في ظل تزايد الاحتجاجات الشعبية التي تعُمّ الضفة الغربية بسبب السياسة الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة والتي أدت إلى ارتفاع ملحوظ بالأسعار ، طالت هذه الموجةمعظم المدن الكبرى في الضفة الغربية مثل رام الله ونابلس والخليل.
الانفجار الشعبي نتيجة عملية اقتصادية قادها رئيس الوزراء في الضفة سلام فياض وتأتي في سياق برنامج بناء الدولة التي كان يحمل مشروعها تحت مسمى دولة المؤسسات ، حيث ثبت بأن هذا المشروع الذي طُبِّق من خلاله قمع المقاومة في الضفة وشهد قمة النهوض للتنسيق الأمني مع الاحتلال ، في الوقت التي تراجعت فيها المصطلحات الوطنية وأصبح المال والراتب هو عنوان المرحلة حتى نصل للدولة .
الدولة التي أعلن عباس أنه سيجدد الطلب الفلسطيني لتقديم عضوية غير دائمة لها في الأمم المتحدة ( عضو مراقب ) حسب ما قال في الخطاب الأخير وبعد أن فشل العام الماضي في الحصول على دولة كاملة العضوية , الطلب الجديد يأتي لتثبيت الحق الفلسطيني على الأرض التي تلتهمها القرارت الصهيونية بالاستيطان في الضفة الغربية والقدس وتحاصر السلطة في مساحة لا تتجاوز أربعين بالمائة من إجمالي مساحة الضفة الغربية وتعيش على المعونات الاقتصادية العربية والغربية والأمريكية ، فكيف ستكون دولة ؟
هذه هي الحالة التي وصلت إليها الأوضاع الفلسطينية ، فهموم المواطن طغت على القضايا الوطنية ، ففي الوقت الذي يتذمر المواطنون في الضفة الغربية من غلاء الأسعار بشكل جنوني يعيش أهل قطاع غزة تذمر انقطاع الكهرباء التي تمس حياتهم اليومية دون حلول كافية ، بالإضافة إلى البطالة المنتشرة في الضفة وغزة والرواتب المتأخرة ، لذلك أصبحت هذه القضايا هي مثار الحديث و النقاش اليومي للعديد من الفلسطينيين وشبابهم المثقف الذي ملأ صفحاته على الفيس بوك بهذه الشعارات والاستنكارات والتذمر .
على جانب الحياة الآخر يعيش الواقع الفلسطيني العديد من القضايا الساخنة والتي انشغل الشارع الفلسطيني عنها ولم تحظى باهتمامه ، ففي السجون الصهيونية يخوض العديد من الأسرى إضراباً عن الطعام وصل بعضهم لأكثر من مائة يوم في غياب واضح للتفاعل معهم سواء كان التفاعل الرسمي أو الجماهيري ، فهؤلاء الأسرى لم يذكرهم عباس في خطابه الأخير وإن كان تحدث عن فئة من المعتقلين القدامى الذي فشل في تحريرهم منذ أن بدأت علمية السلام وهم في الأسر قبل 93 الذي خرج عدد كبير منهم في صفقة شاليط وظل الباقي .
أما الأقصى والقدس الجريحتان فإن الشعور وكأننا نسلم بالواقع الصهيوني الذي لم يتوقف عن التهويد ولا التهجير وسحب الهويات وطرد المقدسيين ومصادرة الأراضي ، شعور نابع من غياب اسمي القدس والأقصى والتفاعل معهما ومع قضيتهما التي تمس كل فلسطيني ومسلم ، تاركي عرب الداخل وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح ليحمل الراية وحيداً والذي لم يكتفِ بذلك بل حمل همّ الثورة السورية والفلسطينيين هناك الذين بلغ عدد قتلاهم منذ انطلاق الثورة 500 فلسطيني ، حيث سيَّر لهم أكبر تظاهرات النصرة وصدح الأقصى لهم بالدعاء ، فهل انتقل أمل الأقصى والقدس إلى الثورة السورية ؟ وهل فقد الأمل بأهلها الفلسطينيين ؟
أعتقد بأن التظاهرات الشعبية في الضفة الغربية يجب أن تتفاعل وتساندها مسيرات في قطاع غزة ليس ضد الغلاء أو ارتفاع الأسعار فقط بل يجب أن تقود الجماهير الفلسطينية ثورة إسقاط اتفاق أوسلو وما لحق به من اتفاقيات أمنية أو اقتصادية ، والخروج من حصر التفكير في الوضع المعيشي ، فهذا الشعب هو من قاد الانتفاضتين الأولى في 1987 م وأفشلها اتفاق أوسلو ، وانتفاضة الأقصى في 2000 م وحققت تحرير قطاع غزة ولكن أفشلها مشروع السلام الجديد بعد رحيل ياسر عرفات وتولي محمود عباس الرئاسة ، هذا الشعب قادر على إشعال ثورة تسقط كل هذا المشروع الذي سبب تراجع القضايا الوطنية والعيش تحت سقف التبعية المالية .
لقد خرجت الثورة العربية لتسقط الظلم الواقع عليها من قبل الحكام نتيجة السياسة الاقتصادية والمعيشية الصعبة والقمع ، وهذه حالة نعيشها في فلسطين من ممارسات الاحتلال ، لذلك علينا أن نتعلم من الآخرين الخروج وبكل بسالة كما تعلموا منا الصمود ، وهي فرض للتمرد على اتفاق السلام المهين والذي كان البعض يبرره بالوضع العربي ، أما الآن فالأمر مختلف في المحيط العربي ، وهي الفرصة أن تنتفض الجماهير بوجه الاحتلال الذي رفض أن يقدم أي تنازل للسلطة رغم كل ما قدم لها من أمن ، فلماذا لا نقلق إسرائيل من الداخل حتى نحقق ما نصبوا إليه ؟