وسط تعتيم إعلامي متعمد، تتصاعد الاشتباكات بين القوات السعودية الخاصة ومسلحين سعوديين يتحصّنون داخل حي المسورة في العوامية بالمنطقة الشرقية، وتتساقط القتلى بين الطرفين بالإضافة إلى مقتل عدد كبير من المدنيين العالقين وسط الاشتباكات.
وتحرص السلطات السعودية على منع دخول الصحافيين ما يؤدي إلى تعتيم إعلامي متعمد حول حقيقة ما يحصل هناك، ووصل الأمر إلى حالة احتكار من قبل السلطات في بثّ الخبر، مقابل معسكر إعلامي مقرب من إيران يصوّر الأحداث في المنطقة الشرقية على شاكلة استهداف طائفي تمارسه الرياض بحق مكوّن أساسي من الشعب السعودي.
وتحاول قوات الأمن السعودي منذ ثلاثة أشهر طرد المسلحين الذين كانوا وراء العديد من الهجمات ضد الشرطة على مدى سنوات في البلدة الصغيرة والتي كانت مركزا لاحتجاجات الأقلية ضد الحكومة، وفقا للشرطة السعودية.
وتحيط بالعوامية، وهي بلدة عمرها 400 عام في محافظة القطيف الشرقية التي يقطنها نحو 30 ألف شخص، حواجز وضعتها أجهزة الأمن منذ أحداث 10 مايو، التي حاولت فيها الحكومة إجراء هدم وتحديثات، ورفض السكان ذلك.
هدم للمنازل
واتخذت السلطات السعودية قراراً بهدم منطقة المسورة بالكامل وإجلاء جميع سكانها إلى مناطق أخرى بعد تعويضهم عن قيمة بيوتهم، وذلك بسبب استغلال المتظاهرين والمسلحين أزقتها الضيقة في الاختباء ومهاجمة القوات السعودية المتمركزة في المنطقة خلالها. لكن السلطات المسؤولة تعلن أن قرار عملية الهدم جاء لأهداف تطوير المنطقة وتحويلها إلى مركز خدماتي واستثماري.
وكانت «مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» قد أصدرت بياناً ذكرت فيه أن ما تقوم به السلطات السعودية في منطقة العوامية يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، مطالبةً إياها بوقف أعمال الهدم الفورية في حي المسورة الذي يمتد عمره إلى أكثر من 400 عام.
هنا
لسيت سوريا ! ولا العراق ! ولا اليمن ! ولا فلسطين !!!بل بيوت الشيعة في العوامية بالسعودية 😔😢😢😢 pic.twitter.com/6KiSaDKs07
— ⛧ummariam ⛥ (@sheroofnajjar) August 1, 2017
حصار استثنائي
وكشفت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، الأحد الماضي، عن جزء من خفايا ما يدور في مدينة العوامية السعودية، مشيرةً من خلال شهادات لمقاتلين وناشطين، إلى أن المدينة تخضع لحصار استثنائي، وتتعرض لهجوم شامل من حوالي ثلاثة أشهر.
ويقول السكان المحليون إن ما لا يقل عن 25 شخصاً قد قتلوا في القصف وبنيران القناصة، وتبدو الصور من الشوارع التي تغطيها الأنقاض، وكأنها مأخوذة من سورية، وليس من مدينة في دولة نفطية غنية.
وحسب الصحيفة، فإن من الصعب التحقق من المعلومات عن العوامية، إذ لا يسمح لوسائل الإعلام الأجنبية الاقتراب من المنطقة دون مرافقة حكومية، وهذا يعني أن العالم يعتمد على وسائل الإعلام الحكومية السعودية، وبعض وسائل الإعلام المحلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل معرفة ما يحدث. ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من الصور المنشورة للأضرار التي لحقت بالمدينة، أو للمنازل والمحلات التجارية المدمرة.
والعوامية هي مدينة الشيخ نمر النمر، رجل الدين المؤثر الذي أعدم بتهمة الإرهاب العام الماضي. وأدت وفاته إلى مظاهرات في جميع أنحاء العالم.
