تواجه السعودية تحدّيات خطيرة تُهدّد بزعزعة استقرارها؛ فانخفاض أسعار النفط، والاضطرابات في الشرق الأوسط، والنزاع الأخير مع قطر ليسوا سوى أمثلة قليلة. والآن، رُبما يُصعّب الاهتزاز في الأسرة المالكة مهمة البلاد في مواجهة هذه المشاكل.
وأعلن العاهل السعودي أمس أن «محمد بن سلمان» وليّ العهد الجديد والأول في ترتيب العرش؛ ليحل محل ابن شقيق الملك «محمد بن نايف». كانت الخطوة متوقعة، لكنها من المتوقع أن تثير مشاكل داخل العائلة المالكة؛ لكون «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، أصغر سنًا بكثير وأقل خبرة من المرشحين المحتملين الآخرين لهذا الدور.
على الرغم من كونه الثاني في خط العرش خلف «محمد بن نايف»، كان ابن الملك بالفعل ثاني أقوى عضو في العائلة المالكة بعد الملك حتى قبل هذا التغيير.
منذ أن أصبح ملكًا في عام 2015، كان العاهل السعودي -البالغ من العمر 81 عامًا- يُعِدُّ نجله لتولي منصب ولي العهد؛ عبر إعطائه مزيدًا من الصلاحيات، أبرزها منصب ولي ولي العهد الذي تولاه في أبريل من العام نفسه؛ على الرغم من ضعف خبرته. وبالتدريج، كان ابن الملك يطغى على ابن عمه ولي العهد «محمد بن نايف».
وبالإضافة إلى فقدانه دور ولي العهد، عُزل «محمد بن نايف» من سائر مناصبه الأخرى، بما في ذلك وزير الداخلية؛ في حين أن ابن الملك لا يزال يحمل ألقابًا أخرى، بما في ذلك وزير الدفاع.
كاد أن يكون قرار استبدال ولي العهد أمرًا غير مسبوق لولا أن «سلمان» أزال أخاه غير الشقيق من منصبه قبل عامين لتعيين «محمد بن نايف». ورغم ذلك، لا تزال مناورة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة المعارضة.
هناك أمراء آخرون في الجيل الثالث من عائلة آل سعود أكثر خبرة من ولي العهد الجديد. «محمد بن نايف»، البالغ من العمر 57 عامًا، لديه تاريخ كبير في وزارة الداخلية، ونجح في كسب قدر كبير من الاحترام في واشنطن؛ لجهوده الرامية إلى تحجيم «تنظيم القاعدة».
ومن بين المرشحين الآخرين الأمير «متعب بن عبدالله» وزير الحرس الوطني السعودي، والأمير «تركي بن فيصل» رئيس المخابرات السابق والسفير السابق لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والأمير «خالد بن فيصل» حاكم مكة ووزير التعليم السابق؛ كل هؤلاء المرشحين أكثر إنجازًا من «محمد بن سلمان»، وهم أيضًا أكبر منه بكثير.
تلعب الرياض على نغمة «شباب» ولي العهد الجديد، وتقدّمه كتغيير إيجابي للمملكة، التي حكمها تاريخيًا الملوك الأكبر سنًا؛ وهذا قد يكون له آثاره على الشعب السعودي، الذي لا تتجاوز معدلات أعمار 75% منه سن الـ35. لكنه أيضًا صدمة لثقافة الدولة ونظام القبلية الذي يُقدّر بعمق مبدأ الأقدمية.
ولعلّ الملك سلمان يدرك أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، وهذا أحد الأسباب التي دفعته إلى إعادة الاستحقاقات المخصومة من موظفي الدولة. ونفّذت الحكومة إجراءات تقشف في سبتمبر الماضي؛ بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وشملت تخفيضات في المرتبات وغيرها من الاستحقاقات للعاملين في القطاع العام. وفي أبريل، أعاد الملك البدلات، قبل أن يعود في 21 يونيو ليعلن أن العمال العموميين سيحصلون على العلاوات التي فقدوها منذ اتخاذ التدابير بأثر رجعي؛ ربما في محاولة للحصول على الدعم الشعبي لتولية نجله ولاية العهد.
وكانت الحكومة حريصة على إظهار سلاسة انتقال السلطة إلى ولي العهد الجديد. وأُعلن أن تعيين ولي العهد الجديد مدعوم من 31 عضوًا من بين 34 بـ«هيئة البيعة». كما بثّ تلفزيون الدولة صور ولي العهد المنتهية ولايته وهو يبايع ولي العهد الجديد. ومن غير المرجح أن يؤدي هذا التغيير إلى اضطرابات في المدى القصير؛ لأن الأسرة المالكة تخشى أن تضيف أي معارضة من داخل النظام الملكي التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في المملكة. إلا أن الاستياء، بجانب المخاوف من أن الأمير الشاب قد لا يكون مستعدًا للتعامل مع هذه التحديات؛ من المرجح أن يسبّبا معارضة بين النخبة الحاكمة على الطريق.
حاليًا، هناك مشاكل أكثر إلحاحًا؛ فأكبر تهديد لاستقرار السعوديين هو انخفاض أسعار النفط، حيث يعتمد اقتصاد البلاد اعتمادًا كبيرًا على قطاع الطاقة. بعد أن ارتفع سعر النفط الخام إلى ما يقرب من 58 دولارًا للبرميل في بداية العام، بلغ أدنى مستوى له في تسعة أشهر عند 43 دولارًا للبرميل تقريبًا.
وانخفض السعر بنحو عشرة دولارات للبرميل الواحد. ويستخدم السعوديون عائدات النفط لدفع رواتب القطاع العام ومدفوعات النظام الاجتماعي. ولكن، بالنظر إلى أنه من غير المرجح ارتفاع أسعار النفط إلى المستويات التي يحتاجها السعوديون لدفع نفقاتهم دون أن يغمسوا احتياطياتهم؛ فالحفاظ على الاستقرار الداخلي سيكون صعبًا.
بالإضافة إلى ذلك، أُعطي كثير من الاهتمام لمبادرة تسمى «رؤية 2030» يقودها «بن سلمان» وتهدف إلى إجراء تغييرات على الاقتصاد السعودي. لكنّ هذه التغييرات تتطلب إصلاحًا شاملًا للنظام السياسي في البلاد، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا يبدو غير متاح في المملكة.
ويواجه البلد أيضًا تحدّيات تتجاوز حدوده. وقد اضطرت المملكة العربية السعودية إلى موقف مستحيل من الاضطرار إلى إدارة الاضطرابات المتزايدة في العالم العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه زعامتها للعالم السني إلى التهديد من تركيا و«تنظيم الدولة». في الواقع، كما يُظهر النزاعُ الأخيرُ مع قطر، لا يمتلك السعوديون القدرة للسيطرة على التكتل الصغير المسمى «مجلس التعاون الخليجي». كما أن المملكة العربية السعودية أصبحت أكثر عرضة إلى إيران وحلفائها الشيعة العرب الذين يرغبون في الاستفادة من الاقتتال الداخلي بين الدول العربية والجهات الفاعلة غير الحكومية.
لقد كانت المملكة قادرة على الصمود، لكنها لم تواجه أبدًا مثل هذه الاختبارات الشاقة، داخليًا وخارجيًا. وصلت المملكة إلى طريق مسدود؛ فالطرق القديمة لإدارة شؤونها لا تعمل، واحتضان نموذج جديد صعبٌ للغاية. تتغير القيادة بشكل راديكالي، ولكن التغييرات التي تُفرض ربما تجعل الأمور أسوأ فقط.