لم يكد الوافد الجديد أن تطأ قدماه البيت الأبيض ويتعرف على أركانه وحواشيه إلا وبدأت قوافل الحكام العرب تطرق الأبواب وتتنافس في رحلة الطواف حول البقرة المقدسة، جوقة إعلام الإستبداد وأوركسترا صناعة الوهم والدجل تقيم الأفراح والليالي الملاح تهنئةً وبشارةً لمن كُتبت له الزيارة أو سبق في قبول سعيه قبل غيره.
كل هذا رغم أن أمريكا الحالية ليست في أقوى حالاتها، كما أن هذا “الترامب” مازال يتحسس الخُطا في ولايته المثيرة للجدل ولا أحد يتوقع مصير مستقبله السياسي.
في أفضل الحالات مازال الرئيس الأمريكي في مرحلة تغيير جلده وخلع لباس العنترة الذي ارتداه ووصل به إلى الحكم، ليتحول بمرور الوقت إلى رجل دولة العام سام العميقة التي ربما لن تصل به حيث وصلت بسابقيه.
الغريب في الأمر أن التأفف من ترامب واستهجانه واستنكار مواقفه وربما مواجهة سقطاته هو الشأن العام في داخل أمريكا قبل خارجها، وهو بعد شهرين فقط من احتلاله المفاجئ لكرسي الحكم في أمريكا لا يزال يقدم نفسه في صورة الشخصية المقززة ويتعامل مع الرؤساء والقادة بلا دبلوماسية رزينة ولا برتوكول محترم وبجليطة لا تليق.
موظفوا الرئاسة والبروتوكول في البيت الأبيض احترفوا تفسير مواقفه المحرجة والمزعجة التي كان آخرها رفضه مصافحة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام الصحفيين، وخرج التبرير أنه لم يسمع حديثها.
هذا الخرف الدبلوماسي الذي يقدمه ترامب في مواجهة حكام وحكومات أقوياء ويحاول فيه أن يظهر في صورة القوي المرعب، بينما يجلس أمامهم مجلس الند بما تفرض لغة القوة شرعية الحكم ودعم ومساندة الشعوب.
أما العرب وفي حالتنا الراهنة التعيسة وما نمر به من سقطة تاريخية؛ حيث يمثلنا فيها في مواجهة هذا العتل الأشِر مجموعة من السفهاء والضعفاء والخونة.. ماذا عن لقاء هؤلاء المساكين الحمقى بهذا المُنتَفِخ الغَشُوم؟!
بعيداً عن بروتوكول المقابلة وابتسامة اللقطة..
كيف بنا أن نتصور الحوار الفعلي من لقاءات ذلك الفحل بمثل هؤلاء الغواني؛ ماذا سيكون منه وما سيكون منهم؟!.
ما هي لغة اللقاء؟!.
هل لهم طلبات وحاجات؟!.
أي غنج سيكون في أصواتهم الناعمة الخجولة؟!.
ماذا ستكون أوامر هذا الذي سيستأسد على نعاج أتته راكعة؟!.
ماذا عن حيدر العبادي في هكذا موقف، وهو الذي فضح منصبه وشعبه ووطنه في مقابلة أوباما الذي كان “رحيماً”؟!
ماهي الرسالة التي حملها العبادي وهو يلتقي برجل قد تندر في حملته الإنتخابية على العراق وأهان تاريخه وشعبه وحكامه؟!.
تصريح العبادي عقب لقائه بترامب أتى نموذجاً قذراً لحالة الأنظمة العربية من الإنبطاح والعمالة إذ وصف العلاقة بين بغداد وواشنطن بأنها “اختيارية وليست قسرية”!!.
على الجانب الآخر يجري الإعداد على قدم وساق لزيارة عبد الفتاح السيسي صاحب مذهب “الـمُحن” السياسي وفارس دبلوماسية السهوكة والتسبيل.
طبعاً لا أحد يأخذ حديث الإعلام المصري عن أهمية السيسي أو أهمية مصر الإنقلاب مأخذ الجد!!.
نعم لا يملك السيسي دفتراً للشيكات وليس عند مصر أرصدة بمليارات الريالات ، لكنه يمثل فرضية “الاستبرتيز” السياسي في أفحش صورها، ويعطي فرصة الإنقضاض على الأمن القومي المصري والعربي على السواء لصالح اسرائيل.
