بعد أن انطفأت آخر شعلة في نيران الحرب العالمية الأولى، أعيد ترسيم حدود الشرق الأوسط وولدت دول جديدة، وأدت توابع الحرب إلى صراعات في المنطقة جعلتها واحدة من الأكثر تقلبًا في العالم. هذا ما حاول موقع «دود لايف» الوقوف عليه.
قالت الصحيفة إنّ البريطانيون والفرنسيون والروس خاضوا مناورات في مواقفهم تجاه الإمبراطورية العثمانية، التي تتقلص منذ عقود، قبل الحرب العالمية الأولى. لكن، مع اندلاع الحرب، أثار التصاعد المتزايد لألمانيا في المنطقة قلق جميع الأطراف.
ولأنّ بريطانيا رغبت في حماية مصالحها في المنطقة، خصوصًا النفط واستخدام معبر قناة السويس، أرسلت قوات إلى البحرين. وفي 5 نوفمبر 1914، أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على الإمبراطورية العثمانية، التي انتقلت في نهاية المطاف إلى الشرق.
قبل الحرب، كانت هناك ثلاث ركائز أساسية رسمت كيان الشرق الأوسط؛ وهي: الإمبراطورية العثمانية، بلاد فارس، شبة الجزيرة العربية.
ففي الحرب العالمية الأولى، شملت الإمبراطورية العثمانية المناطق المحيطة بتركيا وبلاد الرافدين وسوريا وفلسطين، وامتدت لتشمل أرمينيا، ولم تُنشأ «إسرائيل» بعد!
ثم قُسّمت فارس «إيران الحديثة» إلى ثلاث مناطق نفوذ قبل الحرب: «واحدة تسيطر عليها روسيا، وثانية تسيطر عليها بريطانيا، وأخرى منطقة محايدة». وفي الحرب، أصبحت ساحة معركة للقوات الروسية والتركية والبريطانية.
شملت الجزيرة العربية معظم «المملكة العربية السعودية والكويت وعمان واليمن والإمارات»، وخاضت لقرن من الزمان قبل بدء الحرب العالمية الأولى صراعات متفرقة مع الإمبراطورية العثمانية، التي سعت إلى السيطرة على أجزاء منها؛ لكن المنطقة كانت مستقرة نسبيًا قبل بدء الحرب.
ماذا تغير؟
في الحرب، طلب الثوار العرب الذين يريدون التحرر من الإمبراطورية العثمانية المساعدة من البريطانيين، الذين أيدوا طلبهم بمساعدة فرنسا؛ وعندما انتهت الحرب وقّعت معاهدة «فرساي» التي قسّمت دول الإمبراطورية العثمانية إلى أجزاء أغضبت الذين يعيشون هناك.
وكانت تركيا جمهورية مستقلة في تلك المرحلة ودولة الخلافة العثمانية، ولا تزال أكبر دولة وأقواها في المنطقة.
أنشئ لبنان دولة منفصلة عن سوريا، بعدما كان جزءًا من أراضيها لسنوات، ووضع تحت الحكم الفرنسي، وبقي على هذا النحو حتى بعد الحرب العالمية الثانية.
أما بلاد ما بين النهرين «العراق» فكان عبارة عن ثلاث محافظات تركية: «الموصل في الشمال (المعروفة باسم كردستان) والبصرة في الجنوب وبغداد في الوسط»؛ وبعد الحرب اتحدوا دولة واحدة تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
ووضعت فلسطين تحت السيطرة البريطانية وقُسّمت إلى بلدين، وأصبح الجزء الغربي منها الضفة الغربية؛ وسميت بذلك لوقوعها في غرب نهر الأردن.
بينما حصلت جورجيا وأرمينيا على اعتراف دولي، أما بلاد فارس فسيطرت عليها القوة البريطانية.
وفي عام 1932 دُمجت دول عربية «السعودية واليمن وعمان ومسقط والإمارات».
الخلاف التالي
العراق:
قالت الصحيفة إن وقوع «العراق» تحت الحكم البريطاني بعد الحرب أفضى إلى ثلاث نتائج أدت إلى صراع في المنطقة لا يزال حتى اليوم:
الأول: لم يفهم القادة البريطانيون القضايا السياسية أو الاجتماعية للعراق، وأخفقوا في تقدير شعبية الحركة القومية العربية «التي كانت معارضة للحكم البريطاني».
