شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

إعادة تعريف الوطنية فى مصر

إعادة تعريف الوطنية فى مصر
وأنت تقرأ هذا المقال وتستعد مع أسرتك للاحتفال بعيد الفطر المبارك هناك مئات الأسر المصرية التى غاب عنها أبناؤها خلف القضبان بعد أن تم اعتقالهم من بيوتهم بسبب موقفهم الرافض لاتفاقية تيران وصنافير

وأنت تقرأ هذا المقال وتستعد مع أسرتك للاحتفال بعيد الفطر المبارك هناك مئات الأسر المصرية التى غاب عنها أبناؤها خلف القضبان بعد أن تم اعتقالهم من بيوتهم بسبب موقفهم الرافض لاتفاقية تيران وصنافير والتى أقرها البرلمان ليعلن أن الجزر ملك وحق للمملكة السعودية، وستطالعك فى فواصل النشرات الإخبارية المرئية والمسموعة بيان ورسائل ما يُعرف بـ«ائتلاف دعم مصر» وهو يقوم بتخوين الرافضين للتنازل عن الجزر للسعودية ويصفهم بالمضللين الذين استغلوا حب الشعب المصرى للأرض واستغلوا الحدث لتحقيق أهداف سياسية! ستجد بيانهم يطالب رئيس الجمهورية بسرعة التصديق النهائى على الاتفاقية وتسليم الجزر للسعودية حتى يعم الخير والرخاء على البلاد والعباد!!

يقبع الآن هؤلاء الشباب فى السجون لأنهم كتبوا على صفحاتهم أن الجزر مصرية، التعبير عن الرأى صار جريمة وتحريضا وإرهابا، وليته رأى فى أى قضية عادية بل هو رأى وقناعة أقرها القضاء المصرى فى حكم تاريخى أكد مصرية الجزر وقال فى حيثياته «وقر واستقر فى عقيدة المحكمة أن سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير مقطوع بها وأن دخول الجزيرتين راجحا رجحانا يسمو لليقين كأثر للسيادة المصرية، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شىء آخر يغير من هذا، حكمت المحكمة بإجماع الآراء برفض طعن الحكومة على مصرية تيران وصنافير» المحكمة الإدارية العليا يونيو 2016.

كان من المدهش والمضحك أن يقف النواب المؤيدون فى البرلمان للاتفاقية وهم يشيرون بأيديهم بعلامة القبض، متهمين النواب المعارضين بأنهم (قابضين من الخارج) لرفض التنازل عن الجزر بينما اتهم رئيس البرلمان النواب المعارضين بأنهم مثيرو فتنة ويعملون طبقا لأجندات خارجية تهدف لإثارة الفوضى وتمزيق البلاد.

بدا أن الأمر محسوم من البداية وأن مخرج المشهد طلب سرعة إنهائه بأى ثمن دون الوضع فى الاعتبار مطالبا المعارضين بإتاحة الوقت أو سماع وجهات نظرهم أو عرض وثائقهم أو حتى عرض وثائق وحجج وبراهين المؤيدين لتسليم الجزر للسعودية التى لم يقوموا بتسليمها للمحكمة التى حكمت بإجماع الآراء بمصرية الجزر بناء على ما توافر لديها من وثائق وبراهين دامغة تؤكد ذلك. 

***

حالة صادمة تعكس عدم الاعتداد أو الاهتمام بوجود شعب يقدس الأرض ويريد الحفاظ عليها ويصر على فهم ملابسات هذا الإخراج البائس لقضية الجزر، وتبعه ما فعله البرلمان من تدشين لحملات إعلامية وإلكترونية مكثفة اتخذت من الفبركة والتلفيق والتبرير الساذج منهجا لها لامتصاص غضب الناس وخلق حالة من التشكيك لدى المواطن ببث شائعات عبثية وحكايات أسطورية تقدم ما حدث للجمهور بأنه انتصار وإنجاز كبير!

يعتقد البعض أن الأزمة قد انتهت بقرار البرلمان وانتظار تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقية لكن الحقيقة أن أزمة الجزر أعمق من ذلك بكثير ولن يتم نسيانها، بل تركت بقعة سوداء يصعب محوها عن وجه السلطة التى أدارت الأزمة بمنتهى الصلف والغرور والتكبر والعناد وازدراء الناس، ثمة ملاحظات يجب ذكرها على هامش الأزمة..

