قد يبدو قرار دول الخليج ومصر والحكومة المعترف بها دوليًا في اليمن وحكومة شرق ليبيا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر مفاجئًا ومبالغًا فيه؛ إلا أن الأزمة بين دول الخليج -والسعودية خاصة- وقطر ليست وليدة اللحظة، وهناك عوامل مباشرة أدت إلى تفجّرها بهذا الشكل؛ أهمها دور قطر في دعم الجماعات الإسلامية المختلفة والموقف من إيران.
فرغم أن قطر عضو في التحالف الدولي الذي يحارب “تنظيم الدولة”، والطائرات الأميركية الحربية تنطلق من قاعدة “العديد” في قطر لضرب قواعد التنظيم ومقراته في العراق وسوريا؛ إلا أن الحكومتين العراقية والسورية دأبتا على اتهام الدوحة بتقديم الدعم المالي للتنظيم وغيره من الجماعات المتشددة.
ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة إلى المنطقة الدول الإسلامية إلى تولي قيادة معركة التصدي للتطرف، متهمًا إيران بنشر الفوضى والاضطراب في المنطقة.
استغلال الموقف
يقول المختص في الشأن الخليجي كريستيان أولريخسن: “يبدو أن السعودية والإمارات بدأتا تشعران أن الاصطفاف في المنطقة يميل إلى صالحهما في الوقت الراهن على حساب إيران والإسلاميين مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض”.
وأضاف، في تصريحات صحفية حسبما نقلت عنه وكالة “رويترز”، أن “الدولتين قرّرتا التصدي للخط السياسي المستقل الذي تنتهجه الدوحة وتتوقعان أن تحظى هذه الخطوة بدعم إدارة ترامب”.
قطر وإيران
كما لا يخفى على المراقبين الموقف المستقل واللهجة التصالحية لقطر تجاه إيران، مُنافِسة السعودية الإقليمية الأساسية؛ آخر تجليات ذلك اتصال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس الإيراني حسن روحاني لتهنئته بانتخابه رئيسًا لإيران لولاية ثانية، والاتصال الأخير قبل أقل من أسبوع لتهنئته بحلول شهر رمضان.
وقال أمير قطر في الاتصال الأخير بروحاني إن “علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عريقة وتاريخية ووثيقة، ونريد تعزيز هذه العلاقات أكثر مما مضى”، حسبما نقلت أنباء؛ إلا أن الدوحة نفت صحة هذه التصريحات وقالت إنها مُلفّقة على إثر اختراق إلكتروني لوكالة الأنباء القطرية.
وعقب ذلك، قادت وسائل إعلام سعودية حملة شديدة على الدوحة متهمة إياها بالتنصل من مقررات قمم الرياض الأخيرة، التي كان محورها “مواجهة الإرهاب الذي ترعاه إيران في المنطقة”، حسبما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عن خبير سعودي.
أسباب السعودية
أما الأسباب المعلنة التي أوردتها السعودية عبر وكالة الأنباء السعودية فهي ارتكاب قطر “انتهاكات جسيمة، سرًا وعلنًا، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض على الخروج على الدولة والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة؛ منها الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات هذه الجماعات ومخططاتها عبر وسائل إعلامها في شكل دائم”، في إشارة إلى قناة الجزيرة.
وكذلك دعم نشاطات “الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة، وفي البحرين الشقيقة”، و”تمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون إلى ضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخليًا”، ودعم ومساندة “مليشيات الحوثي الانقلابية حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن”، وقيادة “حملات وعمليات إرهابية مدعومة ضد البحرين”.
وأضاف البيان السعودي أن المملكة منذ “عام 1995 بذلت وأشقاؤها جهودًا مضنية ومتواصلة لحض السلطات في الدوحة على التزام تعهداتها والتقيد بالاتفاقات؛ إلا أن هذه السلطات دأبت على نكث التزاماتها الدولية وخرق الاتفاقات التي وقّعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخرها عدم تنفيذها لاتفاق الرياض”.
بيانات تابعة
لم يختلف بيان الخارجية المصرية عن أسباب قطع مصر العلاقات مع الدوحة كثيرًا عن بيان السعودية؛ فقد جاء فيه: إصرار قطر على اتخاذ “مسلك معادٍ لمصر، وفشل المحاولات كافة لإثنائها عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي، وإيواء قياداته الصادرة بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية استهدفت أمن مصر وسلامتها”.
وترويج قطر لفكر “تنظيم القاعدة وداعش، ودعم العمليات الإرهابية في سيناء، فضلًا عن إصرارها على التدخل في الشؤون الداخلية لمصر ودول المنطقة بصورة تهدد الأمن القومي العربي وتعزز بذور الفتنة والانقسام داخل المجتمعات العربية وفق مخطط مدروس يستهدف وحدة الأمة العربية ومصالحها”.
كما أوردت دولة البحرين تقريبًا الأسباب نفسها التي أدّت إلى تفجّر الخلاف بينها وقطر وغيرها من الدول؛ وجاء في بيان وكالة الأنباء البحرينية: “إصرار دولة قطر على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين والتدخل في شؤونها، والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين، في انتهاك صارخ لكل الاتفاقات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي، دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو التزام بثوابت العلاقات الخليجية والتنكر لجميع التعهدات السابقة”.
الردّ القطري
أصدر مجلس الوزراء القطري بيانًا عبّر فيه عن استغرابه لقرار السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها مع قطر، وقال إن الهدف من القرار “ممارسة الضغوط على الدوحة لتتنازل عن قرارها الوطني”.
وقال المجلس في بيانه إن القرار غير مُبرَّر ويستند إلى مزاعم وادعاءات وافتراءات وأكاذيب، وأوضح أن الدول الثلاث مهّدت لقرارها بحملة إعلامية واسعة وظالمة استخدمت فيها كل وسائل الإعلام، ولم تستثنِ حتى رموز دولة قطر من التجريح والإساءة.
وأضاف البيان أنه “كان واضحًا منذ البداية أن الهدف من وراء الحملة الإعلامية وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وإغلاق الحدود هو ممارسة الضغوط على دولة قطر لتتنازل عن قرارها الوطني وسيادتها وسياستها المرتكزة أساسًا على حماية مصالح شعبها”.