رأى الكاتب والمحلل الأميركي “جرمي لودي”، في مقال نشره موقع “جلوبال رسك انسيت”، أن خوف مصر من نتيجة التحكيم في قضية حلايب وشلاتين هو السبب في رفض حكومة عبد الفتاح السيسي لمطالبات السودان باللجوء إلى التحكيم الدولي.
وقال الكاتب إنه بينما توجد الخلافات المصرية السودانية بسبب الحدود منذ سنوات، شهدت الأشهر الأخيرة زيادة ملحوظة في التوترات، إلى جانب سلسلة من الإجراءات العقابية التي أطلقتها القاهرة والخرطوم، وتبتعد العلاقات الثنائية كل البعد عن المستوى التي وصلت إليه في عام 2004، عندما تم التوصل إلى اتفاق الحريات الأربعة، مما يسمح للمواطنين من كلا البلدين بالسفر والعمل والعيش والتملك في أي من البلدين دون تصاريح.
وزادت التوترات في أواخر عام 2016 مع حظر السودان جميع الواردات الزراعية المصرية، مبرراً ذلك بمخاوف تتعلق بسلامة هذه الأطمعة، وتمثل الصادرات الزراعية للسودان سوقا مهمة لمصر، حيث استوردت الخرطوم سلعاً زراعية بقيمة 591 مليون دولار في عام 2016 قبل الحظر في سبتمبر، وتأتي هذه الخطوة مع زيادة الواردات الزراعية المصرية بعد تعويم الجنيه المصري، وخفض قيمته إلى النصف.
وبعد سبعة أشهر من الحظر الأولي، مع إصابة الشركات بتوقف الأعمال وتكدس الشاحنات على الحدود السودانية، لم توضح السودان ما هو العيب في الواردات المصرية، وفي الوقت نفسه، أثر ذلك سلباً على الشركات المصرية والدولية العاملة في مصر مثل شركة “صافولا” التي اضطرت إلى إعادة توجيه جزء كبير من إنتاجها من السكر في مصر الذي يتم إرساله إلى السودان وإلى أسواق أخرى، ومن المفارقات أن “صافولا” تقوم بتصنيع السكر الخام المستورد من البرازيل في مصر، وفي هذه الحالة فإن المنتجات الزراعية المحظورة ليست حتى مصرية في الأصل، وردت مصر بالقول بأن التحركات التي يقوم بها السودان تأتي ضمن الجهود الرامية إلى تشويه سمعة مصر.
ويضيف التقرير أن القاهرة والخرطوم بدأتا خلافاً تدريجياً حول قضية مثلث حلايب، المنطقة المتنازع عليها على طول الحدود المصرية السودانية، ومثلث حلايب الذي تبلغ مساحته 20.000 كيلومتر مربع ويعيش فيها 27.000 شخص، وأدى الحظر المفروض على الواردات الزراعية إلى زيادة التوتر بين البلدين؛ إذ أعلن السودان عن تشكيل لجنة لترسيم الحدود وتسوية قضية حلايب في 20 مارس، وردا على ذلك، قال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن الوطني البرلمانية المصرية: “لا الشعب المصري ولا القوات المسلحة سيتركان سنتيمتر واحد من الأراضي المصرية”.
ويلفت التقرير إلى دور التاريخ في النزاع إذ سخرت وسائل الإعلام المصرية والمسؤولون الحكوميون صراحة من التأكيدات السودانية بأن حضارة بلادهم أقدم من الحضارة المصرية وعلاوة على ذلك، سُخر من الأهرامات السودانية في وسائل الإعلام الإجتماعية المصرية وأحد البرامج التلفزيونية المصرية، كما طردت مصر مؤخرا اثنين من الصحفيين السودانيين كتبا تأييداً لموقف السودان من قضية “حلايب”، في حين قال الإعلامي المصري توفيق عكاشة أنه لا توجد دولة اسمها السودان وأنها جزء من مصر .
