على الرغم من أنّ الولايات المتحدة ركّزت جهودها على هزيمة تنظيم الدولة وأوشك على الانحدار، فالسؤال المطروح: هل سيعود تنظيم القاعدة إلى ما كان عليه من قبل؛ خاصة أنه يحاول في خطوات هادئة العودة من جديد؟ وهل سينجح؟
وسلطت «فورين أفيرز» في تحليل لها الضوء على العوامل التي من الممكن أن تساهم في عودة «القاعدة» بقوة، بل وأكثر تنظيمًا عما كانت عليه من قبل.
وقالت إنّ الآراء بشأن عودته انقسمت إلى فريقين؛ فهناك من يرى أنه في تراجع بسبب الدعم الشعبي المحدود والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من الولايات المتحدة ودول أخرى، إضافة إلى قتل القاعدة للمدنيين المسلمين، وهو ما يتفق معه «دانييل بيمان» من جامعة جورج تاون.
لكن البعض الآخر، مثل وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق «علي صوفان»، لا يوافق دانييل في رأيه؛ فهو يرى أنّ القاعدة ينتقل من جماعة إرهابية صغيرة بفروع متضاربة إلى شبكة وطنية قوية وفروع اكتسبت أعدادًا وقوة قتالية تمتد عبر الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، ويتفق معه «دافيد جارتنستين روس» من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ويرى أن التنظيم يتبع الآن استراتيجية متعمدة، ولكن بخطوات بطيئة.
لكنّ تنبؤات من ذلك تفشل في تحديد أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على مسارها، وتضيف الصحيفة أنّ قوة القاعدة في الماضي تسير بخطى ثابتة -حتى لو بطيئة- إلى الأمام، لكنها كانت تتضاءل بناء على عوامل مثل انهيار الحكومات في دول مثل العراق وسوريا واليمن؛ وبالتالي فالمهمة الأولى في تحليل مستقبل القاعدة «منهجية»، تتطلب تحديد العوامل التي يمكن أن تؤثّر على مسارها المستقبلي.
وأضافت أنّ معظم النقاش بشأن مستقبل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة يفتقر إلى هذا النهج التحليلي، وقفز صناع السياسات والأكاديميون بسرعة إلى استنتاجات عما إذا كان تنظيم القاعدة سيعزز أو يضعف، بينما هو في معظمه تخمين.
وفي هذا الصدد، بحسب «فورين أفيرز»، من المرجّح أن يتوقف إحياء «القاعدة» على قدرته على الاستفادة من الفرص المستقبلية؛ مثل انسحاب القوات الأميركية أو غيرها من قوات مكافحة الإرهاب الغربية من ساحات القتال الرئيسة مثل أفغانستان والعراق وسوريا، أو بسبب مزيد من التوترات في الشرق الأوسط، إضافة إلى السياسات أو الإجراءات الأميركية أو الأوروبية التي تغذي صعود تنظيم جهادي آخر؛ وهي أمور من غير المرجح حدوثها الآن.
القاعدة.. المد والجزر
وتناولت الصحيفة أربع موجات مرّ بها «القاعدة»، بعد إنشائه عام 1988 على يد أسامة بن لادن وقادة آخرين، وكان هدفها مكافحة القوات السوفيتية في أفغانستان. لكن، بعد عشر سنوات، تحديدًا في 7 أغسطس 1998، قاد «القاعدة» هجمات متزامنة ضد السفارات الأميركية في نيروبي بكينيا ودار السلام في تنزانيا، ثم قصف طائرة «يو إس إس كول» في 12 أكتوبر 2000 وهي تتزود بالوقود في اليمن، وأسفر الهجوم عن مقتل 17 جنديًا أميركيًا وإصابة 39 آخرين، وبلغت الموجة الأولى من هجماته ذروتها عام 2001 مع 11 سبتمبر، وعلى مدار العامين التاليين دخلت الولايات المتحدة في مواجهات مع التنظيم؛ فألقت القبض على حلفاء له ونشطاء في أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، وقتلت بعضهم.
بدأت موجة ثانية في عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق؛ إذ بدأ «أبو مصعب الزرقاوي» وجماعته «التوحيد والجهاد» حملة تمرد عدوانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ثم انضم «الزرقاوي» إلى تنظيم القاعدة في عام 2004، وقاد التنظيم هجمات خارج العراق في بلدان مثل إندونيسيا والمغرب والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وفي مارس 2004، فجّر أشخاص من شمال إفريقيا مستوحون من أيديولوجية تنظيم القاعدة نظام قطارات الركاب في مدريد بإسبانيا؛ ما أسفر عن مقتل ما يقرب من مائتي شخص وإصابة نحو مائتي آخرين. وفي يوليو 2005، استهدفت هجمات مسلحة ثلاثة قطارات في مترو الأنفاق في لندن وحافلة ذات طابقين، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 50 شخصًا وإصابة 700 آخرين، بيد أنه بحلول عام 2006 أصبح تنظيم القاعدة في العراق ضعيفًا للغاية، وحبطت وكالات المخابرات البريطانية والأميركية قطعًا أرضية، وقتلت الطائرات الأميركية من دون طيار كبار أعضاء القاعدة في باكستان.
