يأتي كشف صحيفة «هارتس» الإسرائيلية مؤخرا عن لقاء سري بين نتنياهو والسيسي ليؤكد على دبلوماسية اللقاءات السرية بالمنطقة، خاصة أنه لم يكن اللقاء الأول، حيث سبقه أيضًا لقاء «العقبة» الشهير.
لقاء الاتحادية
وجاء إعلان صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، ليؤكد على هذه السياسة حيث كشفت عن لقاء سرى جمع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وزعيم المعارضة الإسرائيلي، رئيس حزب «المعسكر الصهيونى»، إسحاق هرتزوج، وعبدالفتاح السيسى في القاهرة، العام الماضي، في إطار بحث سبل إحياء عملية السلام.
وحول تفاصيل الزيارة قالت الصحيفة إن طائرة خاصة من إسرائيل وصلت القاهرة في إبريل 2016، وكان على متنها نتنياهو وهرتزوج وبعض المستشارين، وتم استقبالهم في القصر الجمهوري، حيث التقوا السيسي، مشيرة إلى أن الاجتماع بحث محاولات دفع عملية السلام الإقليمي، والوساطة في التوصل لاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وأوضحت الصحيفة أن «نتنياهو وهرتزوج»، سافرا سرًا للقاء السيسي في القصر الرئاسى، في إطار اتصالات سرية جرت لإمكانية ضم حزب «المعسكر الصهيوني» برئاسة هرتزوج إلى الحكومة الإسرائيلية، لدعم نتنياهو في إتمام عملية السلام مع الفلسطينيين.
وكان «هرتزوج» قال في لقاء سابق مع عدد من القادة الإسرائيليين، إنه التقى مع القادة العرب «الذين لم يسبق لهم أن قابلوا إسرائيليين»، الأمر الذي اعتبرته الصحيفة بأنه لا يقصد السيسي فقط، وأضاف أنهم أخبروه عن أملهم في أن يساعد هو نتنياهو في التغلب على العقبات السياسية في طريقه.
وأوضح «هرتزوج»: «لقد أخبروني، أنه آن الأوان لأن يكون الإسرائيليون جزءا من هذه المنطقة وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين»، وأضاف: «نتنياهو تهرب، كما اعتاد، ولكن لم أستطع تجاهل الظروف، كان على طرق جميع السبل للنهاية».
الصفعة
وبحسب «هارتس» أيضا، فإن السيسي أبلغ كلا من نتنياهو وهيرتزوج بأن العالم العربي مستعد لدعم تسوية تقوم على اعتراف الفلسطينيين والعرب «بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي وشروع الإسرائيليين والفلسطينيين في مفاوضات بغطاء عربي رسمي».
وتمت زيارة كل من نتنياهو وهيرتزوج للقاهرة طبقًا للصحيفة بعد شهر على عقد لقاء «العقبة» الذي جمع كلا من السيسي وملك الأردن ونتنياهو ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
وأكدت «هآرتس» حقيقة أن نتنياهو وجه صفعة مدوية لكل من السيسي وهيرتزوج عندما لم يرفض فقط في النهاية العرض العربي، بل تراجع عن فكرة ضم حزب العمل وقام بضم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف بقيادة أفيجدور ليبرمان، الذي تم تعيينه وزيرًا للحرب.
التهرب والمرواغة
وفي السياق ذاته قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الإسرائيلية إن «هرتزوج» تهرب من تأكيد صحة التقرير بشكل مباشر خلال مقابلة مع راديو إسرائيل، أمس، قائلًا: «ذهبت إلى الكثير من الأماكن والتقيت الكثير من الناس، وكانت هناك فرصة نادرة في العام الماضى لكنها ضاعت بسبب تعنت نتنياهو».
وذكرت الصحيفة أنه بعد عدة أسابيع من الزيارة، ألقى السيسي كلمة في مايو 2016، ناشد فيها إسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وفقًا للصحيفة.
عقب لقاء العقبة
وجاء اجتماع القاهرة السري بعد وقت قصير من انعقاد قمة في العقبة السرية في شهر فبراير، التي شارك فيها كل من نتنياهو والسيسي وملك الأردن عبد الله الثاني وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت.
وبحسب «هآرتس» فإن القوى الدولية والإقليمية أدركت عجز نتنياهو في قيادة عملية سلام كبيرة؛ بسبب شركائه في الإئتلاف الحاكم، وهو ما دفعها للتوجه إلى هرتزوج عبر قنوات عدة.
ولتسهيل المهمة فقد طلب عدد من القادة العرب الذين التقوا سرا بزعيم المعارضة هرتسوج، بأن يقوم بمساعدة نتنياهو في تحريك الأمور، لكن المحادثات بين هرتسوج ونتنياهو انهارت بعد انضمام حزب اليمين «إسرائيل بيتنا» اليمني المتطرف، بقيادة وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، إلى الائتلاف، ما أغلق عمليا الباب أمام دخول هرتسوغ للحكومة.
وفي إطار المبادرة الإقليمية، كان نتنياهو وهرتسوج «سيقومان بنشر وثيقة مكونة من ثماني نقاط باللغة الإنجليزية، يفصلان فيها موقفهما الداعم لإطلاق جهود جديدة من أجل السلام»، وفق صحيفة «هآرتس» التي نشرت وثيقة مؤرخة في 12-13سبتمبر 2016، وكانت موجهة للدول العربية، وبالذات مصر؛ حيث شكر نتنياهو وهرتسوغ السيسي على استعداده للعب دوره الفعال في إطلاق عملية السلام”.
تاييد ورفض
من جانبه، قال وزير الأمن الداخلي “جلعاد إردان” على حسابه بـ«تويتر»: «كان رئيس الحكومة على حق عندما تحفظ على المبادرة العربية في عهد أوباما- كيري. فلماذا تدخل إسرائيل في مباحثات تنطلق على أساس حدود 67؟ يكون فيها كيري هو المبادر والوسيط؟ لم يثبت كيري للأسف فهما عميقا للمنطقة».
في المقابل انتقدت أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلي نتنياهو بشدة لإهداره ما وصفوه بالفرصة التاريخية، التي ربما لن تتكرر أبدًا.
ليست مفاجئة
وتعليقا علي هذه اللقاءات قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية لدى مركز رؤية للتنمية السياسية، صلاح العواودة، أن «سرية اللقاء ليست مفاجئة؛ لأنه امتداد للقاء العقبة الذي كان سريا أيضا»، مضيفا أنه «يبدو أن هذه طبيعة السيسي الذي يحب العمل سرا»
وقال العواودة في تصريحات لـ«عربي21»: «إن السيسي يحاول إحياء عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وزار البيت الأبيض لتشجيع ترامب على ذلك، وكان له إشارات موجهة للإسرائيليين مباشرة، بينما كانت اللقاءات تنعقد في السر وفقا لهآرتس».
وأوضح أن «السيسي الذي يعاني من فشل اقتصادي وأمني، ويشعر أن كرسيه يهتز؛ يريد بحديثه عن التسوية الاقليمية أن يُحدث اختراقا في الملف الفلسطيني، ليثبت به قدميه، ويجند الدعم الإسرائيلي والغربي لحكمه».