رحلة الرئيس محمد مرسي إلى الصين وإيران تستدعي العديد من الملاحظات والتساؤلات، خصوصًا أننا نعلم الآن أن زيارة الصين لها أهدافها الاقتصادية بالدرجة الأولى، فى حين أن زيارة إيران التى قيل إنها سوف تستمر أربع ساعات فقط لا تحتمل أكثر من توجيه بعض الرسائل المقتضبة التى قد يتداخل فيها السياسى مع الاقتصادى. وإذا جاز لى أن أقارن بين الزيارتين فقد أقول إن زيارة الصين تستهدف دخول البيت والتفاعل مع أهله. أما زيارة إيران فلا تتجاوز محاولة التعرف على العنوان وفتح باب البيت المستعصى، والاكتفاء بمجرد إلقاء السلام على أهله. وهدف الأولى تحقيق المنافع أما هدف الثانية فقد لا يتجاوز وصل ما انقطع.
ما عندى من ملاحظات وتساؤلات منصب على الشق الاقتصادى من الزيارة بوجه أخص، الذى هو أكثر تحديدا ووضوحا فى الوقت الراهن.
الملاحظة الأولى أننا ينبغى ألا نتوقع جذبا للاستثمارات الخارجية إلى مصر قبل إصلاح الأوضاع الداخلية والبدء بتحريك عجلة التنمية فى البلد. لأن المستثمر يتوجه إلى البيئة التى يطمئن إلى أنها تشكل إغراء جاذبا له، وهو ليس مستعدا للمغامرة بالذهاب مثلا إلى بلد أغلق فيه 2000 مصنع أبوابه، ومصانعه الكبرى تعانى من مشكلات تهددها بالإغلاق. لذلك فقد تمنيت أن يعالج الرئيس والحكومة معه المشكلات الأساسية التى يعانى منها الاقتصاد فى الداخل، قبل أن يخاطب أهل الخارج. وللعلم فإن ذلك ما فعلته الصين والهند. حيث لم تتقاطر عليهما الاستثمارات الخارجية إلا بعد أن اقتنع المستثمرون بأنهم مقبلون على فرصة واضحة المعالم وليسوا مقدمين على مغامرة لا تعرف عواقبها.
الملاحظة الثانية تعيد التذكير بأهمية مراجعة ونقد الفلسفة الاقتصادية المهيمنة فى مصر، والتى كان لها تأثيرها الواضح على برنامج «النهضة» الذى تبناه الدكتور مرسى. وهى الفلسفة التى تعطى الأولوية لتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار والاستقدام من الخارج، فى حين تتجاهل للأسف معطيات الداخل وقدراته وخصوصيته. الأمر الذى يعنى انها تعتنى بالاستنساخ بأكثر مما تعتنى بالإبداع، وتقدم الحلول الجاهزة والمعلبة على الحلول المبتكرة النابعة من القدرات الذاتية والإمكانات المحلية.
الملاحظة الثالثة متصلة بسابقتها وتعد ترجمة عملية لها. ذلك ان وفد رجال الأعمال الذى سافر مع الرئيس فى رحلته ضم أشخاصا يمثلون شركات تجارية ومكاتب للاستيراد، الأمر الذى أعطى انطباعا باهتمام الحكومة بالاستيراد من الخارج، وعدم اهتمامها بالإنتاج والتصدير. ولم تكن تلك هى الملاحظة الوحيدة على الوفد المسافر لأننى سمعت من بعض رجال الأعمال قولهم ان الذين رافقوا الرئيس فى رحلته هم أنفسهم المجموعة التى التقته بعد توليه السلطة، وقيل لى أيضا إن عددا من رجال الأعمال الذين التفوا حول جمال مبارك وأبيه فى النظام السابق، وحققوا من وراء ذلك مكاسب لا حدود لها، استطاعوا ان يلتفوا حول القيادات الجديدة وان يصبحوا من أركان الوضع الاقتصادى المستجد. ومن المفارقات ان العديد من الخبرات والكفاءات التى حوربت وأبعدت عن محيط العمل العام فى ظل النظام السابق بسبب اعتراضهم على سياساته، هؤلاء تم اقصاؤهم واستبعادهم أيضا من المشهد الحالى، ربما تأثرا بآراء ومواقف عناصر النظام السابق الذى فرضوا أنفسهم على مشهد ما بعد الثورة.
الملاحظة الرابعة أننى أدركت أن ضعف التواصل بين الرئاسة والحكومة وبين النخبة ومؤسسات المجتمع ليس مقصورا على السياسيين والإعلاميين وحدهم، ولكنه حاصل أيضا بالنسبة للاقتصاديين ورجال الأعمال. وفيما فهمت فإن ذلك التواصل فيما خص الأخيرين يكتنفه الغموض، بمعنى انه بات مقصورا على دائرة محدودة مغلقة على ذاتها، فى مسلك يبدو متأثرا بأساليب وتقاليد الجماعة، التى لم تنفتح بعد على نهج الدولة، الذى ينبغى أن يتسم بالوضوح والشفافية.
الملاحظة الخامسة والأخيرة هى أننى كنت قد دعوت فى وقت سابق إلى ترتيب لقاء بين رموز السلطة فى مصر وبين الخبرات الاقتصادية المصرية، للاتفاق على تشخيص الأزمة ومحاولة وضع حلول لها تعالج الثغرات الحاصلة بعد ترتيب أولوياتها. وبشكل أخص تحدد نقطة البدء وما هو عاجل من الأهداف وما هو ضرورى وما يمكن تأجيله، لكن يبدو أنه ليس لدى السلطة التنفيذية استعداد لممارسة مثل هذا الوضوح والشفافية فى الوقت الراهن.
إن الارتباك مفهوم فى بدايات تأسيس النظام الجديد، والاعذار مطلوب أيضا، مع ذلك فإننى أتمنى ان تمارس الجهات المعنية بترتيب رحلات الرئيس من جانبها نقد الذات وتصحيح الأخطاء أو إزالة الالتباسات، حتى تحقق تلك الرحلات النجاح المرجو لها، بحيث تصبح إضافة إلى رصيد الوطن، وليس مجرد فرصة لتلميع صورة الرئيس وإثبات حضوره والإشادة بتحركاته.