تمهيد
منذ انقلاب السيسي في 03 يوليو 2013م،علي الرئيس مرسي، تشهد العلاقات المصرية السودانية توتراً يزداد يوما بعد يوم، وزادت حدته خلال الأشهر المنصرمة من العام 2017، ففي 22 فبراير 2017م، وأثناء زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الي دولة الإمارات اتهم الحكومة المصرية بدعم حكومة دولة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر، وقال “إن لدى إدارته معلومات تفيد بأن القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية لا تقاتل في جنوب السودان لكنها تمد حكومتها بالأسلحة”.
وقال البشير إن هناك مؤسسات في مصر تتعامل مع السودان بشكل عدائي، متهما جهات لم يسمّها داخل هذه المؤسسات بأنها تقود هذا الاتجاه.
وفي 17 مارس 2017م، قررت الحكومة السودانية منع استيراد المنتجات الزراعية المصنعة في مصر وكذلك وقف استيراد الأسماك وأرجعت ذلك بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة والصحة العامة(). وفي 7 أبريل 2017م، بدأت الحكومة السودانية فى تطبيق قرار أصدرته، بفرض تأشيرات على المصريين القادمين للأراضى السودانية، من سن 18 عام حتى 49 عام، والسماح بدخول الفئات العمرية من حملة الجوازات المصرية من سن 50 عاماً فيما فوق، والسماح بدخول النساء والأطفال دون الحصول على التأشيرة، بالإضافة إلى تحصيل رسوم من المغادرين المصريين بقيمة 530 جنيه سودانى، وذكر المتحدث باسم الخارجية السودانية “قريب الله الخضر” إن هذا الإجراء “معاملة بالمثل”، وأن القرار كان يطبق فعليا على السودانيين عند دخول مصر منذ فترة، في حين لم يكن المصريون بحاجة إلى تأشيرة لدخول السودان منذ 2004 وإلى حين اتخاذ هذا القرار.
وفي منتصف أبريل من عام 2017م، كشف وزير الخارجية السوداني السفير إبراهيم الغندور، بأن وزارته أرسلت رسالة الى وزارة الخارجية المصرية للاستفسار حول الطلب المصري بالتصويت على إبقاء العقوبات المفروضة على السودان()، خلال جلسة العقوبات الخاصة بدارفور بمجلس الأمن الدولي، حسب القرار (1591) لعام 2006 المتعلق بشأن أزمة أقاليم دافور السودانية. ووصف “الغندور”، الموقف المصري بـ “الغريب والشاذ” عن مواقف مصر السابقة ويختلف عن الخط الداعم للسودان لكل الدول العربية والافريقية، وهو ما نفته مصر مشيرة إلى أن لجنة العقوبات الخاصة بالأوضاع في دارفور لم تناقش من قريب أو بعيد مسألة تمديد العقوبات على السودان، حيث أن مجلس الأمن أصدر بالفعل القرار ٢٣٤٠ في ٨ فبراير 2017م، بتمديد تلك العقوبات لمدة عام قادم.
وفي 21 أبريل 2017م، أودعت الحكومة السودانية لدى الأمم الأمم المتحدة، إحداثيات خطوط الأساس التي تقاس منها مناطقها البحرية وتشمل منطقة (حلايب وشلاتين) المتنازع عليها مع مصر، وتفرض عضوية السودان في المعاهدة الدولية لقانون البحار إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بأي تطور يمس جغرافية الحدود البحرية.
وفي 15 مايو 2017م، قال الرئيس السوداني عمر البشير، إن بلاده “تتحلى بالصبر إزاء مصر رغم احتلالها أراضي سودانية”، وأضاف: إن “الإعلام المصري العام والخاص يعمل على الإساءة إلى السودان.. ومع ذلك يصبر السودان على هذه المعاملة؛ لأن العلاقات المصرية السودانية تاريخية وروابطها قوية جداً”.
واعتبر البشير أن “مصر مستهدفة ونحن مستهدفون، فأي شرخ في العلاقات بينهما هو خسارة للاثنين، وهو ما يصب في مصلحة أعداء الأمة”.
وفي 23 مايو 2017، قال البشير، إن “القوات المسلحة استلمت عربات ومدرعات، للأسف مصرية”. وأضاف: “المصريون، حاربنا معهم منذ 1967، وظللنا نحارب لمدة 20 سنة، ولم يدعمونا بطلقة، والذخائر التي اشتريناها منهم كانت فاسدة”(). ونشر سودانيون صوراً قالوا إنها للمدرعات المصرية التي صادروها في إقليم دارفور.