الثاني: حكم المحافظات العراقية قبائل وشيوخ لهم هويات عرقية وثقافية ودينية خاصة بهم، لم يُجمعوا تحت حكومة مركزية؛ لذلك اندلعت الخلافات منذ البداية، ثم الثورة العراقية عام 1920 ضد الحكم البريطاني.
ثم بدأ العامل الثالث: وهو عقد مؤتمر القاهرة العام 1921 لتأسيس سياسة بريطانية موحدة في الشرق الأوسط.
مؤتمر القاهرة العام 1921
أسفر عن انخفاض في مستويات القوات البريطانية في الشرق الأوسط، ولم يتبق سوى عدد قليل من العاملين في القطاع المدني والإشراف الحكومي، كما ألغى البريطانيون وعدهم بإنشاء كردستان مستقلة في شمال العراق، وحتى يومنا هذا يواصل الأكراد في تركيا وأماكن أخرى الدفاع عن رغبتهم في أن يصبحوا منطقة تتمتع بالحكم الذاتي.
فيما أدى المؤتمر إلى النقطة الرئيسة التالية:
1- تعيين فيصل ملكا:
في المؤتمر، ثُبّت «فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي» ملكًا للعراق؛ لدوره في نجاح الثورة العربية ضد العثمانيين. لكنه رفض السيطرة البريطانية على العراق وأراد أن يشكّل هوية وطنية خاصة بها بالرغم من الطوائف المتعددة الموجودة، ومنذ ذلك الحين يسيطر معظم العرب السنة سياسيًا على الأراضي التي يسكنها الأكراد والشيعة؛ وأدى ذلك إلى مواجهات عنيفة.
2- فلسطين والأردن:
كان من أثر مؤتمر القاهرة أيضًا عميقًا على فلسطين والأردن. وحاول شقيق فيصل «عبدالله» استعادة الاستقلال في سوريا عن الفرنسيين، لكن البريطانيين لم يرغبوا في صراع مع فرنسا؛ لذلك هُدّد «فيصل» بأنه لن يكون ملكًا للعراق إذا هاجم «عبدالله»، ولتهدئة عبدالله جعلوه ملكًا على شرق الأردن، التي أوجدها البريطانيون خصيصًا له، وأرسى هذا الانقسام للصراع العربي الإسرائيلي؛ لأنها قسمت الأرض التي سيعتبرها اليهود وطنهم فيما بعد.
3- بلاد فارس
اندلعت كثير من الأحداث في المنطقة في القرن العشرين، وبعضها يتمثل في الآتي:
من شأن معاهدة الأنجلو-إيرانية عام 1919، الموضوعة بعد الحرب العالمية الأولى، أن تمنح بلاد فارس المال والمستشارين البريطانيين مقابل الحصول على النفط؛ غير أن البرلمان الإيراني رفض ذلك في عام 1921.
عزل البرلمان الملك «أحمد قاجار» من السلطة عام 1925 بعد أن أضعف موقفه انقلاب عسكري في عام 1921، وعُين «رضا بهلوي» الضابط العسكري السابق، وأطيح به عام 1941 بعد غزو القوات السوفيتية والبريطانية لإيران وعُيّن نجله «محمد»، الذي أصبح اسمه شاه.
وأدت الاضطرابات الناجمة عن الفساد ومحاولات «الشاه» إلى «غربنة الدولة»، التي انتهت بالثورة الإسلامية عام 1979، وأصبح آية الله الخميني، الذي عاد من المنفى، الزعيم الروحي الأعلى للبلاد، وجعل إيران «ثيوقراطية».
كما اقتحم الثوار الإيرانيون السفارة الأميركية؛ لرفضهم العلاقات معها، واتهامها بإيواء «الشاه»، الذي اعتمد على الولايات المتحدة للبقاء في السلطة؛ ومنذ حينها بدأت الولايات المتحدة في قطع علاقاتها مع إيران ولا زالت حتى الآن.
قضايا أخرى ناتجة عن الحرب العالمية الأولى:
دُمّرت الإمبراطورية النمساوية المجرية، وساعدت نتائجها على صعود «أدولف هتلر» واندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة.