نشر موقع “لوب لوج” تقريرًا للكاتبة رنا علام علّقت فيه على الأحداث الأخيرة داخل مصر. وبدأت رنا المقال قائلة إنه بعد قتل 28 من المسيحيين، بينهم أطفال، وأصيب أيضًا 24 آخرين، في طريقهم إلى ديرٍ بالقرب من مدينة المنيا في صعيد مصر، التي تضم عددًا كبيرًا من المسيحيين؛ فالهجوم ضمن سلسلة من الهجمات التي تستهدف أكبر أقلية في مصر.
وفي عام 2017 وحده استهدف 34 هجومًا المسيحيين في مصر وأسفر عن مقتل 90 شخصًا. ووقعت ست من هذه الهجمات في المنيا؛ حيث جرد الغوغائيون العام الماضي امرأة عجوزًا مسيحية وسحلت في الشوارع عارية بسبب شائعاتٍ عن علاقة بين ابنها وامرأةٍ مسلمة. ووقع الهجوم الأخير في الوقت الذي أعلنت فيه مصر حالة الطوارئ في شهر أبريل، بعد أن أسفرت تفجيراتٌ وقعت في كنيستين عن مقتل 44 شخصًا على الأقل.
وبالنسبة إلى النظام المصري، يبدو أن حالة الطوارئ تُطبّق فقط على معارضيه وليس المتطرفين العنيفين الذين يمارسون أعمالهم بشكلٍ أفضل من المعتاد. وفي الشهر الماضي، اعتقل الأمن المصري عشرات الناشطين الشباب وأعضاء الأحزاب السياسية من جميع أنحاء البلاد ضمن حملة قمعٍ مستمرة. وتفاوتت الاتهامات بين إهانة الرئيس وتوجيه الانتقادات للنظام على وسائل التواصل الاجتماعي؛ خاصةً “فيس بوك”. واستدعت السلطات خالد علي، وهو محامٍ بارزٌ في مجال الحقوق ومرشحٌ سابقٌ للرئاسة؛ ولكن أفرج عنه بكفالة. وهو الذي تحدى الحكومة المصرية وفاز بحكم إبطال التنازل عن نقل جزيرتين مصريتين إلى السعودية. كما أنّه مرشحٌ محتملٌ للانتخابات الرئاسية عام 2018.
وكجزءٍ عاديٍّ من حملته، أغلق النظام المصري 21 موقعًا إخباريًا؛ مدعيًا أنّها تدعم الإرهاب وتنشر أخبارًا مفبركة. وفي الوقت نفسه، يقتل الجيش سكان شمال سيناء بشكل عشوائي. وسواء كانوا إرهابيين أم لا، يُقتل الذين يُقبض عليهم، ثم يشاع أنّهم قتلوا في تبادلٍ لإطلاق النار. هُدمت المنازل، ودُمّرت المدن، ووصل قتل المدنيين بداعي الحرب على الإرهاب إلى ذروته. وأظهر مقطع فيديو مسرب الجيش المصري وهو يقتل رجالًا غير مسلحين كانوا معصوبي العينين، وأطلق النار على رؤوسهم. وأصدر الجيش صورًا تُظهر هؤلاء الرجال أنفسهم وادعى أنّهم قد قتلوا في معركةٍ مسلحةٍ مع الجيش.
ولأن الإرهاب تجاوز حدود شمال سيناء ووصل إلى مدنٍ في البر الرئيس المصري، بما في ذلك القاهرة، بدأ عبدالفتاح السيسي يتحدث عن نجاح هجماته العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء، مدعيًا أنّ هذا النجاح دفع الإرهابيين إلى الفرار من سيناء؛ لكنّ أولئك الذين فروا من سيناء هم في الواقع المسيحيون. وفرّت أكثر من مائة عائلة من شمال سيناء بعد قتل تنظيم الدولة المسيحيين.
وفي فبراير، أصدر فرع تنظيم الدولة في مصر مقطع فيديو يحثّ أتباعه على قتل المسيحيين في جميع أنحاء البلاد، وكان أتباعه يفعلون ذلك تمامًا. ولا يوجد أحد يمنعهم؛ لأنّ فهم النظام المصري للأمن يقتصر على أمنه، وعلى احتجاز المعارضين وتعذيبهم وإخفائهم قسريًا، وقتل دعاة الديمقراطية وأعضاء الأحزاب السياسية خارج نطاق القضاء.
بيد أنّ الهجمات الإرهابية تطغى على جميع انتهاكات حقوق الإنسان والقمع ضد دعاة الديمقراطية. وهو بالضبط ما يريده السيسي، أن يقود بلدًا يعاني من الإرهاب؛ الأمر الذي يتيح له اتخاذ التدابير التي تشتد الحاجة إليها حتى لو غضب شعبه.
وتعطي هذه الهجمات السيسي ذريعةً للقضاء بشكلٍ أوسع على المعارضة دائمًا تحت ستار المعركة التي لا نهاية لها ضد الإرهاب. وفي كلمةٍ ألقاها أمام المصريين وقدّم فيها تعازيه، ذكر السيسي أنّه دعا “فخامة الرئيس ترامب” إلى دعمه في مكافحة الإرهاب، وأعلن ثقته المطلقة في الرئيس الأميركي. ومن جانبه، أصدر ترامب بيانًا يدين الهجوم ويعلن أنّ أميركا تقف مع السيسي.
وقد يعتقد الرئيس ترامب أن السيسي يقوم بعملٍ رائع، وأنّ واشنطن تدعم قائدًا حاسمًا في مكافحة الإرهاب؛ لكنّ السيسي قد فشل في القيام بذلك، وهو مشغولٌ بتأمين رئاسته وتجنب ثورة أخرى أو ظهور مرشحٍ رئاسيٍ محترمٍ ضده قد يهدد مكانته. ولا تعد القمة المنعقدة في الرياض مشؤومة بسبب المشهد الخيالي للمس الكرة المضيئة فقط؛ ولكن لأنّ أولئك المكلّفين بمكافحة الإرهاب يتسببون في التمكين له على أرض الواقع.
ويخلق السيسي مع ديكتاتوريته الوحشية الكراهية والفراغ، الذي يمكّن المجموعات المتطرفة من التلاعب به بسهولة لتجنيد مزيد من المصريين. وسِجل المملكة العربية السعودية المخجل في انتهاكات حقوق الإنسان، وقطع رؤوس الزعماء الشيعة، وقتل اليمنيين، وتمويل المؤسسات والجماعات الدينية المتطرفة، معروفٌ للجميع؛ ولا يمكن لها أن تصبح بلد العنف والتطرف. وترامب، مع سياسات الاستبعاد والانقسام والتمييز، لن يساعد إلا في ظهور الأيديولوجيات المتطرفة.
وفي الماضي، كان من الممكن لدعاة الديمقراطية دعوة الولايات المتحدة لدعمهم ومساندتهم؛ لكنها أصبحت الآن مؤيدًا رئيسًا للوحشية والقمعية، وفي حالة السيسي، الزعماء الفاشلين.