وفي سياق متصل أطلقت دورية تابعة للقوات المصرية النار على مجموعة من المنقبين عن الذهب بمنجم إبراهيم حسين داخل الحدود السودانية بالقرب من وادي العلاقي، حيث أصيب أحد المنقبين. وكشف مسؤول محلي سوداني أن الدورية اعتدت على المنقبين ظهراً أثناء وقت راحتهم وطاردتهم، مما أدى إلى إصابة المواطن “سالم صغيرون”، واقتياده إلى قيادة الكتيبة المصرية (115) حرس الحدود. وأن أحد الضباط المصريين حقق مع الشخص المصاب داخل الحدود المصرية قبل أن يتم إطلاق سراحه.
وبعد تأجيل وزير الخارجية السوداني لزيارته إلى مصر أكثر من مرة قام، في 3 يوينو 2017 بزيارة الي القاهرة التقي خلالها بوزير الخارجية المصري سامح شكري، وبعد نهاية اللقاء قام الإثنان بعقد مؤتمر صحفي قال فيه “الغندور” إنه التقى بالسيسي وسلمه رسالة من الرئيس البشير لتقوية العلاقات، وحملت له بعض الانشغالات السودانية، وأكد الغندور “إن قضية الاتهامات التي أثيرت مؤخرا لم نتراجع عنها، ووضعت معلومات يجب أن تدرسها الأجهزة الأمنية والاتهامات كانت مستندة لمعلومات وليس جزافا”.
أولاً: أسباب الخلافات المصرية السودانية:
بجانب التنازع المصري السوداني علي مثلث حلايب وشلاتين هناك أسباب أخري وراء الصراع بين النظامين وهم:
1ـ الربط بين النظام السوداني وجماعة الإخوان المسلمين:
النظام الحاكم في السوادن يعتبره بعض الباحثين والمفكرين بأنه نظام إسلامي، ومنذ الإنقلاب العسكري الذي قام به السيسي في 03 يوليو 2013م، والتنكيل الذي فعلة السيسي بقيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومع ازدياد القبضة الأمنية في مصر، خرج بعض الأفراد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من مصر إلى السودان، وكان هذا أحد أسباب الخلاف المصري السوداني، لذلك قامت الحكومة المصرية بإبلاغ السودان في رغبتها في أن تتسلم مطلوبين أمنيين موجودين على أراضيها، ولكن السودان لم توافق بمبدأ المعاملة بالمثل؛ حيث إن مصر كانت تحتضن زعيم المعارضة السياسية للنظام، الإمام الصادق المهدي، وتسمح للحركات المعارضة السودانية بفتح مكاتب في القاهرة.
2ـ علاقة النظام السوداني بدولتي قطر وتركيا:
(أ) العلاقات مع قطر:
العلاقات القطرية السودانية تتصف بأنها علاقات متميزة منذ افتتاح السفارة القطرية فى الخرطوم في عام 1972م بتمثيل دبلوماسي كامل، ولم تقتصر العلاقة بين قطر والسودان على جانبها الدبلوماسي فقط، بل تعدتها إلى كافة المجالات:
-
سياسياً: تمثَّلت في تنسيق المواقف في المحافل الدولية والإقليمية، وغير ذلك من المشاركات على كل المستويات، يؤكد ذلك اهتمام قطر بالمسائل المتعلقة باستقرار السودان وإقرار السلام والتنمية، وعلى وجه الخصوص المبادرة القطرية بشأن قضية دارفور وتتويج ذلك بالتوقيع على وثيقة الدوحة للسلام في الإقليم وما تبع ذلك من مشروعات الإعمار والتنمية، عبر مبادرة قطر لتنمية دارفور، ويجدد المسؤولون السودانيون في مناسبات عديدة تمسكهم بالدوحة كمنبر وحيد لاستكمال السلام في دارفور، ورفضهم لمحاولات بعض الجهات إيجاد منبر بديل.
-
اقتصادياً: تمثل الاستثمارات القطرية في السودان نسبة كبيرة من الاستثمار الخارجي في السودان، من خلال المؤسسات القطرية، مثل بنك؛ قطر الوطني، وشركة الديار العاملة في المجال العقاري، شركة وِدام، وشركة حصاد العاملة في مجال المشروعات الزراعية، وشركة بروة العقارية، قطر للتعدين، بجانب عدد من الأفراد المستثمرين في المجال الزراعي والتجاري.