وفي يوم الجمعة الماضي، أصدرت السلطات السعودية مرة أخرى إخطارات بالإخلاء لسكان العوامية، وأمرتهم بالمغادرة من خلال طريقين ورفع أقمشة بيضاء.
وتواصل عشر جرافات العمل بحماس لهدم مزيد من المباني وجمع الأنقاض التي خلفتها الاشتباكات وظل الجنود الذين يقودونها يرتدون الخوذات والسترات الواقية.
ومع أن مئات السكان غادروا، لم توفر لهم أماكن ملائمة للعيش في المدن المجاورة، التي تم استيعابهم فيها.
وفي شهر مايو، دانت الأمم المتحدة خطط إعادة التطوير، متهمة السلطات بمحاولة طرد السكان من العوامية قسرا من دون تقديم خيارات كافية لإعادة استيعابهم، في عملية تهدد «التراث التاريخي والثقافي للمدينة».
عمليات شرسة
ويرى الناشط السعودي، طه الحاجي، في تغريدة على موقع «تويتر» ، إن العمليات الجارية في المنطقة قد وصلت لأعلى درجات الشراسة مع استخدام القوات الخاصة سلاح المدفعية الذي سبّب هلعاً لدى المدنيين.
ويضيف أنه مع كل هذه القوة العسكرية فإن القوات لم تقتل سوى ستة مسلحين فقط، مع اضطرار الآلاف للخروج، من دون توفير السلطات سكناً لائقاً لهم، إذ اضطر بعضهم للمبيت على الكورنيش (الساحل البحري)، بحسب قوله.
وذكرت عدة تقارير أن سيارات الإسعاف واجهت صعوبة فى الوصول إلى البلدة بعد احتجازها في نقاط التفتيش، ما ساهم بتعزيز الظروف الصعبة. وأفاد نشطاء أن السكان خائفون جدا من أن تُرمى الجثث في الشوارع لأيام.
اعترافات تحت التعذيب
وأصدرت المحاكم السعودية حكماً بالإعدام تجاه 14 مواطناً من الطائفة الشيعية، قالت إنهم تورّطوا في عمليات وصفت بالإرهابية. لكن «منظمة العفو الدولية» أعلنت في بيان لها، أن قرار المحكمة العليا في السعودية بتأييد أحكام الإعدام الصادرة ضد 14 رجلاً إثر محاكمة جماعية هو أمر يعيد إلى الأذهان، بشكل مقلق، حملة القمع الضارية التي تشنّها السلطات على المعارضة في البلاد، وفق بيان المنظمة.
ويواجه هؤلاء الأشخاص الذين أُدينوا بتهم تتعلق بالتظاهر، خطر الإعدام الوشيك في الوقت الراهن، وأضافت المنظمة أن الاعترافات قد انتُزعت من المتهمين تحت التعذيب وأن السلطات السعودية أعدمت منذ بداية هذا العام ما لا يقل عن 66 شخصاً. وتقول الحكومة السعودية إن المتظاهرين في القطيف هم مجموعات مسلحة يتم دعمها بشكل مباشر من قبل إيران و«حزب الله» اللبناني، وإن الهدف الحقيقي من هذه التظاهرات هو محاولة الانفصال عن البلاد وخلق كيان موالٍ لإيران، فيما يؤكّد المتظاهرون أنهم خرجوا لهدف مساواتهم ببقية سكان البلاد.
ويقول أحد المقاتلين المشاركين في الاشتباكات هناك، في مقابلة هاتفية مع الصحيفة البريطانية: «كنت متظاهراً سلمياً، كان معظمنا في العوامية، حتى قررت الحكومة إدراجنا كإرهابيين مطلوبين. كل ما قمنا به هو الإبقاء على دعوات للإصلاح» . وأضاف: «لأننا لم نخَف من النظام، استهدفوا المدينة كلها» .
وتدّعي السلطات السعودية أن المتظاهرين المسلحين في العوامية إرهابيون يريدون زعزعة استقرار البلاد جميعها، ويجب أن يتوقفوا عن استخدام المباني المهجورة في المدينة والشوارع الضيقة كمخابئ.