ماذا عن تيران وصنافير التي قد تصبح قاعدة امريكية أو حتى إسرائيلية بإشراف أمريكي؟!.
ماذا عن التنازل عما نعرفه وما لا نعرفه من أجل إعتراف أمريكي ودولي بإنقلاب تم أصلاً على أعين حمائم الغرب.. ماذا إذن عن صقورهم؟!.
وثالثة الأثافي؛ لا أحد يُسرف في ترهات حفاوة استقبال ترامب لولي ولي العهد السعودي، الحيرة والترقب فيما دار في اللقاء!.
ماذا يمكن أن تثمر عنه سهرة قضاها هذا “الطررامب” ــ صاحب التاريخ في المغامرات الليلية وعلب الليل المشبوهة والصفقات القذرة ــ مع شاب لم يتجاوز فترة مراهقته السياسية وكل ما يشغله هو البحث عن دور ما في المستقبل يرجو له موافقة وينتظر الاعتماد؟!.
يا تُرى ما الذي قاله الأمير الشاب لعجوز النظام الأمريكي الذي وصف المملكة في حملته بأنها بقرة متى جف حليبها سنذبحها؟!!.
هل نستطيع أن نتجاهل حديثه عن مليارات وربما تريلونات يتوجب أن تدفعها السعودية لأمريكا كـ”جزية” نظير حمايتها والدفاع عنها؟!
بطبيعة الحال لست معنياً بحصر سقطات ترامب في حملاته الانتخابية، كما أنني سأتجاوز نصف الزيارة الغير رسمي للأمير الشاب والتي تندرج تحت الخاص المسكوت عنه، لكننا جميعاً معنيون بحقيق ما جرى في الجلسة الرسمية التي غصت بالتنازلات من جانب والفرمانات من آخر!!.
هل ذهب بن سلمان ليطلب أم أُحِضر ليتلقى ويستمع؟!.
هل نتوقع أن الأمير الشاب طالب ترامب بأجندة قومية أو عروبية؟!.
هل ثمة حديث أجراه مستقبل الحكم السعودي عن تداعيات قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (JASTA) الذي أُقِر في العام الماضي؟!.
أم أن سطوة ساكن البيت الأبيض ــ الشَرِه العجوزــ ستكون أشد قساوة على الخزانة السعودية من قانون مُعلن جرى إطلاقه في زمان أوباما “الحنين”؟!.
أعتقد أنه بات من الماضي المكرور واللحن المشروخ أن هكذا زيارات إنما تكرس دور الولايات المتحدة في إعتماد مستقبل شخوص الحكم في الواقع العربي!!.
لا يعنينا كثيراً أولئك المشغولين بالتغييرات المستقبلية وربما الوشيكة في بنيوية نظام الحكم السعودي، إنما يعنينا فاتورة الأمن القومي العربي وإهدار مقدرات الأمة وعفتها التي تُذبح ودماءها التي تسيل قرباناً لمثل هذا!!.
لسنا معنيين كذلك بأن يُسَّوق هذا أو ذاك نفسه كرجل دولة أو باحث عن شرعية أو محارب للإرهاب.. فلا رجل هنا ولا شرعية هناك والجميع يدعم الأرهاب ويتغذي عليه ويستفيد منه!.
لكن يعنينا بالدرجة الأولى الترتيبات الإقليمية التي تجعل من الكيان الصهيوني شريكاً في حِلفٍ “سُني” في الوقت الذي تُقْصَى فيه إي غيرة إسلامية أو إرادة شعبية أو نزعة وطنية!.
الحقيقة البادية المستقرة أننا دخلنا في موسم “الحج” لكعبة طرامب المشؤومة بما فيها من سعي مُنْكر وطواف مذموم؛ أما الوزر والغاية من هذا كله أن تخضع المنطقة العربية والأمة كلها لسطوة إسرائيل وتحقيق أحلامها..
يقيني أن هذا لن يكون، وأنه لن يحيق المكر السيء إلا بأهله..
وأن في سماء الواقع بشارات ونذر، يوشك معها أن يتبدل الحال وترتفع راية الحق والحرية..
حينها ستميد أرض الخيانة بهؤلاء جميعاً.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!!.