-
عسكرياً: بين السودان وقطر فهي علاقات تتصف بالقوية والمتينة وشهدت مؤخرا العلاقة العسكرية بين البلدين تطورا ملحوظا وتحديدا منذ عام 2014، حيث وقع السودان وقطر في 11 أبريل 2014م، على مذكرة تعاون في المجالات العسكرية خلال زيارة رسمية أجراها وزير الدفاع السوداني الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين إلى الدوحة.
(ب) العلاقات مع تركيا:
العلاقات السودانية التركية علاقات استراتيجية في المجالات كافة. وكانت أخر تطورات تلك العلاقة في 12 مايو 2017م، حيث وقع وزير الدفاع السوداني الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف عدداً من اتفاقيات التعاون العسكري مع نظيره التركي “فكري إيشيك”، في مدينة أسطنبول التركة علي هامش مشاركة وزير الدفاع السوداني في المعرض الدولي للصناعات الدفاعية (آيدف)().
3ـ ملف سد النهضة:
أعلن كل من السودان وإثيوبيا في 03 أبريل 2017م، توقيع اتفاقيات للتكامل وتوحيد المواقف تجاه التهديدات الخارجية. وقال الرئيس السوداني في أديس أبابا إن الأمن القومي الإثيوبي جزء لا يتجزأ من أمن بلاده، بينما أكد رئيس الوزراء الإثيوبي متانة علاقات البلدين، ولم تكتف الخرطوم وأديس أبابا بإعلانهما تعاونا اقتصاديا وسياسيا بل عسكرياً أيضاً.
وجاء توقيع تلك الاتفاقية بعد تفاقم الخلافات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة من جهة والخلاف المصري السوداني من جهة أخرى، الأمر الذي كان بمثابة إعلان تحذيري أمني للحكومة المصرية للكف عن استخدام لغة “التهديد والوعيد” في تعاملها مع ملف النهضة أو مثلث حلايب.
أما عن التنسيق بين السودان وإثيوبيا في ملف سد النهضة، يري السودان أن إيجابيات بناء السد للسودان أكثر من سلبياته وقلل من مخاوف جفاف نهر النيل بسبب فقدان طاقته بسبب التخزين والسدود، وقال خبراء سوادنيون إنهم قاموا بإجراء دراسة شاملة على طول النهر لقياس انحدار الأرض، وتبين من خلال الدراسة عدم وجود أي مشكلات في ذلك.
وأكد وزير الزراعة السوداني الأسبق “أحمد علي قنيف” أن سد النهضة بات واقعاً، ويجب على السودانيين أن يتساءلوا عن واقع السودان بعده، وأن سد النهضة يمثل نهضة لإثيوبيا مما يتطلب مقابلة ذلك بنهضة أخرى في السودان من خلال الاستفادة من موارد السودان الزراعية، ويضيف إن قيام سد النهضة رغم سلبياته إلا أن إيجابياته تطغى إذا ما تم استغلالها بمنظور علمي باعتبار أن السد سيوفر تخزين المياه طول العام.
وبعد أيام من فشل مفاوضات مصر وإثيوبيا والسودان حول “سد النهضة “ في 19 مايو 2017م، أعلنت أديس أبابا، دعمها للسودان بقضية “حلايب وشلاتين”، داعية مصر للاعتراف بسودانية المنطقة، وقال ديلا ماديسين، نائب وزير الخارجية الإثيوبي: إن “حلايب وشلاتين”، “تقع تحت سيادة سودانية منذ عام 1956”، مؤكدا أن “الوثائق التاريخية تثبت تبعيتها للسودان”.
ثانياً: السيسي وزعزعة استقرار السودان:
تتعدد التفسيرات حول توجهات قائد الانقلاب العسكري في مصر لزعزعة الاستقرار في دولة السودان، ومن بين تلك التفسيرات:
التفسير الاول: محاولة التخلص من نظام عمر البشير:
فالسودان عند السيسي، يعتبر الضلع الثالث (بجانب قطر وتركيا) الذي لا يتماشي مع سياسة المحور السعودي الإماراتي المصري بشكل يسمح له بأن يكون بمنأي من محاولة ذلك المحور من التخلص من النظام الحاكم في السودان، لذلك رأي البعض أن ما يقوم به السيسي تجاه السودان الآن هو خطة معدة مسبقاً بين كلا من السعودية والإمارات ومصر للتخلص من البشير، وما التصعيد المصري ودعم المتمردين بدارفور ودولة جنوب السودان بالسلاح إلا أدوات نحو ذلك التخلص.
