شهدت الأيام القليلة الماضية تطورات سريعة في ملف تصدير الغاز من الاحتلال الإسرائيلي إلي مصر، ففي الوقت الذي أقرت فيه محكمة القضاء الإداري، بعدم الاختصاص في القضية المرفوعة بشأن ترسيم الحدود المصرية مع قبرص، وتنازل مصر عن حقوقها في الغاز الطبيعي في البحر المتوسط لصالح اليونان وقبرص وإسرائيل، جاء الإعلان عن قرب الوصول لاتفاق بشأن استيراد مصر للغاز الإسرائيلي عبر الأردن.
وجاء إعلان قرب التوافق على تصدير الغاز ضمن صفقة تسمح بمقتضاها تخفيض الغرامة على مصر بعد وقف تصدير الغاز لإسرائيل، والموافقة على ترسيم الحدود مع إسرائيل.
القضاء الإداري: ترسيم الحدود من السيادة
وقضت محكمة القضاء الإدارى، برئاسة المستشار بخيت إسماعيل، بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى المقامة من السفير إبراهيم يسرى، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، لإلغاء قرار الحكومة المصرية بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية التى وقعتها مصر مع قبرص فى العام 2004.
وقال مجلس الدولة، فى بيانه، إن المحكمة استندت فى حكمها إلى أن هذه الاتفاقيات تخرج عن إطار الاختصاص الولائى المعقود لمحاكم مجلس الدولة، باعتبارها تعد عملا من أعمال السيادة.
يذكر أن الدعوى التى حملت رقم 70526 لسنة 70 قضائية، قالت: إن الاتفاقية ترتب عليها استحواذ قبرص وإسرائيل على حقول غاز طبيعى، بمساحات ضخمة شمال شرق البحر المتوسط، رغم قرب هذه الحقول إلى دمياط بأقل من 200 كيلو متر، وبعدها عن حيفا بأكثر من 230 كيلومترًا.
وأكدت الدعوى أن الخرائط القبرصية توضح أن حقل أفروديت فى جبل إراتوستينس يدخل فى عمق منطقة امتياز نيميد، التى كانت مصر قد منحتها لشركة شل ثم تراجعت عنها دون مبررات منطقية فى أواخر العام 2015.
واتهمت الدعوى حكومة النظام السابق؛ وعلى رأسها وزير البترول الأسبق سامح فهمى، بالتقاعس عن الدفاع عن حق مصر فى هذه الحقول لسنوات طويلة، مستشهدة بأن الرئيس القبرصى أعلن فى يناير من العام 2011 عن اكتشاف بلاده أحد أكبر احتياطيات الغاز فى العالم، وتقدر مبدئيا بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار، فيما يسمى البلوك ــ 12 من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجى، وقرر تسميته حقل «أفروديت»، ويقع البلوك ــ12 فى السفح الجنوبى، لجبل إراتوستينس المغمور فى البحر، ويدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من 2000 سنة، حسبما جاء فى الدعوى والتقريرين العلميين.
الاستيراد مقابل الغرامة
وتوصلت الحكومة المصرية إلى اتفاق مبدئي مع نحكومة الاحتلال على حل لأزمة قضية التحكيم الدولي بينهما المتعلقة بتغريم قطاع البترول المصري نحو 1.76 مليار دولار، بسبب وقف تصدير الغاز لتل أبيب.
وأكدت أربعة مصادر مصرية على علم وثيق بتطورات المفاوضات ومن بينها مصادر حكومية وفقا لموقع «مدى مصر» أن الحكومة الإسرائيلية وافقت «بشكل مبدئي» على تخفيض قيمة الغرامة، مقابل أن تسمح مصر للقطاع الخاص باستيراد الغاز من إسرائيل، بالإضافة إلى فتح باب التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وكشف مسؤول مصري على اطلاع مباشر على ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية أن مسألة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل كانت موضوعًا لحوار مباشر بين عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في لقاء غير معلن عقده الاثنان في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي. وأضاف المسؤول أن وفودًا من البلدين تبادلت زيارات أولية في هذا الشأن وأن إسرائيل تسعى لقبول مؤسسة الرئاسة بمسودة ترسيم مقترحة يمكن فيما بعد التفاوض حول تفاصيلها وسبل تنفيذها بين الجهات المعنية في البلدين.
تنازل عن حقوق مصر
وكشف السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية السابق، عن صعوبة ترسيم الحدود البحرية بين مصر ودولة الاحتلال، بعد تردد أنباء عن صفقة تتضمن تخفيض غرامة التحكيم على مصر مقابل سماحها رسميًا باستيراد الغاز من تل ابيب، وترسيم الحدود البحرية.
وقال السفير يسري وفقا لموقع «قدس برس»، إن إسرائيل «ليست عضو باتفاقية قانون البحار وبالتالي ليس لها الحق في إعادة ترسيم الحدود البحرية، ومن يقوم بذلك مجموعة من الخبراء في لجنة جامايكا، تساعد الدول على الترسيم البحري بحسب نصوص الاتفاقية لمن ليس عضوا فيها».
وانتقد يسري سماح مصر باستيراد الغاز الإسرائيلي الذي يؤكد أنه مسروق من حقوق مصر الاقتصادية، مشيرا إلى اعتزام الحكومة التحايل على هذا الأمر بالقانون الذي صدق عليه عبد الفتاح السيسي هذا الشهر.
وكان السيسي قد صادق على قانون إنشاء جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز، وهو هيئة عامة مستقلة، تهدف إلى تنظيم ومراقبة كل ما يتعلق بأنشطة الغاز؛ ويتيح القانون للقطاع الخاص الانضمام لنشاط استيراد الغاز الطبيعي، ما يفتح الباب أمام استيراد 3 من أكبر رجال الأعمال المصريين الغاز من دولة الاحتلال.
مخاوف إسرائيلية من تراجع مصري
سلطت مجلة «وارتون» لتحليل الأعمال التجارية، الضوء على حقل الغاز ليفياثان، والمشاكل التى تعانى منها إسرائيل لاستخراج الغاز منه، لافتة إلى أن برغم من أن استيراد الغاز الإسرائيلي لمصر أصبح الآن بشكل ما قانوني، إلا أن إسرائيل تخشى من عرقلة المعارضة داخل لمصر توسيع العلاقات التجارية اوضح البلدين، بالإضافة إلى أن مصر ليست بحاجة فعلية لاستيراد الغاز في الوقت الراهن.
وأوضحت المجلة، فى تقريرها، أنه بعد سنوات من التأخير والارتباك وتضاؤل الآمال، والجهود المبذولة لتطوير الغاز الطبيعى فى الخارج اكتشفت إسرائيل حقل غاز ليفياثان، وقد بات فى أواخر العام الماضى الاتجاه إلى المسار الصحيح فى استخراج الغاز.
ولكن إذا حدث هذا وأصبحت إسرائيل منتجة للطاقة فى الشرق الأوسط، سيؤثر هذا الأمر على كل شيء من الجغرافيا السياسية الإقليمية إلى الآفاق التجارية لشركات الطاقة الأمريكية والإسرائيلية والقبرصية اليونانية التي تعمل الآن في مجال الاستكشاف والإنتاج.