حكام سلطويون
ويرى الكاتب أن كلاً من السيسي والبشير حاكمان سلطويان، وكلاهما يحاول صرف الاهتمام الشعبي عن القضايا الداخلية، وما زال السيسي يحاول توطيد قبضته على السلطة، مع وجود شكوك تتعلق بشرعيته خاصة في ظل الإطاحة بحزب الإخوان المسلمين وحظره، ومما لا يثير الدهشة أن مصر تزعم أن السودان يوفر ملاذا آمنا لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة وصفتها مصر بمنظمة إرهابية، وردا على ذلك، يؤكد السودان أن مصر تمول عناصر مناهضة للحكومة، وتوفر الإقامة لشخصيات معارضة وفي نفس الوقت تفرض رقابة صارمة على تأشيرات الدخول للمواطنين السودانيين العاديين، وبالإضافة إلى مسألة شرعية السيسي، يواجه عمر البشير في السودان حالة من عدم الاستقرار الداخلي فضلاً عن خسارة فادحة لهيبته من انفصال جنوب السودان في عام 2011، ويبحث كل من السيسي والبشير عن أهداف مريحة يمكن من خلالها إبعاد غضب المواطنين تجاه القضايا الداخلية.
ونتيجة لذلك، وبعد طرد مصر للصحفيين السودانيين، أعلن السودان عن تطبيقه مبدأ “المعاملة بالمثل” للمواطنين المصريين، مع مطالبة شخصيات إعلامية سودانية طرد جميع العاملين في وسائل الإعلام المصرية، كما فرضت السودان تأشيرة على جميع الذكور المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 50 عاما بسبب مخاوف إرهابية وخلال هذه الفترة نفسها أغضبت مصر السودان بالتصويت ضد رفع العقوبات المفروضة على السودان بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1591.
وخلال شهر أبريل دعى السودان إلى إجراء مفاوضات مباشرة وتحكيم دولي بشأن قضية حلايب، وردت مصر على الفور برفض أي محادثات حول هذه المسألة، والسبب المنطقي وراء رفض مصر لا يزال غريبا، وتقول منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية، أن “اللجوء إلى التحكيم الدولي لن يعود بالنفع على السودان، لأن الدولة المصرية لديها الوثائق التي تؤكد أن الأرض مصرية، ولن يكون السودان قادراً على التحرك وحده وأطالب أن يغلق هذا الملف تماماً”.
ويرى الكاتب أن رفض مصر للتحكيم الدولي مفهوم، بالنظر إلى النتائج المشكوك فيها، وأن القيام بذلك من شأنه أن يساوي بين مصر، الجهة المهيمنة بالفعل على الأرض، مع السودان المدعية ملكيتها للأرض .
السد اللعنة
إلى جانب قضية حلايب، تتعرض العلاقات المصرية السودانية للتوتر بسبب المواقف المتعارضة التي تبنتها القاهرة والخرطوم بشأن سد النهضة في إثيوبيا، حيث يمثل المشروع الضخم الذي تبلغ قيمته 4.2 مليار دولار، وينتج 6.000 ميجاوات أولوية إنمائية رئيسية لإثيوبيا، ويدعمه السودان الذي يسعى أيضا إلى الاستفادة من توليد الكهرباء، وتحقيقا لهذه الغاية، اتفقت السودان وإثيوبيا على إطلاق منطقة تجارة حرة وسكك حديدية للمساعدة في الاستخدام العادل للمياه، وتخشى مصر بدورها من تهديد المشروع لحصتها في مياه النيل، مما يهدد إنتاج الطاقة الكهرومائية واستهلاك المياه في البلاد.
وتدعي إثيوبيا أن جهود مصر لتأجير قاعدة عسكرية في إريتريا تهدف إلى تخريب السد من خلال دعم القوات الإريترية التي ترعى القوات المناوئة للحكومة الإثيوبية.
فيما حذر السودان وإثيوبيا من ضربة محتملة ضد السد بعد شراء مصر 24 طائرة رافال من فرنسا، ومع شراء هذه الطائرات، سيكون للقوات الجوية المصرية القدرة على استهداف السد، وما يثير السخرية هو أنها قد تنطلق من القواعد الجوية القريبة من السد العالي في مصر، كما أن إثيوبيا نشرت صواريخ بعيدة المدى مضادة للطائرات بالقرب من موقع بناء سد النهضة للاستعداد لهذا السيناريو.