لا يخفى على أحدٍ ما تمر به السعودية من تغييرات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ففي الاقتصاد تحاول المملكة تقليل الاعتماد على البترول، وفي السياسة تأثّرت خلال الفترة الماضية برؤية الأمير محمد بن سلمان، واجتماعيًا حدثت تغييرات ملحوظة بتقليل سلطة الشرطة الدينية والانفتاح على الأنشطة الترفيهية.
وتزامنًا مع كل هذه التغييرات، بدأت النساء، اللاتي تمثلن الجزء المهمش في المجتمع، في التحرك عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتحسين أوضاعهن.
ولفهم مدى هذا التحوّل من ناحية النساء السعوديات، يجب تسليط الضوء على وضعهن في العقود الماضية.
وقالت إيمان الحسين، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إنه قبل الاعتماد على البترول كانت النساء تعمل بجدية أكبر من الرجال، وكان يُنتظر منهن الاهتمام بالعائلة والمشاركة في الداخل، بالإضافة إلى دور المرأة في المنزل وفقًا للتقاليد العربية.
وأضافت إيمان في مقال لها بموقع “ذا ناشونال” أن وضع المرأة في الثمانينيات وصل إلى درجة متدنية؛ حيث عملت عوائد البترول على تحسين أوضاع الأسرة السعودية، وسمحت لأصحاب العمل بالاعتماد على العمالة المحلية من الرجال، بالإضافة إلى صعود الاتجاه السلفي عبر حركة الصحوة؛ ما قلل دور المرأة في المجتمع بشكل أكبر. وأدى التمييز ضد المرأة إلى تضييق خياراتها في العمل؛ حيث لم يُتوقّع خروجها إلى العمل، وتوقف دعم المجتمع والأسرة لها.
وفي الثمانينيات والتسعينيات، أدى الخوف من الهيمنة الفكرية الغربية وخسارة الهوية الدينية إلى تضييق نطاق الانفتاح على العالم؛ ما أدى إلى الحفاظ على الأوضاع الثقافية السعودية القائمة.
وأضافت إيمان أن الفتيات السعوديات اللاتي تربين في هذه الفترة أدركن أن القيم المحافظة هي التي تشكل العمود الفقري لحياة السعوديين، وأصبحن مقيدات، ليس فقط بسبب ما كان يجب عليهن فعله داخل المنزل؛ ولكن أيضًا للقيود المفروضة عليهن خارجه.
ولكن هذه القيود لم تمنع مجموعة صغيرة من النساء في عام 1990 من التظاهر بسياراتهن للمطالبة برفع الحظر عن قيادتهن، ولكن المفاجأة أن هذه التظاهرات لم تتسبب في استياء الرجال فقط؛ ولكن أيضًا النساء، وكانت هذه المرة الأولى التي تتحدى فيها السعوديات الوضع، ودفعن الثمن؛ حيث صُنِّفنَ “غربيات”، واتهمن بمحاولة إضعاف المجتمع السعودي.
واعتبرت إيمان أن المطالبة فقط بقيادة السيارة أوضحت مدى الطبيعة المحافظة التي وصل إليها المجتمع السعودي في هذا التوقيت. إضافة إلى أن وجود السلطة الدينية ساعد على تثبيت وضع القيود على المرأة.
وأدى دخول الإنترنت عام 1999 إلى تحريك عملية التغيير للمجتمع السعودي وللمرأة على وجه الخصوص؛ حيث زوّدتهم مواقع الإنترنت بالعلم والترفيه، وأصبحت متنفسًا، ليس للمرأة فقط، وأيضًا بدأن استيعاب أن هناك عالمًا آخر مختلفًا عنهم إلى حد كبير.
وفي 2005 سمح الملك عبدالله للآلاف من الطلاب بالدراسة في الخارج. وفي البداية لم يسمح لأعداد كبيرة من النساء بالمشاركة في هذا البرنامج؛ لأن سفر المرأة وحدها كان أمرًا شاذًا عن المجتمع، ولكن تدريجيًا بدأ عددهن في التزايد.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملًا هامًا، حيث بدأت النساء عبر يوتيوب وتويتر وإنستجرام وسناب شات في تصوير حياتهن ومحاولة إيصال مطالبهن، ومن يدرسن بالخارجن أصبح لهن صوت فعّال في عالم التواصل الاجتماعي؛ وتدريجيًا بدأ عدد الفتيات على وسائل التواصل الاجتماعي في الزيادة، وأصبحن مصدر إلهام لغيرهن للانضمام.
وأشارت إيمان إلى أن هناك عاملًا آخر هامًا لانضمام النساء السعوديات إلى مواقع التواصل، وهو فقدان الثقة في السلطة الدينية؛ إذ إن رجال الدين الذين مَنَعُوا استخدام الإنترنت وكاميرات الموبايل والسفر بدؤوا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة القنوات المحلية والعالمية، وحضروا الندوات الاجتماعية وسافروا إلى الخارج؛ واعتقدوا أن ذلك قد يساهم في زيادة شعبيتهم، ولكنه أيضًا أدى إلى توجيه الانتقادات لهم من الرجال والنساء الذين رؤوا تناقضهم؛ وتدريجيًا بدأت الهالة حولهم في الاختفاء.
وهكذا، فالخوف من الفكر الغربي الذي حذّر منه رجال الدين لم يصبح تهديدًا. وبدلًا من ذلك، أصبح جزءًا من الهوية العالمية لرجال ونساء سعوديين، وأدى عدم الثقة في رجال الدين إلى إعطاء المرأة فرصة لإيصال مخاوفها ومطالبتها بحقوقها.
وأوضحت إيمان أنه عندما احتجّت السعوديات في 1990 واجهن معارضة عدوانية من النساء أنفسهن، والآن يواصل عدد النساء المطالبات بحقوقهن الازدياد؛ وهو ما يعد تثبيتًا لوجودهن، مضيفة أنه لا يمر يوم دون أن يشارك عديدون في الهاشتاجات الخاصة بوضع المرأة السعودية؛ ما يوضّح استمرار وجود عواقب، ولكن ما يخفف من ذلك مساندة النساء لبعضهن البعض.
وظهر دعم النساء لبعضهن البعض؛ ففي الشهر الماضي حينما اُحتُجزت امرأة سعودية تدعى “دينا السلوم” أثناء محاولتها السفر إلى أستراليا في مطار مانيلا، بسبب سفرها من دون الواصي الذكر عليها؛ أنشأن هاشتاجًا لإنقاذها، وقرر مجموعة من الشباب والفتيات السعوديين انتظارها في المطار؛ منهم آلاء العنزي طالبة الطب التي احتجزت لمحاولة السؤال عن دينا. وفي الوقت ذاته، احتجزت الناشطة مريم العتيبي بسبب قرارها بترك منزل أهلها والعيش وحيدة في الرياض. وأصبحت قصص هؤلاء الفتيات موجودة على هاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بحقوقهن.
وقالت إيمان إن المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجديد في السعودية إشارةٌ إلى تطوّر صحي في الثقافة الاجتماعية؛ حيث أصبحت النساء يسافرن للدراسة، وتحولن من الاعتماد على عائلاتهن إلى الاعتماد على أنفسهن. أما السلطة الدينية التي قيّدت المرأة فتقلّص دورها من قبل الحكومة، وخسرت مصداقيتها من ناحية المجتمع؛ وأدت كل هذه التغيرات إلى تغيير موقف المرأة، التي أصبحت تطالب بحقوقها؛ وسيتضح الفترة القادمة مدى نجاحهن في الحصول على هذه الحقوق.