من أخطر المراحل التي مرت بها مصر، مرحلة التمهيد للانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 على سلطة منتخبة ديمقراطيًا، بحجج كثيرة واهية، لا تمت إلى النظام السياسي بصلة، أو تدوال السلطة بشكل سلمي، بل هي تَدْخل بشكل مباشر في البلطجة السياسية، والانقلاب على إرادة الشعب المصري، وعلى استحقاقاته الانتخابية، وسحق مستقبله الذي سعى لتأسيسه منذ التمهيد لثورة الخامس والعشرين من يناير من العام 2011، إلى أن حقق الشباب بصمودهم في الميادين بخلع رأس النظام في الحادي عشر من فبراير 2011.
ولكن هذا الشباب خُدع بالعديد من الوعود، وصُرف عن ثورته واستكمال أهدافها، ومن ثمّ حدث الخلاف والشقاق فيما بعد، وأدى إلى فراق الفرقاء، الذين كانوا بالأمس على قلب رجل واحد من أجل إزاحة نظام جثم على قلوب المصريين لعشرات السنين.
ومع الأسف استطاع العسكر أن يخدع الجميع بمن فيهم تيار مهم ومتواجد لعشرات السنين في الشارع المصري، واستطاع – أيضًا – أن يجعل هذا التيار المتمثل في الإخوان المسلمين، عدوًا لدودًا للشعب المصري، ولمؤسسات الدولة، وللأمن القومي، كما يدّعون!
ولم يكتف بتهييج الشعب عن طريق تصدير الأزمات المتوالية المصطنعة، بل استخدم الآلة الإعلامية الجهنمية لتشويه هذا التيار، وخداع القوى والتيارات الأخرى، وصناعة نموذج من الشباب الناقم وتطويعه لخدمة أغراض العسكر، متمثلا في حملة “تمرد” التي جابت محافظات القطر المصري، مدعومة من القوات المسلحة، ودولة عدوة للدولة المصرية وهي الإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال تلعب أخطر الأدوار في التاريخ الحديث لتشويه ومحو كل من يبحث عن الحرية والعيش الكريم، والكرامة الإنسانية، وتُقدم خدمات جليلة للعدو الصهيوني لم يكن ليحلم بها، لولا تصهين أولاد زايد، وعدائهم الشخصي لتيار الإسلام السياسي!
أقول: كان هذا تمهيدًا لـخروج قطاع من الشعب المصري في 30 يونيو 2013، شمل مجموعات ناقمة على حكم الإخوان المسلمين، وبعضها تضررت مصالحها، كما خرج قطاع كبير من دولة مبارك أصحاب المصلحة الكبرى في إزاحة حكم الإخوان، وأيدت الكنيسة هذا الخروج ودعمته، وكان لرموز ما يسمى بالتيار المدني الحظوة في صدراة المشهد، وهيّجوا الناس من خلال جبهة الإنقاذ التي سلمت الدولة على طبق من ذهب ليتصدّر السيسي لقمة المشهد، متمثلا في انقلابه على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، في اللقطة الشهيرة في الثالث من يوليو 2013
إذن كانت مظاهرات 30 يونيو تمهيدًا حقيقيًا لبروز السيسي في صدارة المشهد، بعد أن هيأ له التيار المدني كل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة للقفز على السلطة بانقلاب مشؤوم، متصورين أن العسكر سيخلِّي لهم الطريق لاعتلاء السلطة، التي فشلوا في تحقيقها لعشرات السنين أمام تيار الإخوان المسلمين، من العام 1984، في النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية، ومجلسي الشعب والشورى، وهيئات تدريس الجامعات المصرية، حتى في بعض النوادي الرياضية!
شبة دولة السيسي وتجريف الدولة
لقد بدا واضحًا من أفعال السيسي وممارساته وأقواله، أنه خدّاع في تسويق الوعود، والمشاريع الوهمية غير ذات الجدوى موضوعًا أو توقيتًا، وفي مقدمة ذلك مشروع تفريعة قناة السويس الذي أهدر الملايين، وحمّل موازنة الدولة ما لا تطيق، وزاد من لهيب سعر الدولار، من أجل ما سماه السيسي رفع الروح المعنوية للمصريين، حتى أن إيرادات القناة لم تعرف سوى انخفاض حصيلتها منذ افتتاح التفريعة، وكذلك مشروع المليون وحدة سكنية مع شركة أرابتك الإماراتية الذي بات نسيا منسيًا، ومشروع استصلاح مليون ونصف فدان رغم تأكيد خبراء المياه على عدم توافر المياه الجوفية اللازمة لزراعة هذه المساحة، فضلا عن مخاطر وصول مياه النيل لمصر في ظل وثيقة السيادة الأثيوبية التي وقّع عليها السيسي، ومعاناة الأراضي الزراعية من الجفاف في الوقت الحالي.
