نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالًا للباحث في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط الكاتب فيصل عيتاني بعدما هاجمت القوات الأميركية الجوية قواعد سوريّة على خلفية استخدامها أسلحة كيميائية في “خان شيخون”، وحاول عيتاني تحليل أسباب بشار في القيام بهذه المذبحة وخسارة التأييد في الوقت الذي كان يحقق فيه انتصارات كبرى في معاركه ضد المتمردين.
وإلى نص المقال:
انتهك الرئيس السوري بشار الأسد الخطوط الحمراء التي زعم الرئيس الأميركي باراك أوباما بوضعها بعدما استخدم الأسلحة الكيميائية لأول مرة في أغسطس 2014م، ولم تتم معاقبة الأسد على ذلك؛ ولكنه ادعى أنه سلّم الأسلحة الكيميائية وفق اتفاقية روسية أميركية، وسُمح له بشن حروب باستخدام أسلحة غير كيميائية.
وفي الأشهر الأخيرة تحسنت حظوظ بشار؛ حيث تمكّن من هزيمة المتمردين في معركة تلو الأخرى، وتساءل محللون: لماذا سيخاطر بكل هذه الانتصارات ويشن حربًا كيميائية ويتسبب في إثارة أميركا لتشن حروبًا على قواعد سوريا العسكرية؟
والحقيقة أن الأسد لديه أسباب كبرى للقيام بمثل هذه المذبحة، وأسباب أقلّ لتقييد نفسه. ومن أهم الأسباب محاولته استعادة السيطرة على سوريا؛ حيث ساهم سقوط حلب في ديسمبر في قربه من الانتصار. ولكن، على الرغم من هذا القرب؛ فإن مقاطعة إدلب سببت لهم إزعاجًا، واستخدم المتمردون هذه المقاطعة قاعدة شنّوا من خلالها هجمات ضد قوات النظام.
ووعد بشار باستعادة السيطرة على إدلب، فيما وصف بأنها ستكون معركة دموية كبرى وطويلة. ورغب من خلال الهجمات بهذه الغازات ضد المدنيين في بلدة “خان شيخون” أن يزرع الخوف في قلوب السكان المحليين والمقاتلين، وأمُلَ الرئيس السوري أن يؤدي ذلك إلى انهيارهم.
وعلى الرغم من وحشية بشار؛ فإنه لا يعد غبيًا. وأخبرني بعض الأشخاص المقربين من النظام السوري أن بشار والدائرة الداخلية يعلمان أن الولايات المتحدة الأميركية تعد القوة الوحيدة التي تمثل تهديدًا لبقائهما. لذا؛ لم يكن من المتوقع أن يقوم الأسد بأي فعل يستفز أميركا ويؤدي إلى تحركها العسكري ضده. ولم تكن هذه نيته عندما نشر الغاز السام في “خان شيخون”.
ولمدة أشهر، انتقد ترامب أي صراع مع حكومة الأسد؛ باعتباره تشتيتًا عن المعركة ضد داعش، ودعا إلى تعزيز التعاون مع روسيا التي تعد حليفًا للنظام السوري. وقبل الهجمة الكيميائية بأيام، صرّح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن مصير بشار سيحدده الشعب السوري.
ويعلم بشار أن الشعب السوري لا يستطيع فعل ذلك؛ ولذا اعتبر هذا التصريح الأميركي يعني أنه مهما فعل النظام السوري سيتركونه في السلطة. وأكدت سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة “نيكي هيلي” هذا الانطباع بعدما أخبرت المراسلين أن أولوياتهم لم تعد رحيل الأسد.
واعتبرت دمشق أن هذا بمثابة الإشارة الخضراء لقتل من يريدون قتله لاستعادة السيطرة في أسرع وقت. ولم يصدق بشار هذا لأنه فَقَدَ عقله؛ ولكن لأن أميركا تركت مثل هذا الانطباع.
ومن المؤكد أنه تفاجأ مثل الجميع بأول هجمات أميركية صريحة ضد سوريا منذ أن بدأت الحرب منذ ست سنوات.
ومن المتوقع أن هذه الهجمة لن يكون لها تأثير قوي؛ فلا زالت قوات بشار لها اليد العليا. وعلى الرغم من أن قرار إدارة ترامب بالتخلص من القاعدة الجوية السورية يعني أنها لن تدع نظام بشار يفعل ما يحلو له ويجلب انتصارًا سريعًا بأيّ طريقة؛ فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن أميركا جاهزة للتدخل القوي لتغيير مسار المعركة.
بالطبع ستؤدي الهجمات الأميركية إلى اهتزاز نظام بشار؛ إلا أنه ستكون لديه معرفة أفضل لحدوده في هذه الحرب بعدما فشلت روسيا وإيران في الدفاع عنه. وحذر محللون من أن الأعمال العسكرية الأميركية في سوريا قد تؤدي إلى بداية حرب عالمية ثالثة، ولكن لم تردّ إيران حتى الآن إلا بالكلمات فقط.
وسرعان ما علّق تيلرسون بأن هذه الهجمات لا تعني تغيير السياسة الأميركية؛ حيث لا توجد حتى الآن أي خطط لإجبار بشار على الرحيل، أو حماية المعارضة، أو بناء مناطق آمنة في سوريا.
ومن المؤكد أن نظام بشار سيعود لشن الحروب، بدعم سوري وإيراني. وإذا كان بشار ذكيًا سيفعل ذلك دون استخدام أسلحة كيميائية، أو حصار أو تجويع لشعبه. وأخيرًا، أظهرت أميركا أنه سيكون لها رد فعل ضد النظام تحت ظروف معينة؛ ولكنها لم تعلن عن أي قواعد جديدة للحرب.