بعد إلقاء القوات الجوية الأميركية صواريخها على قاعدة جويّة سورية كرد فعل على الهجمات الكيمياوية لنظام الأسد على قرية “خان شيخون”، أشادت وسائل إعلامية بالجيش الأميركي، معتبرين أن هذه الهجمات تنم عن موقف أخلاقي. واتفق محللون أن مثل هذه الإشادة تفتح الباب لتبرير أي حملة عسكرية لأميركا لاعتبارات أخلاقية أيضًا.
ورصد الكاتب والناشط جريجوري شوباك ردود فعل الصحافة الأميركية على الصواريخ التي ألقتها أميركا على قاعدة جوية سورية في مقال نشرته صحيفة “ميدل إيست آي”.
وإلى نص المقال:
عندما اتهمتْ أميركا الحكومة السورية باستخدام الغازات الكيمياوية في هجماتها بقرية خان شيخون وإلقائها صواريخ على قاعدة سورية كرد عليها، أشادت وسائل الإعلام الأميركية بالأسباب الأخلاقية خلف التحرك الأميركي.
وقال محررو صحيفة “واشنطن بوست” إن “هذه الهجمات ضد سوريا كانت في محلّها ومسألة أخلاق”، وفي الصحيفة نفسها اعتبر الكاتب “مايكل جيرسون” أن هذه الهجمات كانت ضرورية، مضيفًا أن الرئيس الأميركي عندما رأى جثث الأطفال شعر بالعجز، موضحًا أنه عندما تُنتهك حقوق الإنسان لا يكون مرتكب الجريمة فقط هو المسؤول؛ ولكن المتفرج أيضًا تقع عليه مسؤولية.
أما محروو صحيفة “نيويورك تايمز” فقالوا إنهم شعروا بالارتياح وبتحقيق العدالة بعد الهجوم الأميركي، فيما قال الكاتب “نيكولاس كريستوف” إن “هذه الهجمات كانت غير شرعية ومتهورة، وربما جاءت لدوافع سياسية، وخلقت مخاطر جديدة لأميركا؛ ولكن كان لا بد منها”.
ولكنه تساءل كيف تحرك “ترامب” بسبب صور أطفال خان شيخون، في الوقت الذي يحاول فيه حظر دخول السوريين لأميركا، أنهى مقاله أنه يفضل أن يفعل ترامب شيئًا صحيحًا بين الحين والآخر بدلًا من فعل الشيء الخاطئ طوال الوقت.
وما توضّحه هذه المقالات أن الإعلام الأميركي يصوّر أن جيشه يتحرك بناء على دوافع أخلاقيّة، وتناسوا أن أفعال الدول الرأسمالية تأتي لاعتبارات سياسية واقتصادية.
ولم يلاحظ النقاد أن إشادتهم بهذه الضربات قد تؤدي إلى تزايد الوجود الأميركي في الحرب السورية، وتزيد من حدّة التوترات مع الحكومة السورية وحلفائها مثل روسيا وإيران.
وقد تؤدي هذه التطورات إلى صعوبة إيجاد حلول بشأن الحرب السورية، وتزيد من حدة الحروب في الشرق الأوسط، ويمكن أيضًا أن تقود إلى نشوب حروب جديدة في المنطقة وفي شرق أوروبا.
ولا يُعتبر أخلاقيًا أن تُقصف دولة بها إراقة دماء ويُتسبب في زيادة عدد القتلى؛ لكن التصرف الأخلاقي الوحيد هو الضغط من أجل وقف إطلاق النار، وفي النهاية التفاوض للوصول إلى حل بشأن هذه الحرب.
وحتى إن لم تسبب الضربات الأميركية كل هذه الكوارث؛ إلا أن تشريعها بهذه الطريقة من وسائل الإعلام سيعطي الفرصة للعسكرية الأميركية أن ترتكب ما هو أصعب في المستقبل؛ خاصة مع وجودها في عدة حروب مثل اليمن.
إن الخلط ما بين حملات القصف الأميركية والعاطفة والعدل والأخلاق يؤدي إلى تبرير الحملات الأميركية التي تؤدي إلى قتل عديدين، وتناست وسائل الإعلام تسبب الجيش الأميركي في مقتل حوالي 49 شخصًا في سوريا في مارس الماضي بعد قصفها مسجدًا في إدلب بسوريا، وبعدها بخمسة أيام أراقت أميركا دماء أخرى من خلال التحالف الذي تقوده؛ حيث قتل حوالي 33 شخصًا على الأقل في الرقة، ومعظمهم من المدنيين، وفي حملة أخرى يوم 17 مارس بالموصل قتلت القوات الأميركية ما يقرب من 300 شخص، غالبيتهم من المدنيين.
ولذا؛ قبل أن تتحرك الحكومة الأميركية تأثرًا بمقتل الأطفال على أيدي حكومات أخرى كان يجب أن تتأثر لتسببها في مقتل أطفال ومدنيين في غاراتها.
وتتسبب الحروب الأميركية أيضًا في القتل البطيء من خلال تدمير الاقتصاد والأنظمة الصحية والبنية التحتية؛ فعلى سبيل المثال قدمت أميركا غطاء للسعودية في حربها على اليمن، في حين تسببت السعودية في تجويع الشعب اليمني.
ولا يمكن اعتبار أميركا بريئة في الحرب السورية بين نظام الأسد والجماعات المعارضة؛ ففي الوقت الذي ساعدت روسيا النظام السوري في ارتكاب جرائم حرب، فإن أميركا وشركاءها فرضا عقوبات أضرّت بالشعب السوري، بالإضافة إلى تسليحها للجماعات المعارضة التي ارتكبت بدورها جرائم ضد الإنسانية.
وفي أنحاء العالم، تسببت أميركا وحلفاؤها في القتل والإصابات في أكثر من مناسبة، ولكن تم محو كل ذلك خلال حديث النقاد عن أخلاقيات الجيش الأميركي.
إن تصوير وسائل الإعلام للحرب الأميركية كشجاعة أخلاقية بدلًا من تصوريها على أنها إرهاب شامل يعزز فكرة أن العنف الغربي ضد العرب هو أمر طبيعي ومرغوب فيه؛ ما يشجع المشاهدين على قبول الحروب الأميركية في الشرق الأوسط.