقال ترامب إن “الولايات المتحدة ستكون صديقا مخلصا وليس مجرد حليف يمكن أن تعتمد عليه مصر في الايام والسنوات المقبلة”.
ولكن مع دخول الاقتصاد المصري إلى مرحلة السقوط الحر، ومع تزايد الهجمات الإرهابية، وبناء علاقة لا تلقى بترحيب أميركي مع روسيا، العدو القديم للولايات المتحدة، يتساءل المرء ما إذا كانت مصر حقا هي المحور الرئيسي لاستقرار الشرق الأوسط أو أنها برميل بارود قد ينفجر في وجه ترامب .
وفي ذات الوقت، تواجه مصر، التي مرت بانتفاضتين منذ عام 2010، شبح الاضطرابات المتزايد لمواجهتها أسوأ أزمة مالية منذ عقود، وأدى النقص الحاد في قيمة الدولار، الذي تسبب فيه ندرة الاستثمارات الأجنبية، ووقف المساعدات الخليجية، ورغبة البنك المركزي اليائسة في الحفاظ على قيمة الجنيه المصري، إلى وقف الواردات، مما دفع نقص كبيرفي المواد .
وأدى ذلك في النهاية إلى تعويم الجنيه المصري في نوفمبر لجذب تدفقات العملات الأجنبية ،وفي الوقت نفسه، رفعت الحكومة جزئيا دعم الوقود، وهو الإجراء الذي لا يلقى ترحيباً ،مما أدى إلى ارتفاع سعر البنزين ثم فرضت ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13 في المائة للمرة الأولى.
وارتفع معدل التضخم ليصل إلى 30.2 في المائة، وهو أعلى ارتفاع له منذ 30 عاما، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات تضخم الغذاء ليصل إلى 40 في المائة، وأدت الأسعار المرتفعة والضرائب الجديدة والرواتب المتدنية إلى جعل حياة 25 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أقرب إلى المستحيل، وزاد الأمر سوءاً فقط عندما حاولت الحكومة إصلاح برنامج الدعم، وهو أحد متطلبات الحصول على القروض .
ويقول سيف البالغ من العمر40 عاما، وهو والد لطفلين، إنه شهد انخفاضا في راتبه بنسبة 90٪ منذ انتفاضة الربيع العربي، مؤكداً على أن الحكومة تدفع الناس إلى القيام بثورة جياع.
وتلفت الصحيفة إلى رفع وزارة الصحة أسعار الأدوية بنسبة تصل الى 50 في المائة ويقول محمود فؤاد مدير “المركز المصري للحق في الدواء” الذي يراقب المعروض من الأدوية إن نحو ثلاثة آلاف صنف دواء دواء ما زالوا مختفين من السوق، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة مثل أدوية العلاج الكيميائي وأمراض الجهاز العصبي والكبد، كما أن حبوب منع الحمل والمحلول الملحي واللقاحات غبر متوفرة أيضاً، مما اضطرالمصريين إلى اللجوء إلى السوق السوداء حيث ترتفع الأسعار بنسبة 85 بالمائة، ووفر اختفاء الأدوية فرصة تجارية مربحة للجيش؛ إذ أعلن أنه سيبدأ في بناء مصنع لأدوية السرطان والمحلول الملحي والحقن الطبية.
ويقدر الخبراء سيطرة الجيش على شتى المجالات الاقتصادية بنسبة تتراوح بين 5 و 40 في المائة من الاقتصاد المدني، مؤكدين على قدرته على التفوق على القطاع الخاص مع توفر القوى العاملة الرخيصة من المجندين، والحصول على كل ما يلزمه من النقد الأجنبي ،وخلال شهر مارس وحده، أعلنت وزارة الإنتاج الحربي عقود عسكرية منفصلة لتصنيع الألواح الشمسية وقطع غيار السيارات وقطع غيار الآلات الزراعية وصوامع القمح، والحقن الطبية وأدوية السرطان .
وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر والمصريين من الأزمة الاقتصادية، فإن السيسي من المرجح أن يتطلع إلى الحصول على دعم مالي أكبر من الولايات المتحدة، ربما من خلال حزم المساعدات الاقتصادية أو الاستثمارات، وتحدث ثلاثة نواب برلمانيين بشكل منفصل للصحيفة مؤكدين على أنهم يتوقعون إتمام صفقات كبيرة خلال رحلة السيسي إلى أميركا.
ويرى بعض الخبراء أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك، ويقول “تيموثي كالداس” الزميل غير المقيم بمعهد التحرير: “تسير الولايات المتحدة في اتجاه عزل نفسها، وستعمل على خفض ما قيمته 28 مليار دولار من ميزانية المساعدات الخارجية”.
ويضيف كالداس: “ينظر الجانبان إلى بعضهما البعض ويبالغان في مدى فائدة كل منهما للآخر. إن فائدة السيسي للولايات المتحدة محدودة جدا مثلما ظهر في علاقته مع السعودية، ومغازلته لروسيا”.
ويستطرد “كالداس” “يركز السيسي على القضايا الداخلية ،وسيكون سعيدا إذا تلاعب بمليون حليف له، ربما يتعارضون مع بعضهم البعض، لكن التضحية بأحد منهم أمر مستبعد”
وبالعودة إلى الإسماعيلية؛ حيث تعيش أسرة ماجدة وسط بؤس شديد، تقول إن صاحب المنزل يحاول طردها منه هي وأسرتها، وتقول ماجدة الواقفة في وسط كومة من المفروشات تعد سريرا جماعيا للعائلة: “لا نملك أي شيء لفعله، لقد أرسلنا فاكسا إلى مكتب الرئاسة، نتوسل المساعدة”.
وتختم الصحيفة بقول “ماجدة”: “إذا لم نعثر على أي مكان للعيش، فإن علينا أن نعود إلى العريش ونخاطر بتعريض حياتنا للموت”.