قال المحلل الاقتصادي مصطفى سونمز إن محاولة الانقلاب التركي في 15 يوليو 2016 كانت لها آثار قوية على المستقبل السياسي والحياة العامة في تركيا، وكذلك الاقتصاد؛ ففي الربع الأخير من العام الماضي، أثناء الانقلاب وبعده، بدأ الاقتصاد التركي في التحسّن لأول مرة منذ فترات طويلة.
يضيف «مصطفى»، في مقاله المنشور بموقع «المونيتور»، أن حالة الطوارئ التي فُرضت في أعقاب فشل الانقلاب أتاحت للحكومة إصدار قرارات تشريعية، وهو ما كان له دور فعال في زيادة النمو الاقتصادي وسحب الاقتصاد التركي من حافة الهاوية؛ خاصة بعد استحواذ أنقرة على مئات الشركات التابعة لفتح الله غولن المتورط في تخطيط الانقلاب وحوّلتها إلى طرف ثالث.
استمر الاقتصاد التركي في الربع الأول من 2016 قبل محاولة الانقلاب عند مستوى ثابت، وصل إلى 5%، وشهد تدفق رؤوس الأموال الخارجية تباطؤًا؛ لكن بفضل العوائد الرسمية والتدفقات الغامضة للعملة الصعبة استمر سعر العملة المحلية ما بين 2.85 و2.90 أمام الدولار.
وشهدت الأسابيع التي تلت محاولة الانقلاب انخفاضًا في الإنتاج الحقيقي والاستثمار والمطالب المحلية، ورأت وكالات التصنيف الائتماني أن مستقبل تركيا أصبح خطيرًا وليس جيدًا للاستثمار؛ لهذا قرروا خفض تصنيف تركيا إلى غير مرغوب فيه. كلما زادت المخاطر السياسية زادت معها مخاطر السوق المالي.
بعد تصنيف تركيا بغير مرغوب فيها، بدأ المستثمرون الأجانب في الفرار في أكتوبر، وتزامن ذلك مع الضربة القوية التي وجهها الدولار لليرة التركية؛ فبعد أن كان يساوي 2.96 ليرة في يوليو 2016 وصل إلى 3.73 في يناير 2017، وهو ما أدى إلى ضرر القطاع الصناعي والخدمات. كنتيجة لذلك؛ تقلّص الاقتصاد التركي ليصل إلى 1.3% في الربع الثالث من 2016، وفقًا للمعهد الإحصائي التركي، وكان الانكماش في القطاع الصناعي مصدر القلق التركي.
من الناحية السياسية، قادت حالة الطوارئ إلى عهد جديد تميّز بالحملات الشرسة على مجتمع فتح الله غولن ومعارضين، وامتدت حالة الطوارئ لتشمل القضايا الاقتصادية، فلم تقتصر على قمع الانقلابين وداعميهم فقط؛ ولكنها أصبحت وسيلة لتوجيه اقتصاد تحت تهديد الأزمة.
في الأسابيع التي أعقبت الانقلاب، أنشأت أنقرة صندوق ثروة سيادية مع وظائف موازية لتلك التي تخص ميزانية الحكومة المركزية، وفي حالات تكون موازية لوظائف البنك المركزي. تبع ذلك سلسلة من المراسيم التشريعية لتعزيز الصندوق؛ ففي حالات استخدمته الحكومة لتقديم لإدخال تسهيلات سداد للمدينين بالعملة الأجنبية إلى المؤسسات العامة. بشكل منفصل، مهّد مرسوم مجلس الوزراء الطريق إلى نقل عدد لا يحصى من الأصول العامة إلى صندوق الثروة.
ورغم اعتراض أعضاء بالبرلمان التركي على إدارة الاقتصاد بمراسيم تشريعية؛ إلا أن هذه المحاولة للمساءلة لم تكن مفيدة؛ بسبب تآكل دور البرلمان في ظل حالة الطوارئ. رغم ذلك؛ إلا أن المراسيم التشريعية ساعدت الحكومة في كبح الدولار أمام العملة المحلية، كما سنّت أنقرة سلسلة من التدابير تهدف إلى درء الأزمة؛ من بينها تشجيع الإقراض القوي للشركات التي تعاني، وخفض الضرائب على حساب العجز العام، وإعطاء حوافز مالية للشركات التي تستأجر موظفين جددًا وتعلق إضرابات العمال.
يوضح «مصطفى» أنه منذ فبراير بدأت الاتجاهات المالية العالمية تأتي في صالح تركيا؛ ما ساهم في عودة مستثمري المدى القصر. كنتيجة لذلك؛ تراجع الدولار إلى ما بين 3.5 و3.6 أمام الليرة، وارتفع السوق المحلي؛ ما أدى إلى تزايد معدل النمو الاقتصادي إلى 5% بعد أن كان 3.5% في الربع الرابع من 2016.
ويلفت المحلل الاقتصادي إلى أن الهجمات ضد أعضاء الحركة التابع لها فتح الله غولن لها أبعاد اقتصادية؛ حيث سُلّمت الشركات الخاصة بداعمي غولن إلى الأمناء قبل محاولة الانقلاب. وبعدها بأسابيع، اُستُخدم مرسوم تشريعي لوضع هذه الشركات وغيرها تحت حراسة الدولة في صندوق تأمين ودائع الادخار، الذي يسيطر عليه نظام حزب الرئيس الحالي؛ لذا فإن قرار حلّ الشركات أو بيعها كان يرجع إلى نائب رئيس مجلس الوزراء «نوريتين كانيكلي»، الذي يشرف على الصندوق.
في حديثه في مارس، قال «نوريتين» إن الشركات التي استحوذ عليها الصندوق تساوي قرابة 40.5 مليون ليرة من حيث الأصول، وأضاف أن الصندوق يدير حاليًا قرابة 858 شركة كمستأجر، وعُيّن 259 شخصًا أمناء، بجانب توظيف ما يقرب من 44 ألفًا و868 شخصًا في هذه الشركات.
يضيف مصطفى سونمز أنه من غير الواضح إذا كانت هذه الشركات تمثّل كل الأعمال والأصول التي استحوذت عليها الدولة عبر الصندوق في حملتها ضد فتح الله غولن؛ حيث صودرت أو أغلقت العشرات من المدارس. لذا؛ إذا كانت الأصول التعليمية خارج نطاق الصندوق فإن القيمة الفعلية للأصول المصادرة أعلى بكثير من المعلنة.