أداء الرئيس محمد مرسى فى رحلته إلى الصين وإيران كان جيدًا، لكنه لم يفتح عكا، كما يقول التعبير الشائع. فالرجل لم ينتصر فى حرب ولم يكن عائدًا من المنفى، أو فائزا بذهبية فى سباق دولى، بحيث يدعو البعض إلى التوجه لاستقباله فى مطار القاهرة، أو التجمع حول بيته لتهنئته، بما حققه من «إنجاز». ولا أخفى أننى شعرت بالاستياء حين وقعت على مثل تلك الدعوات فى موقع «تويتر» لأنها ذكرتنى بما ظننت أننا تجاوزناه ونحب أن ننساه، لذلك فإننى سارعت إلى تحرى الأمر، فعلمت من الدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة إن الحزب لم تكن له علاقة بتلك الدعوة التى يرفضها.
وفهمت من اتصالات أخرى أن بعض السلفيين هم الذين أطلقوها، لأنهم كانوا فى مقدمة الذين تحفظوا على زيارة الرئيس لطهران باعتبار أن لهم موقفهم التقليدى المخاصم للشيعة، لكنهم حين وجدوا أنه فى خطبته أشار إلى الخلفاء الراشدين (الذين لا يذكرهم بعض الشيعة بالخير) فإنهم وجدوا فى كلامه نفسا سنِّيا يستحق التحية. لذلك فإنهم دعوا إلى الترحيب به فى المطار فيما بدا أنه سحب لاعتراضهم على زيارته.
فهمت أيضا أن الذين تجمعوا حول بيته هم بعض جيرانه والمتحمسين له من شباب الحى الذى يسكنه. لكننى لم أغير رأيى فى أنه مهما كان الأمر فإن الرئيس إذا أدى عمله وقام بما يتعين عليه أن يفعله فلا ينبغى أن يعذ ذلك حدثا استثنائيا يقتضى هتافا وتهليلا وزحفا جماهيريا يعلن الولاء ويجدد البيعة، ويعطينا انطباعا بأن الرئيس يصنع التاريخ حيثما ذهب.
ما أتمناه أن نعطى الرئىس حقه بغير تزيُّد. ذلك أن الذين هللوا لعودته لم يختلفوا كثيرًا عن الذين لطموا الخدود وشقوا الجيوب يوم فاز الرجل ودخل واحد من الإخوان إلى القصر الجمهورى.
ولئن تصرف الأولون بخفة وبالغوا فى مشاعرهم، فإن الآخرين استسلموا لسوء النية أو الجهل ولم يخفوا مراراتهم، والموقفان اتسما بالتطرف وعدم النضج السياسى على اختلاف نواياهم.
مبالغة البعض بالحفاوة بعودة الرئيس، لم تختلف كثيرًا عن مبالغة آخرين من الإعلاميين ممن قالوا إن زيارة الرجل للصين وإيران تعنى تحول اتجاه السياسة المصرية إلى الشرق، بعدما ظلت طويلا معلقة الأبصار والمصالح بالغرب. ومنهم من تحدثت على خريطة جديدة للمنطقة بعد الزيارة، فى حين أن الأمر ليس كذلك، ذلك أن ارتباطات مصر وتعهداتها للغرب والولايات المتحدة بوجه أخص أمتن وأكثر تعقيدا من أن تغير منها زيارة لعدة أيام للصين، وزيارة أخرى لبضعة ساعات لطهران.
إن غاية ما نستطيع أن نقوله بخصوص الزيارة أنها تضمنت أكثر من رسالة إيجابية سواء فيما خص العلاقة مع الصين أو إيران، والأخيرة تحيط بها ملابسات وضغوطات عربية وإقليمية ودولية لا قبل للرئىس مرسى بها، وهو لم يتول السلطة فى مصر إلا منذ نحو ثلاثة أشهر فقط. وقد سبق أن قلت إن زيارته لإيران لو اكتفت بتذويب الجليد بين البلدين الكبيرين لكانت خطوة مهمة فى رحلة الألف ميل، التى ينبغى أن نقطعها لكى تصل إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، ليس فقط لتبادل المصالح بينهما ولكن أيضا لكى نطوى صفحة العار الذى بمقتضاه تصالحنا وطبعنا العلاقات مع العدو التاريخى. فى حين خاصمنا وقاطعنا الشقيق الذى يفترض أن يكون حليفًا استراتيجيا.
سندرك الوجه الإيجابى فى الزيارة إذا تذكرنا أن مصر خارجه لتوها فى مرحلة الانبطاح السياسى وأنها لن تستطيع أن تستعيد قوامها لكى تنهض وتقوم بما تمليه عليها مسئولياتها كدولة كبرى فى المنطقة، إلا إذا استقرت أوضاعها الداخلية سياسيا واقتصاديا وأمنيا. وما تفعله الآن أنها تحاول أن تتقدم على تلك الأصعدة. ومن المبكر القول بأن الزيارة أعادت التوازن فى علاقاتها بين الشرق والغرب، أو أن خرائط وتوازنات المنطقة بصدد التغيير بعدها، لأن ذلك يعد من قبيل الأمنيات التى لا تمت بصلة إلى الواقع الراهن.
نريد أن نقول للرئىس أحسنت إذا ما خطا خطوة إيجابية، بغير تزيُّد أو غلو، تماما بقدر حاجتنا لأن نقول له أسأت إذا ما أخطأ التقدير أو الحساب، مهتدين فى ذلك بقول سيدنا أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، الذى قال لقومه يوم تولى الخلافة، «لقد وُلّيت عليكم وليست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى»، ونحن نريد أن نعينه وأن نقومه فى ذات الوقت ولا خير فينا إذا نحن أقدمنا على الأولى وأحجمنا عن الثانية أو العكس.