نشرت صحيفة «ناشيونال إنترست»، المعنية بالأمن القومي الأميركي، مقالًا سلّطت فيه الضوء على استراتيجيات الجيش الأميركي المشابهة لنظيرتها المتسببة في هزيمة الجيش البريطاني في معركة «دنكيرك» في الحرب العالمية الثانية، موضحة أنه لا بد من اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمصير الجيش المنتشر عبر أنحاء العالم.
بدأت الصحيفة مقالها بالقول إنّ على ترامب فهم أنّ المجتمع الأميركي أعلى من الأفكار التي يشكّلها عن قوة الجيش الأميركي، موضحة أن استعادة القوة العسكرية الأميركية مرهونة بفهمه لهذه الحقيقة؛ فالأمر يحتاج أكثر من مجرد التعبير عن الثقة في الجيش، موضحة أنه عليه اتخاذ اختيارات استراتيجية كبيرة وهامة في أسرع وقت.
وقالت الصحيفة إنّ فيلم كريستوفر نولان الجديد «دنكيرك»، الذي تصور أحداثه انسحاب دنكيرك أثناء الحرب العالمية الثانية ويتمحور في الأمل والشجاعة؛ لكنه يسلط الضوء أيضًا على الاستراتيجيات والاختيارات الصعبة التي كان على البريطانيين أن يتخذوها.
وأضافت أنه في الأشهر التي سبقت هزيمة بريطانيا الكارثية في مايو 1940 شُحن الجمهور البريطاني بتقارير صحفية وعسكرية تتباهى بالقوة التي لا تُقهر للجيش البريطاني، لكن بعد 16 يومًا من بدء الهجوم الألماني بدأ أكثر من 350 ألف جندي بريطاني وفرنسي التخلي عن معداتهم في انتظار إجلائهم إلى إنجلترا، وانتشرت الأكذوبة أن هزيمة قوات المشاة البريطانية كانت بسبب التفوق العددي للقوات الألمانية.
لكن الانتصار الألماني تحقق بسبب الاختراق السريع والعميق لعشر فرق مدرعات و150 ألف جندي مشاة يشكّلون أكثر من 8% من الجيش الألماني. بالإضافة إلى ذلك، كان الجندي الألماني في معارك مستمرة حتى أصبحت روتينية له مع خصومه البريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين والهولنديين.
مكمن الخلل
بين عامي 1920 و1938، لم تتمكن الحكومة البريطانية وقادتها العسكريون من الاتفاق على الهدف الاستراتيجي للجيش البريطاني؛ إذ كان مستقبل النصر البريطاني ضد التهديد الوجودي من ألمانيا والاتحاد السوفيتي دائمًا مرهونًا بدفاع بريطانيا عن مستعمراتها في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، وحتى عام 1938 لم يكن أحد في لندن مستعدًا لاتخاذ هذا الاختيار.
أضافت الصحيفة أنّ الأسوأ من ذلك أنه لم يكن من بين قيادات الجيش الميدانيين من هو مستعد لمواجهة القيادات المحافظة في الجيش، وكانت كلمات رئيس الوزراء «نيفيل تشامبرلين» تحمل في طياتها أنهم يستخدمون أساليب عفا عليها الزمن.
كما لفتت الصحيفة أيضًا إلى مقولة الجنرال جورت، القائد العام لقوات المشاة البريطانية، في يناير 1940 عندما أُخبر أنّ الألمان لديهم عشر فرق مدرعة مستعدة للهجوم من ناحية الغرب: «في هذه الحالة لا توجد لدينا فرصة».
وكانت القوات البريطانية المتاحة مكونة من فرقة واحدة من سلاح الفرسان وفرقة مدرعة، وعندما هجم الألمان كان الاختيار أمامهم إما الانسحاب أو الانسحاق تحت أقدامهم، موضحة أن دفاع بريطانيا حينها عن وجودها ضد ألمانيا والاتحاد السوفيتي كان يتطلب استراتيجية عسكرية متماسكة تتضمن استعدادت برية، مضيفة: «كان سيحدث فرق».
لكن الأمر لم يتضح للقادة البريطانيين حتى غزت الجيوش الأمانية والسوفيتية بولندا، فات الآوان على إدارك غلطتها بنشر معظم قواتها عبر مستعمراتها.
وعن الجيش الأميركي، أكّدت الصحيفة أنه يمر بتجربة مشابهة لتجربة الجيش البريطاني؛ فتحديث الجيش الأميركي الآن مقيد بنشر من مائتي ألف إلى أربعمائة ألف جندي في أربعين بلدًا في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وصفتها الصحيفة بالقوة المفرطة والمرتدة؛ وهو ما يعيد -بحسب الصحيفة- الأذهان لفترة الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، حينما كانت تنتشر المقاتلات والدبابات والمدافع في ربوع العالم.
وقالت إنّه منذ عشرين عامًا، وقبل عشر سنوات على دخول مدفع «رايلجان» أو المدفع الكهرومغناطيسي لساحات القتال، كان قادة الجيش يصرون على أن تكتيكات الجيش لا يمكن أن تتغير، حتى وصل هذا المدفع الذي أتاح فرصة تغييرها؛ لكن الحيلة القديمة نفسها انطلت عليهم، وأصروا على تكتيك الانتشار، مؤكدة أنهم مخطئون؛ فـ«التكنولوجيا الحديثة هي التي تنتصر».
موضحة أنه من أجل تغيير أفضل داخل الجيش الأميركي يتعين على ترامب أن يفعل ما لم يفعله البريطانيون. وأن يقرر ما هو أهم: نشر القوات الأميركية عبر أنحاء العالم أم الاهتمام بإصلاح الجيش الأمريكي وتحديثه؟
وختمت الصحيفة مقالها بأن القوات الجوية البريطانية والبحرية لم تستطع إنقاذ القوات البرية، مؤكدة أنّ الأمر نفسه سينطبق على القوات الأميركية؛ فالجيش الأميركي لن يستطيع القيام بكل شيء، لافتة إلى أنه يجب التحضير والتحديث لمستقبل مختلف، ومضيفة: «الآن وقت الاختيارات الاستراتيجية أمام ترامب».