أولا: سياسة فرض الأمر الواقع وأسلوب الصدمات والاكتفاء بمباركة المؤيدين دون الاكتراث بالقطاع الأكبر الرافض بشدة يعيد التأكيد على إصرار السلطة على المضى وحدها وتجاهل أى رأى معارض بل وتجريمه وعقابه، واعتقالات شباب الأحزاب السياسية خير دليل وتؤكد زيادة تكميم الأفواه وتأميم المجال العام للمؤيدين فقط. 

ثانيا: الإصرار على الزج بالمؤسسة العسكرية فى أتون اختلاف سياسى وقضية سياسية من الدرجة الأولى خطيئة، بدا هذا واضحا فى أحاديث وكلمات رئيس البرلمان التى حاولت إقناع الناس بقبول التنازل عن الجزر بتصدير كلمة الجيش ومحاولة تصوير القضية أن الجيش يقف خلفها ويدعمها بينما الحقيقة أنها قرار سياسى بحت ستنفذه مؤسسات الدولة أيا كانت، ومن المؤسف الزج بالجيش وهيبته وحياديته فى خلاف سياسى قسم المجتمع لمؤيدين وهم قلة مهما بدا غير ذلك، ومعارضين وهم الأكثرية طبقا لشواهد ودلائل عدة واستطلاعات رأى منشورة.

ثالثا: كشفت الأحداث عن أزمة بنيوية خطيرة فى جسد المعارضة المصرية التقليدية حيث بدا أنها مصابة بتصلب فى شرايين الحركة وعجز عن التفاعل مع الواقع بوسائل مختلفة عن الطرق التقليدية من إصدار بيانات والدعوة لتظاهر ــ ممنوع ومحاصر أمنيا ومجهض قبل بدايته ــ وبدا أن هذا إبراء للذمة وتسجيل للمواقف، بينما عكس فى الحقيقة واقعا مريرا عن انفصال هذه النخب عن الجماهير ومحدودية ابتكارها لوسائل جديدة تصب فى خانة الاتصال المباشر مع الجماهير وإيصال آرائها وشرح وجهة نظرها رغم التضييق الإعلامى والأمنى على حركتها بمنع تنظيم الاجتماعات والمؤتمرات ومنع الظهور الإعلامى.

رابعا: زادت الأزمة من حالة فقدان الثقة بين السلطة وقطاع كبير من المصريين ومهما بدا لصناع القرار أنهم انتصروا واستطاعوا فرض إرادتهم فهناك مرارة نفسية عميقة على المستوى الشعبى لن تفلح أى محاولات لمحوها والتخفيف من آثارها، وصنعت الأزمة تمايزا قطعيا فى الوسط الإعلامى والسياسى حيث تبارى الكثيرون لإرضاء السلطة والتزلف لها بفقد موضوعيتهم والمزايدة على الناس فى مشهد عبثى غريب.

خامسا: خسر النظام كثيرا من مؤيديه فى هذه الموقعة خاصة مع ظهور تصريحات معارضة للاتفاقية من قبل قيادات سابقة تنتمى لدولاب الدولة المصرية ولا يمكن اعتبارها فى خانة خصوم النظام ولا معارضيه حيث اعترض هؤلاء على المشهد بالكامل وأدانوا ما يحدث، وأيا كان السبب وراء ذلك كمناكفة سياسية تقف خلفها رغبات شخصية تتعلق بالصراع على السلطة أو أسباب أخرى فقد شق هذا صف المؤيدين وأشعر قطاعا منهم أن المسار الذى نسير فيه ليس صحيحا وهناك مسارات بديلة كان يمكن المضى فيها.

***

فى النهاية يجب التأكيد أن إدارة الأزمة كانت كارثية بكل المقاييس ولها تداعياتها التى قد لا تكون لحظية بقدر ما ستكون جزءا كبيرا فى مسيرة التراكم السلبى والإخفاق السياسى العام فى مصر، السعودية لم تكن طرفا فى الأزمة من البداية لا على المستوى الرسمى ولا المستوى الإعلامى ولا حتى الشعبى فقد قام بدورها مصريون دافعوا عن سعودية الجزر بكل قوة واشتبكوا مع المعارضين وقاموا بتخوينهم والمزايدة عليهم، سيكتب التاريخ عن هذا الحماس غير الطبيعى لهؤلاء الأشخاص لنفى مصرية جزء من أرض الوطن وستمر الأيام وتتغير الأشخاص والمواقف ولكن هناك ما لا يمكن نسيانه ولا محوه عبر التاريخ، حمى الله مصر من أعدائها وأبنائها وهدانا لما فيه خير الوطن.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023