بعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض، بدأ فريق الأمن الوطني إلغاء خطة الرئيس السابق باراك أوباما بالانسحاب من الشرق الأوسط؛ من خلال تعلّمهم درسين من إدارتي بوش وأوباما: أولهما أن القوات الكثيرة لن تغير من المشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة، والآخر أن وجودًا محدودًا لجيش متخصص أمرٌ هامٌّ لمنع هيمنة إيران وروسيا على الشرق الأوسط والخليج الفارسي حتى الغرب.
وخلال العام الماضي أُرسلت مئات من القوات الأميركية إلى شمال العراق لدعم قواته في قتالها لطرد “داعش” من معقله في الموصل.
وانضمت مؤخرًا بعض القوات إلى المتمردين السوريين وللمقاتلين الأكراد في مساعيهم للتخلص من داعش من عاصمته في “الرقة”. وفي اليمن، دعّمت القوات الجوية الأميركية والقوات الخاصة قتال السعودية والإمارات ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران؛ وذلك في محاولة لاستعادة الحكومة الموالية للغرب.
واستطاع فريق الأمن الوطني إقناع الرئيس الأميركي بأن إيران تمثل تهديدًا عظيمًا لحلفاء أميركا، منهم السعودية والبحرين والإمارات. ومن المحتمل أن تحاول إيران ايصال حكومة موالية لها للحكم في العراق عندما تغادر القوات الأميركية. وساهمت روسيا بعد تدخلها في 2015 في سوريا في تعزيز نفوذ إيران، واستضاف بوتين مؤخرًا الرئيس الإيراني للتركيز على تعاونهما.
وتساءل الأميركيون عن سبب إرسال ترامب لمزيد من القوات إلى الشرق الأوسط بعدما قرر أوباما بدعم شعبي أن أميركا لم تعد لديها مصالح هامة في المنطقة تستحق إبقاء قوات هناك.
ولكن، هل تغير الرأي العام الآن بشأن الشرق الأوسط؟ من الأرجح أنه لم يتغير؛ ولكن حدث تغيّر في المناخ السياسي والاستراتيجي ساهم في إقناع عدد من الديمقراطيين البارزين، وليس ترامب فقط، بأنه لا يجب أن تتخلى أميركا عن مسؤولياتها في المنطقة. ولكن، ما هي هذه المسؤوليات؟ وهل هي مصالح وطنية تحتاج وجود قوات أميركية؟
ويقول المؤيدون إنه إذا استمرت أميركا في عدم وجودها في الشرق الأوسط ستستطيع إيران وروسيا الهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة. ووفق هذا الرأي، فإن إيران تريد تخريب الحكومات العربية في دول الخليج، وتضع في النهاية حكومات موالية لها. وترى أن بوتين سيرفع من حظوظ طهران عن طريق زيادة القوات الأرضية والجوية لدعم الأسد ولتوسيع نفوذها حتى لبنان.
أما بالنسبة إلى الرأي المناقض، فيعتقد أن ترامب لا يجب أن يضيف أي قوات، وعلى العكس، من الضروري سحب ما تبقى هناك والاعتماد على العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية. ويرون أن أميركا لم تعد تعتمد على بترول الخليج ولا تحتاج إلى أسطولها الخامس في البحرين لحماية تدفقها. أما بالنسبة إلى روسيا، فمن وجهة نظرهم أن موسكو يجب أن تتعامل مع الحرب الأهلية السورية وتقود القتال ضد داعش.
وتجاهل مناصرو الانسحاب الأهمية الحاسمة لتركيا وإسرائيل بالنسبة إلى المصالح الاستراتيجية الأميركية طويلة الأجل، ويعتقد البعض أن إسرائيل لم تأخذ أي تحرك عسكري ضد إيران. وهي وجهة النظر التي تعد خطيرة ومكلفة لإسرائيل؛ ولكن إذا تعرضت إسرائيل إلى أي أفعال انتقامية من إيران حينها ستُجْبَر أميركا على الانضمام.
ومن العناصر الهامة أيضًا تركيا، التي تملك أقوى جيش في الشرق الأوسط. وإذا قررت واشنطن الانسحاب العسكري من المنطقة فإن القيادة الحالية لأنقرة يمكن أن تتماشى مع موسكو وترفض استخدام أميركا لقواعد أساسية في أنقرة.
ويعتبر السبب الأساسي لزيادة ترامب التدخل العسكري في الشرق الأوسط هو لضمان عدم رسم روسيا وإيران لشكل الشرق الأوسط دون مشاركة أميركا. وسنعلم قريبًا عدد القوات الإضافية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف.