مع تزايد التحرّكات الشعبية المُطالِبة بالتظاهرات في مصر مؤخرًا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية وزيادة القمع والاعتقالات لكل المعارضين، تنتاب السياسيين والمراقبين للشأن المصري حالة من المخاوف والقلق بأن تحْجِبَ السلطاتُ الحالية مواقع التواصل الاجتماعي؛ أبرزهما «فيس بوك» و«تويتر».
فعلى مدار الأسبوعين الماضيين، منذ مسايرة عبدالفتاح السيسي قرار السعودية والإمارات بقطع العلاقات مع قطر، حُجب 62 موقعًا إخباريًا بمصر؛ بداعي تبعيتها لقطر كـ«الجزيرة» و«العربي الجديد»، أو بادّعاء دعمها للإرهاب، لمجرد أنها في صفّ المعارضة أو تنشر ما لا تريد السلطة أن يطّلع عليه الجمهور؛ كـ«رصد» و«مصر العربية» و«مدى مصر» وغيرهم.
«الشعب يريد إسقاط النظام»
ردَّد المشاركون في مؤتمر صحفي بمقر حزب المصري الديمقراطي هذا الهتاف أمس ضمن مطالبهم بإلغاء اتفاقية تسليم جزيرتي وصنافير المصريتين إلى السعودية، وقالوا أيضًا: «قوة وطنية واحدة ضد السلطة التي تذبحنا» و«عيش حرية الجزر مصرية»، ثم توجّهت مسيرةٌ إلى ميدان طلعت حرب (القريب من ميدان التحرير) وفرّقها الأمن سريعًا وقبض على مشاركين بها.
ويرى مراقبون أنه مع تسارع وتيرة الأحداث السياسية والقرارات الكارثية التي يتّخذها النظام الحالي يومًا تلو الآخر، وما ينتظره المصريون من زيادة أعباء وارتفاع الأسعار مع بدء تطبيق الموازنة المالية الجديدة 2017-2018 مطلع يوليو القادم؛ فالمؤشرات تقول إن المصريين على مقربة من انتفاضة جديدة.
وأمس، دعا المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي جميع المصريين إلى النزول غدًا الجمعة في ميادين مصر للتنديد بموافقة البرلمان على اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وتجاهل الأحكام القضائية القاطعة ببطلانها.
وقال حمدين إن «على المصريين أن يبقوا يدًا واحدة ضد هذه الاتفاقية»، وفي مؤتمر صحفي بمقر حزب «المصريّ الديمقراطيّ» صعّد من مطلبه قائلًا: «المصريون مدعوون باتفاقنا جميعًا بعد صلاة الجمعة المقبلة إلى الخروج للتعبير عن موقفهم الرافض للنظام».
وفي استطلاع رأي أجراه مركز «بصيرة»، المقرب للأجهزة الأمنية بمصر والموالي للسيسي، عارض 47% من المستطلعين نقل الجزيرتين، ووافق 11%، وقال 42% إنهم لا يعلمون؛ ما يلفت إلى حجم الغضب المصري من التنازل عن الأرض حتى داخل أقرب الأوساط التي أيّدت السيسي أوقاتًا كثيرة.
مخاوف الحجب
لا تتورع السلطات المصرية عن فعل أي شيء في معارضيها تحت ذريعة «الحفاظ على الأمن القومي»، وبأساليب متنوعة؛ إلا أن مخاوف حجب مواقع التواصل الاجتماعي تزداد يومًا تلو الآخر.
وفي 20 أبريل الماضي، حجبت الحكومة المصرية خدمات المكالمات الصوتية في تطبيقات «فيس بوك» و«سكاي بي» و«واتساب» دون سابق إنذار أو قرار رسمي؛ وسط غياب السبب الحقيقي للقرار إن كانت وراءه شركات الاتصالات أم لإحكام الرقابة.
ومنذ منتصف 2015 تُرفع في المحاكم المصرية دعاوى تطالب بحجب مواقع التواصل الاجتماعي من محامين موالين للسلطة أو يسعون إلى التقرب منها؛ ويدّعون أن مواقع التواصل تحرّض على أعمال العنف وتعمل دون ترخيص ومنبر للشائعات، وتُستخدم وسيلة للاستغلال من الشخصيات المجهولة و«الإرهابية» لإنشاء حسابات مزيفة ووهمية تنشر شائعات وتنصب على المواطنين وتحرّض على أحداث إرهابية في البلاد وتخطط لها.
ومصير كل هذا الدعاوى التأجيل أو الإحالة من محكمة إلى أخرى؛ ما يعني أنها قد تتحرك وقت الحاجة ويُبتُّ فيها بحجب مواقع التواصل وفقًا للادعاءات القائلة فيها بأن «أجهزة استخبارات خارجية استخدمت مواقع التواصل قبل ثورة 25 يناير وحتى الآن في إشعال التظاهرات والتحريض على أعمال العنف والقتل وإشعال النيران في الممتلكات العامة والخاصة داخل مصر».
برامج واضحة
رغم هذه المخاوف، يقول خبراء تقنيون إن ثمة مستخدمين يتجاوزون الحجب باستخدام برامج مقاوِمة ومغايرة للتي تستخدمها شركات مزودي خدمة الإنترنت.
وخشية حجب التحركات الشعبية المُعارِضة، وأن تنتهي بعكس ما ترغب فيه الجماهير أو تحتاجه على وجه اليقين؛ يقول الأكاديمي العراقي خالد معيني، في مقال سابق له بـ«الجزيرة»، إنه لا بد من برامج وأهداف واضحة للمتظاهرين وأن تنظّم الجماهير نفسها.
ويقول إن الثورة الحقيقية لها ثلاث ركائز أساسية؛ أولًا: فكر خلّاق تشتقه عقول المفكرين الذين يمثلون عصارة العقل الباطن لمعاناة شعوبهم وضميره، وثانيًا: نخبة شجاعة تتبنى هذا الفكر، وثالثًا: جماهير واعية وليست قطعانًا يسهل التلاعب بها.