وكذلك ما قام به الفريق طه عثمان الحسين، مدير مكتب البشير من محاولة انقلاب عليه، حيث انكشفت صلاته السرية بكل من السعودية والإمارات، بعد أن عرض عليهما المساعدة في تنفيذ “انقلاب عسكري سريع في قطر يُطيح بالنظام القائم هناك”، وذلك دون علم الرئيس البشير ودون علم أي من أجهزة الدولة، طالبا من الرياض وأبوظبي ثمنا لذلك، حيث كان يريد الحصول على الدعم السعودي الإماراتي من أجل الإطاحة بالبشير في الخرطوم وتولي حكم السودان من بعده.
التفسير الثاني: إشغال السودان عن المطالبة بحلايب وشلاتين:
ويقوم هذا التفسير على أن السيسي يسعى لإشغال السودان عن مطالبته بحلايب وشلاتين، الذي دأب النظام السوداني طيلة الفترة الماضية على المطالبة بهما، لأنه بعد تفريط السيسي في جزيرتي “تيران وصنافير” ومطالبة السودان بتلك الأراضي يجعل السيسي في حرج أشد أمام الشعب المصري الذي به جزء عريض يرفض التنازل الذي صدق عليه السيسي ببيع تيران وصنافير للسعودية، خاصة وأن السيسي علي مشارف انتخابات رئاسية في مصر 2018، لذلك يريد تعطيل هذا الملف مرحلياً.
التفسير الثالث: ملف سد النهضة:
ذهب البعض أن محاولة السيسي النيل من السودان وزعزعة استقراره بسبب وقوف السودان في صف أثيوبيا في ملف سد النهضة، ويحاول السيسي استخدام أوراق ضغط ضد السودان للوقوف بجانبه فى ملف سد النهضة، أمام إثيوبيا التي قاربت علي الانتهاء من بنائه والبدء في عملية تخزين المياه.
التفسير الرابع : إبعاد السوادن عن المحور القطري التركي:
في ظل الصراع بين النظام المصري من جانب والنظامين التركي والقطري من جانب آخر، يسعى السيسي ومن خلفه السعودية والامارات لضم السودان لمنظومتهم الإقليمية.
ثالثاً: مستقبل العلاقات بين مصر والسودان:
السيناريو الأول: بقاء الوضع الحالي “المراوحة”:
حيث يعمل النظام المصري علي استمراره في زعزعة استقرار السودان، والإستمرار في دعم المتمردين في دارفور، وكذلك دعم دولة جنوب السودان، مع فتح باب للحوار بينه وبين السودان، وعرض مطالب وشروط لتهدئة الأوضاع بين الجانبين، لعله يصل مع نظام البشير لصيغة توافقية، تمكنه من إرجاء ملف السودان مؤقتاً، حتي يعبر انتخابات 2018م.
السيناريو الثاني: تحسين العلاقات:
ويرتبط بعدد من الاعتبارات، من وجهة النظر المصرية، منها: إذا قامت السودان بالتعاون مع مصر في ملف سد النهضة، وعدم التصعيد في ملف حلايب وشلاتين، وقامت السودان بتسليم بعض المطلوبين لمصر أو حتي ترحيلهم خارج أراضيها، وتعاونت في الملف الليبي مع مصر ووقفت في صف خليفة حفتر.
السيناريو الثالث: التصعيد:
وهو السيناريو المرجح، ويقوم علي أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التوتر بين الدولتين، وخصوصا في ظل الهجمة التي تتعرض لها قطر من قبل كلا من السعوددية والإمارات والبحرين ومصر، حيث ستعمل تلك الدول علي التخلص من نظام الرئيس عمر البشير، والمجئ بنظام أكثر تعاونا معها، وستعمل هذه الدول على توفير مزيد من الدعم للحركات المسلحة داخل السودان بالسلاح أو المعلومات، ودعم دولة الجنوب، ودعم بعض الشخصيات داخل المؤسسة العسكرية السودانية للانقلاب على البشير.
خلاصة:
نظام البشير يمثل خطراً حقيقياً علي نظام السيسي، والعكس أيضاً صحيح، لذلك يبدو أن القادم هو علاقات أكثر توترًا بين مصر والسودان خصوصًا أن مصر تعتبر السودان حديقتها الخلفية وترى أن نفوذها فيها أصبح مهددًا مع تنامي التعاون السوداني التركي القطري، مقابل المحور السعودي الإماراتي المصري.