اتجه نظام عبدالفتاح السيسي إلى تبرير الفشل الاقتصادي لمصر بالزيادة السكانية، التي حمّلوها المسؤولية كاملة لما تعانيه مصر؛ إلا أن تجارب دول مثل الصين وسنغافورة والبرازيل منحت العالم دروسًا بأن الثروة البشرية أعظم الثروات.
واليوم، تهرّب المهندس طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، من مسؤولية فشله في تنمية الصناعة بمصر؛ محملًا الشعب المسؤولية الكاملة عن الأزمات الحالية التي تعاني منها مصر.
أنتم كارثة
ووصف قابيل، في لقائه مع الصحفيين على هامش حفل سحور فجر اليوم، الزيادة السكانية بأنها أكبر كارثة في مصر، قائلًا: “النمو السكاني أكبر كارثة في مصر؛ لأنه يفوق معدلات نمو الرقعة الزراعية، وهو ما يؤكد أهمية مشروع المليون ونصف فدان”.
وفي حوار مع صحف مصرية، أرجع السيسي تأخر التنمية في مصر بسبب الزيادة السكانية، وقال: “لاحظتم أننا بدأنا نرفع نبرة الحديث عن هذه القضية بعدما كنا نتحدث عنها على استحياء بسبب خطة تثبيت الدولة”.
وهناك ثلاث دول استخدمت سكانها كثروة بشرية وتحوّلت إلى دول عظمى:
1- الصين
كان تعداد السكان 500 مليون نسمة، وبعد سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في الصين عام 1949 أصبح زعيم الحزب “ماو تسي تونج” هو القائد، وانتهجت الدولة حينها المبادئ الاشتراكية المُطبّقة لدى الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، وبادرت بإجراءات سريعة وآنية لإنعاش حالة الاقتصاد الداخلي المتردي والقضاء على التضخم؛ مثل تأميم التجارة الخارجية وغلق المصارف الخاصة وتغيير العملة المحلية وإلغاء امتيازات الأجانب وربط الحد الأدنى للأجور بالسلعة الغذائية الأولى (الأرز) والبطاقات التموينية للسلع الأساسية.
كل هذا مهّد لسياسات الصين الاقتصادية المتتالية، المتمثلة في الخطط المتوسطة الأجل التي يطلق عليها “الخطط الخمسية”، واستمرت على انتهاجها بداية من 1953 حتى يومنا هذا؛ فتنفذ كل خطة ثم يليها تقييم للنتائج المحققة ثم تنفيذ للخطة التالية لها.
اعتمد “ماو تسي تونج” على التنمية الصناعية والزراعية بشكل متوازن، فانصبت أهداف المرحلة المسماة “المشي على القدمين”على تحقيق التنمية الصناعية، عن طريق دعم الصناعات الثقيلة.
2- سنغافورة
لم تحصل سنغافورة على استقلالها من الاستعمار البريطاني الذي استعادها بدوره من الاحتلال الياباني إلا في سنة 1965؛ حيث شكلت أولى حكومة للجمهورية، لتجد دولة سنغافورة نفسها من دون تاريخ وهوية وطنية وما يعنيه ذلك فعليًا، وتواجه الفقر والأمية وقلة الموارد، مع غياب البنيات التحتية والمؤسسات والجيش الذي سيحميها من بيئة معادية تحيط بها آنذاك، إضافة إلى مشكلة توفيق نسيجها الاجتماعي الذي يحفل بالتناقضات.
فتوجهت سنغافورة نحو وضع مناهج تعليمية حديثة تتماشى مع التوجهات العالمية وتلبي حاجات سوق العمل، مقتبسة من الدول الأوروبية وأميركا، ورسمت سياسات تربوية حققت نجاحًا باهرًا؛ بإنتاجها كفاءات عالية التكوين، مركزة في ذلك على بناء المعلم وقدراته القيادية.
عرفت سنغافورة نظامًا برلمانيًا ديمقراطيًا منذ استقلالها، وإن كان يصفه البعض بالصرامة في بداياته؛ تتركز فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس الوزراء، بينما الرئيس لديه سلطة رمزية. وعزمت سنغافورة على محاربة كل أشكال الفساد بصرامة منذ بداية عهدها، مستعينة في ذلك بنظام قضائي عادل؛ ما جعلها تتبوأ اليوم المراتب المتصدرة في تقارير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي) كأقل دول العالم فسادًا بعد الدول الاسكندنافية، مثلما غرست ثقافة التعايش والتآلف في أنظمتها الاجتماعية والتربوية واعتماد معيار الكفاءة وحده للتفضيل؛ الأمر الذي خلق مجتمعًا منسجمًا رغم أنه غير متجانس.
3- البرازيل
ذات الـ300 مليون نسمة. لم تتخلص البرازيل من الديكتاتورية العسكرية التي دامت مائتي عام بعد الاستقلال من الاستعمار البرتغالي إلا في سنة 1985. خصخصت مؤسساتها العمومية لشركات دولية دائنة لها؛ لتجعلها شريكًا في النهوض بمجموعة من القطاعات العمومية، ووضعت في سنة 1695 خطة نوعية تعرف بـ”بلانو ريال”، منها ثبّتت الأسعار والأجور وأوقفت التدهور والتضخم الاقتصادي؛ ومن ثم ألغت عملتها القديمة واعتمدت عملة جديدة (الريال) الموازية في قيمتها للدولار الأميركي، ما سمح باستقطاب شركات عالمية ورؤوس أموال للاستثمار في المجالات المختلفة؛ لوفرة المواد الخام ورخص اليد العاملة ولكثرة الأسواق والاستهلاك، سواء المحلية أو الإقليمية على مستوى القارة أو على مستوى العالم.
استطاعت البرازيل في عقدين من الزمن فقط الانتقال من دولة ترزح تحت وطأة التضخُّم والفقر والدين إلى دولة ذات اقتصاد متطوِّر وصاعد؛ بحيث أضحت خامس اقتصاد في العالم، كما صارت لاعبًا مهمًا لا يمكن القفز عليه في الساحة الدولية السياسية والاقتصادية.