يعاني «تنظيم الدولة» الآن من خسائر اقتصادية فادحة؛ لخسارته الأراضي وحقول النفط والسكان المسيطر عليهم، وهي العوامل التي شكّلت أكثر من 90% من مصادر دخله وكانت السبب في احتلاله المرتبة الأولى من بين أغنى عشرة تنظيمات مقاتلة في العالم، وشرحت مجلة «فوربس» هذه العوامل مفصّلة؛ محذرة من أنّ الانتصار عليه الآن مجرد معركة واحدة في حرب طويلة مع التنظيم الذي شكّل نفسه «فكرة لا تموت».
وقالت الصحيفة إنّ أبا بكر البغدادي، مؤسس التنظيم وزعيمه الروحي، كان يعرف بالضبط ما يفعله عندما اختار أن يجعل أوّل ظهور علني له في «مسجد النوري» في الموصل في يوليو 2014، معلنًا إقامة دولة الخلافة الإسلامية الأولى منذ عام 1924. لكن، في غضون أيام، أُحرقت صورة التنظيم بالفظائع التي اُرتُكبت أثناء انتصاره الكاسح في العراق، لافتة إلى أنه زرع الخوف والفزع في قلوب الملايين في جميع أنحاء العالم، وبدأ كتابة فصل جديد مظلم في القرن الحادي والعشرين.
وقالت إنّ ما ميّز التنظيم ودعم سلطته أصبح رمزًا لهزيمته الساحقة بعد ثلاث سنوات من إقامته؛ ففي أواخر يونيو 2017، بعد تسعة أشهر من بدء قوات التحالف بقيادة الجيش العراقي حملة تحرير الموصل، حققت القوات العراقية إنجازًا باستعادة مسجد النوري «رمز انتصار التنظيم».
وفي محاولة من التنظيم لمنع سقوط رمزيته، هرع أفراده إلى تفخيخ المسجد بمئات الكيلوجرامات من المتفجرات قبل لحظات من انسحابهم، بينما سارع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإعلان هزيمة «دولة التنظيم» على «تويتر».
ولفتت الصحيفة إلى أن الإعلان النهائي للتحرير الكامل للموصل بعد أسبوعين تقريبًا كان علامة بارزة أخرى في الانهيار المروع للتنظيم؛ إذ قُتل البغدادي أو هرب من الرقة، مركز نشاط التنظيم الذي يسيطر على 55% منه حتى الآن، وإن كانت هزيمتها النهائية لا تزال بعيدة في المستقبل، ومعالجة الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للعراق وسوريا مسألة وقت.
ولا يزال «التنظيم» يعاني من خسائر فادحة ومذهلة كل يوم، وفي السنوات التي تلت إعلان قادتها تأسيس الخلافة الإسلامية فقدت سيطرتها على أراضٍ شاسعة في العراق وسوريا، التي تجاوزت ذروتها في أواخر عام 2014 ما يزيد على حوالي مائة ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من كوريا الجنوبية. وكان يعيش في ظل نظامه 11 مليون نسمة.
وبحسب الصحيفة، مع تدخل القوى الكبرى في القتال ضد «التنظيم» بدأت قوته ومكانته تتراجع باطراد، وفي أقل من ثلاث سنوات فقد التنظيم قرابة 64% من أراضيه وسحب قواته من مساحة تساوي مساحة «أيرلندا»؛ إذ أصبح مسيطرًا على 36 ألف كيلومتر مربع فقط، إضافة إلى تحرير تسعة ملايين نسمة من قبضة التنظيم، وأصبحوا يحكمون الآن مليوني نسمة فقط؛ أي بانخفاض قدره 80%.
وقالت الصحيفة إنّ التنظيم يجد نفسه في اضطرابات مالية قد لا يتعافى منها بعد أن فقد معظم سيطرته والمواطنين الذين يحكمهم؛ فقبل ثلاث سنوات، وفي ذروة سلطته العسكرية والسياسية، بلغت تقديرات الإيرادات السنوية لتنظيم الدولة ثلاثة مليارات دولار، وكان صعوده المالي والعسكري بعد تأسيسه بسنوات مثل نيزك؛ وهو ما كان يمثّل إنجازًا فريدًا لأفراده.
وفي دراسة شاملة نشرتها «فوربس»، احتل تنظيم الدولة المركز الأول ضمن أغنى عشرة تنظيمات مقاتلة في العالم الحديث.
كما لفتت الصحيفة إلى أن التنظيم تحوّل في غمضة عين من مدعوم بواسطة تنظيم القاعدة إلى إمبراطورية مالية ذات نظام اقتصادي متطور يدعمه النفط، الذي مثّل جوهر الثروة السريعة له؛ ففي أعقاب غزوات البرق في العراق وسوريا سيطر التنظيم على حقول نفط وغاز، وتقول تقديرات إنه سيطر في ذروته على نحو 60% من الاحتياطيات السورية من النفط، إضافة إلى سبعة حقول للغاز والنفط في العراق، بما في ذلك أكبر مصفاة في البلاد.
وعبر شبكة التهريب، استطاع التنظيم أن يبيع عشرات الآلاف من براميل النفط في السوق السوداء بدخل يومي تراوح بين مليارين دولار وثلاثة ملايين، ووصل إلى مليار دولار سنويا فيما بعد.