وكذلك مشروع العاصمة الجديدة الذي تبلغ تكلفة مرحلته الأولى فقط 45 مليار دولار لبلد يعاني من شح في العملة الصعبة، وقد تم الاتفاق مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار على تنفيذ المشروع، ولكن سرعان ما تمّ إلغاء مذكرة التفاهم وأصبح المشروع حبرًا على ورق، ومشروع عربيات السيسي وثلاجاته الذي يعكس سطحية التفكير في حل مشكلة البطالة من خلال 350 سيارة مثلجة يعمل عليها 3 شباب، وبتمويل 70% من القيمة، ومشروع شبكة الطرق الذي كشف غرق البحيرة والإسكندرية بالأمطار سراب تلك الشبكة فضلا عن كون مصر من أكبر دول العالم في ارتفاع حوادث الطرق، ومشروع مثلث التعدين الذهبي الذي بات مصيره كمشروع منجم ذهب السكري الذي يقع في مثلث التعدين وبات الحصول على معلومات عنه ضربًا من الخيال، ومشروع حقل الغاز شروق الذي وصفوه بأنه أكبر كشف غازي يتحقق في مصر وفي مياه البحر المتوسط، في حين أنه تم عقد صفقات مصرية اعتبارا من العام 2019/2020 مع شركاء حقل غاز لوثيان الإسرائيلي لتوريد الغاز لمصر رغم أن حقل الغاز شروق يبدأ الإنتاج فيه في 2017
كما بدا التخدير واضحًا جليًا من خلال الزوبعة الإعلامية التي صاحبت انعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في مارس 2015 وتفاهماته التي تعدت 175 مليار دولار وتحولت كغيرها إلى سراب، وتكرار إعلان السيسي عن مشروع تنمية سيناء، وهو يقتل ويهجِّر أبنائها صباحًا ومساءً، وكذلك إعلانه عن مشروع الإسكان الاجتماعي لتخدير الفقراء، وهو في الوقت نفسه خفّض دعم برنامج الإسكان الاجتماعي في موازنة 2016/2017 بمبلغ 500 مليون جنيه وبنسبة انخفاض 25%، حيث انخفض المبلغ المخصص لذلك إلى 1.5 مليار جنيه مقارنة بمبلغ 2 مليار جنيه في موازنة العام 2015/2016
نتائج إنجازات السيسي الوهمية
الزيادة المفزعة في الدين الداخلي، وزيادة الاقتراض الخارجي، وانخفاض قيمة الجنيه بدرجة كبيرة، وارتفاع نسبة التضخم، وتضاعف أسعار كل ما يباع في مصر، ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والغاز والماء، وزيادة أسعار كل الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية للجمهور، وزيادة أعداد المعتقلين ومسجوني الرأي، وزيادة أعداد السجون، وزيادة أحكام الإعدام بشكل مخيف، والاختفاء القسري لمئات الشباب وتلفيق التهم لهم، وقتل المئات بدم بارد، وتمكين لدولة الفساد والاستبداد، وتسييس القضاء وتطويعه لكي يكون خادمًا له، وتشديد الرقابة على الصحافة والإعلام، وتكميم الأفواه، واعتقال كل من يبدي رأيًا مخالفًا لنظامه، أوعلى الأقل منعه من الظهور، وحجب ما يزيد عن 100 موقع على الإنترنت، والسيطرة الكاملة على منظومة الإعلام المصري، وزيادة الغضب الشعبي بعد التصديق على اتفاقية تيران وصنافير، التي سلّمها بصفقة مخزية للسعودية، وزيادة الهجمات الإرهابية على المسيحيين، وزيادة العمليات الإرهابية في سيناء، وزيادة الانقسام والشقاق المجتمعي الذي لم يسبق له مثيل من قبل، وهيمنة الجيش على مجالات الاقتصاد المختلفة!
واعتمد السيسي في ذلك كله على الحكم الفردي الاستبدادي، والقوّة العسكرية والجيش والدولة البوليسية، وسيطرة الأقلية الفاسدة، وتسييس الدين واستخدامه بصورة مقيتة، وسعيه الحثيث بتمكين الإلحاد في نفوس العديد من الشباب!
كانت هذه بعض ما جاء به السيسي وحققه لشعب مصر الشقيق كما قال!
أظن آن الأوان لمن خرج في 30يونيو، ومن اقتنع وأيّد السيسي، أن يعودوا إلى رشدهم بعد أن خدعهم، ودمّر كل أحلامهم، فالرجوع للحق فضيلة، ولتتكاتف كل القوى الحية، والتيارات السياسية والشعبية في توحيد جهودها لإزاحة هذه الغُمّة التي أتت على الأخضر واليابس في بر مصر قبل فوات الأوان.