وارتفع تنظيم القاعدة للمرة الثالثة بين عامي 2007 و2009 بعد ظهور أنور العولقي، وهو أميركي يمني، كان يعمل إمام مسجد في ولاية كاليفورنيا وفرجينيا، وأصبح التنظيم فاعلًا في اليمن. وفي 5 نوفمبر 2009 قتل نضال حسن، وهو رائد في الجيش الأميركي كان على اتصال مع أولاكي، مع 13 شخصًا وأصيب 43 آخرين في فورت هود بولاية تكساس.
وفي الشهر التالي، حاول عمر فاروق عبدالمطلب تفجير طائرة تابعة لنورث ويست إيربورت 253 التي كانت تطير من أمستردام إلى ديترويت، اشتعلت القنبلة لكنها لم تنفجر، وفي العام نفسه، قُبض على نجيب الله زازي، وهو مواطن أميركي من نيويورك؛ لتآمره لتفجير مترو أنفاق المدينة بعد اجتماعه مع كبار قادة القاعدة في باكستان.
وقالت الصحيفة إنه بمقتل أسامة بن لادن في 2011 وآخرين من كبار قادة «القاعدة» بدأت موجة الظهور تنحصر.
وبعد «الربيع العربي» وتقليص القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، أو انسحابها؛ بدأت الموجة الرابعة لتنظيم القاعدة، لكن في بلدان مثل أفغانستان والصومال وسوريا واليمن؛ إلا أنّ المجموعة ضعفت في عام 2014 بعد صعود تنظيم الدولة، الذي كان سابقًا تنظيم القاعدة في العراق.
المجموعات التابعة للقاعدة
بحسب «فورين أفيرز»، أصبح «القاعدة» شبكة فضفاضة متداخلة وفي مناطق متعددة، قائدها أيمن الظواهري، يليه عبدالرحمن المغربي ثم أبو محسن المصري. لكن، يبدو أنهم صوريون فقط وتأثيرهم محدود على فروعه التنظيم الخمسة الأخرى؛ التي انبثقت منها «جبهة النصرة» في سوريا و«القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن و«القاعدة في شبه القارة الهندية» في جنوب آسيا و«حركة الشباب» في الصومال و«القاعدة في المغرب الإسلامي» في شمال إفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، تحتفظ المجموعة بعلاقة نشطة مع مجموعات في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا؛ مثل «أحرار الشام» في سوريا وشبكتي «طالبان» و«حقاني» في أفغانستان، «حركة طالبان» الباكستانية، جماعة «نصرة الإسلام» في المغرب وغرب إفريقيا.
ومن بين أكثر فروع تنظيم القاعدة نشاطًا في أفغانستان وسوريا واليمن «جبهة النصرة» في سوريا، وتعتبر عضوًا مهمًا معارضًا للنظام السوري، وتعاونت مع أفراد من «أحرار الشام» وغيرها من الجماعات لتشكيل تحرير الشام في يناير 2017؛ لكنها لا تزال تعمل بشكل فعال قاعدةً لتنظيم القاعدة في سوريا وتضم عشرة الآف مقاتل.
وفي اليمن، حاول تنظيم القاعدة توسيع موطئ قدمه في محافظات أبين ومريب وشبوة، مع ما يزيد على أربعة آلاف مقاتل، ووضع زعيم المجموعة قاسم الريمي في أبريل 2007 استراتيجية لبناء علاقات واسعة وعميقة مع الجماعات والقبائل السنية في اليمن؛ فقاتلوا مع السلفيين ومع الإخوان المسلمين ومع المواطنين العاديين. وقال قاسم: «نشارك مع المسلمين في كل معركة».
وفي سبتمبر 2014، أعلن الظواهري إنشاء شبكة جديدة تابعة للقاعدة في شبه القارة الهندية، تشرف على الأنشطة في أفغانستان وبنغلاديش والهند وباكستان، بقيادة عاصم عمر، وهو عضو سابق في حركة الجهاد الإسلامي، وهي جماعة مقرها باكستان ولديها فروع في شبه القارة الهندية، ويرافقه عمر أبو زهر، أول نائب له، ويشرف على مائتي مقاتل.
وعلى الرغم من استمرار القاعدة، أطلق أيضًا هجمات قليلة ناجحة في الغرب على مدى السنوات الماضية، لكنه -خلافًا لتنظيم الدولة- فشل في إطلاق هجمات عديدة في الخارج، ومرّ عقد كامل على آخر هجماته في الولايات المتحدة؛ إذ حاول نجيب الله زازى واثنان من شركائه قيادة هجمات على مترو أنفاق مدينة نيويورك، بيد أن أجهزة الاستخبارات ووكالات تطبيق القانون الأميركية والبريطانية أحبطتها.
لكنّ شريف كواتشي، الذي تدرب مع تنظيم القاعدة في اليمن، كان ضالعًا في الهجوم الذي وقع في يناير 2015 على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية؛ وأسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 11 آخرين. لكن هجوم شارلي إيبدو كان أبعد من ذلك؛ لأن معظم الهجمات المسلحة لتنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة كانت موجهة نحو أهداف في بلدان قريبة مثل كينيا والصومال وسوريا واليمن.