وقالت الصحيفة إنّ مسار التنظيم السريع للثروة سرعان ما أصبح نقطة ضعفه، مضيفة: في الواقع، السبب الرئيس لتراجع أصوله بسبب زيادة كثافة المعارك ضده، وبعد يوم من القتال البري ضده فقد السيطرة على حقول النفط والغاز والموارد الأخرى التي كان يسيطر عليها؛ فالضربات الجوية المكثفة ضده من قوات التحالف ارتكزت على المنشآت الرئيسة له؛ ما ضاعف الضغط، وفي النهاية قوضت بسرعة مصادر الدخل لأكبر للتنظيم.
وذكرت الصحيفة أسبابًا أخرى تتعلق بانحدار إمبراطورية التنظيم المالية؛ إذ تسبب الهبوط المفاجئ في أسعار النفط، الذي انخفض من 110 دولارات للبرميل في أوائل عام 2014 إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل في عام 2016، جعل دخله يتناقص بسرعة، وانخفضت عائداته النفطية في الشهر إلى 40 مليون دولار في 2015 بعد أن كانت 130 مليون دولار في 2014، وانخفضت إلى 20 مليونًا في 2016. وقالت بيانات نشرها «مركز أبحاث ماركيت» مؤخرًا إنّ التنظيم لا يجني سوى أربعة ملايين دولار شهريًا الآن؛ ما مثّل انخفاضًا بنسبة 97% عن العام 2014.
ولفتت إلى أن النفط والغاز لم يشكّلا مصدر دخل التنظيم الوحيد؛ إذ شكّلت الضرائب والفدية أو الجزية عنصرًا هامًا لخزينة التنظيم، مضيفة أن تنظيم الدولة كان فعّالًا في هذا الجانب؛ إذ وصف بأنه السلطة الإدارية الوحيدة في القرى والبلدات تحت سيطرته بجمع الضرائب على المرافق العامة كالطرق والكهرباء والماء والهواتف، إضافة إلى الأموال التي جناها بدعوى حماية سكان؛ مثل أصحاب الأعمال وكبيع السيارات والهواتف والمواد الغذائية.
كما حوّل التنظيم أكبر بنك في مدينة الرقة السورية إلى «البنك المركزي للدولة الإسلامية» الذي عمل مركزًا لتبادل المعلومات عن الضرائب والرسوم المفروضة على السكان. وقالت تقديرات إنّ الإيرادات في شكل ضرائب ومدفوعات حماية بلغت مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
غير أن فقدان ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان الذين كانوا تحت سيطرته ساهم في انخفاض الإيرادات من هذا المصدر؛ إذ يجني اليوم شهريا ثمانية ملايين دولار فقط، وهو مبلغ لايذكر بالمقارنة مع ما كان يجنيه من قبل حينما كان يسيطر على الـ11 مليون نسمة.
واستولى التنظيم أيضًا على مساحات واسعة من المزارع والمصانع ومحطات الطاقة والسدود وغيرها من المرافق الاستراتيجية التي عزّزت ثروته وقوته الاقتصادية، والأكثر من ذلك أن المنظمة تملك أراضي مترامية الأطراف في المناطق الزراعية الخمس الأكثر خصوبة في العراق، وتملك 40% من محصول القمح في البلاد ومحاصيل أخرى، ويقدّر خبراء الزراعة أن «التنظيم» تسيطر على 30% من السوق الزراعي المحلي. وخسر التنيظم كل هذا بتراجعه الساحق.
وقال تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنّ «التنظيم» لا يزال يعتمد بشكل رئيس على النفط والابتزاز والضرائب، التي تشكّل مجتمعة ما يتراوح بين 70% و80% من دخله. وأضافت «فوربس» أنّ إيرادات التنظيم انخفضت أكثر من 90% في ثلاث سنوات فقط من ثلاثة مليارات دولار في عام 2014 إلى قرابة 200 مليون دولار اليوم.
وقالت الصحيفة إنّ الضغط عليه من قوات التحالف ينمو ويتصاعد، ويتوقع خبراء أن ينتهي التنظيم نهائيًا بنهاية العام الجاري، مضيفة: «لكن، حتى لو كانت نهاية تنظيم الدولة المزيفة، كما وصفها العبادي، هي أقرب من أي وقت مضى؛ فالفكرة نفسها على قيد الحياة ولا تزال قوية في قلوب، فحتى لو هُزم التنظيم ففكرة الجهاد لا تموت.
وختمت الصحيفة مقالها باحتمالية إعادة تنظيم الدولة بناء نفسه كما كان يفعل تنظيم القاعدة من قبل، ومن الممكن أن ينشأ تنظيم آخر في مكان آخر يسعى إلى تحقيق رؤيته؛ مطالبة بلفت الانتباه إلى روح التنظيم وأيديولوجيته المتعصبة التي تجذب قلوب الملايين من المؤمنين، متوقعة أن تستمر في إلهام مؤيديها وتحفيزهم لخوض صراعات دموية عالمية، «ومن هذا المنظور، الانتصار الوشيك على التنظيم مجرد معركة واحدة في حرب طويلة وطاحنة».