عوامل العودة
تقول «فورين أفيرز» إنه من غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة قادرًا على قيادة موجة خامسة؛ لأن قادتهم يسعون الآن إلى إقامة خلافة تمتد من إفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى آسيا، وقد تؤثر عوامل على ارتفاع تنظيم القاعدة أو تراجعه في السنوات القليلة القادمة، معظم هذه العوامل خارجة عن سيطرته.
أوّل هذه العوامل، بحسب الصحيفة: انسحاب القوات العسكرية الأميركية والغربية من ساحات القتال؛ مثل انسحابها من أفغانستان والعراق والصومال وسوريا، خاصة أنّ إدارة ترامب شككت في إمكانية التزام الولايات المتحدة بوجودهم الطويل الأمد في سوريا وأفغانستان؛ فوجود هذه القوات بمثابة حائط صد لهم ولتنظيمات أخرى، لافتة إلى أن خروج الولايات المتحدة والسوفييت من أفغانستان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي ساهم في زيادة تدهور البلاد وصعود طالبان وتنظيم القاعدة.
كما ساهم انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 في عودة تنظيم القاعدة، وصعود تنظيم الدولة، وانتشار فكرهما في جميع أنحاء المنطقة.
والعامل الثاني: قد يسمح انهيار حكومات دول عربية بعودة تنظيم القاعدة، وقد يؤدي أيضًا الاضطراب في بلدان مثل مصر والأردن والسعودية واليمن وتونس واستمرار الحروب في أفغانستان أو العراق أو ليبيا أو الصومال أو سوريا إلى تزويد القاعدة أو الجماعات بمأوى رئيس.
وثالث العوامل: قمع الحكومات الغربية للإسلاميين، وهو ما يعطي فرصة دعائية لتنظيم القاعدة؛ مثل قصة إهانة السجناء العراقيين من الجنود الأميركيين في سجن أبو غريب عام 2004. فحوادث مثل هذه بمثابة فرصة لتنظيم القاعدة للظهور مجددًا. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لمبالغة الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية في رد فعلها على الهجمات المسلحة التي يتعرضون إليها أن تساهم في عودتهم مجددًا، وهي أفعال من شأنها أن تخلق تصورًا لما يسمى «الحرب ضد الإسلام»؛ بالتالي مقاومة محاربيه.
العامل الرابع: هو وجود قائد ملهم للجماعة، مثلما كان أسامة بن لادن قائدًا ملهمًا. وبالرغم من أن الصحيفة ترى الظواهري أقل كاريزمية وإلهاما منه، فإن ذلك قد يتغير، ففي عام 2016 بدأ قادة القاعدة في الترويج لحمزة بن أسامة بن لادن، ووصفته الجماعة في 2017 بأنه «شيخ»؛ ما يلفت إلى أنه قد يفكر في القيادة، بالرغم من غموض شخصيته، وإن كان ذا كاريزما بما فيه الكفاية أو أن قيادته يمكن أن تساعد على زيادة الدعم العالمي للحركة.
العامل الخامس: من شأن الانتشار الواسع النطاق للقوات العسكرية الأميركية أو غيرها من القوات التقليدية الغربية في ساحات قتال الإسلاميين أن يزيد من احتمال عودة القاعدة أو غيره من التنظيمات.
وقالت الصحيفة إنّ الولايات المتحدة فشلت في محاربة الإرهابيين خارج أراضيها بشكل عام، وكثيرًا ما كانت هذه الحروب تعود عليها بنتائج عكسية؛ ففي العراق -على سبيل المثال- ساهم الوجود التقليدي للولايات المتحدة في الهحوم عليها وسهولة تجنيد المقاتلين في الحركات المعارضة باسم الدفاع عن الإسلام.
العامل السادس: انهيار تنظيم الدولة، خاصة جوهر ما يسمى الخلافة في العراق وسوريا؛ وهو من شأنه أن يزيد من إمكانية الدمج بين المقاتلين الموالين للقاعدة وتنظيم الدولة تحت مظلة واحدة، أو حتى إلى ظهور جماعة سلفية جهادية جديدة.
أيديولوجية مرنة
ختمت الصحيفة تحليلها بأن القاعدة اليوم منظمة مختلفة عما كانت عليه من قبل، فالتنظيم أقلّ مركزية وهجماته على الغرب قلّت لدرجة ملحوظة وأصبح أقل شعبية.
وبناء على هذه التحديات، من غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة أو الجهاديون السلفيون الآخرون قادرين على العودة من جديد، وحتى لو كانت هناك عودة؛ يمكن أن يقودها تنظيم القاعدة، أو تنظيم الدولة، أو تنظيم جديد، أو مزيج من الجماعات السلفية الجهادية.
يتوقف هذا على مدى قدرتهم على الاستفادة من الفرص التي تساهم في عودتهم بشكل أقوى. لكن، على الرغم من ذلك؛ ستبقى أيديولوجيتهم على قيد الحياة.