واصلت الولايات المتحدة الأميركية تسديد ضرباتها لنظام عبدالفتاح السيسي بتصويت لجنة المساعدات الخارجية في الكونجرس مساء الخميس بخفض المساعدات العسكرية إلى مصر بمقدار 300 مليون دولار «من 1.3 مليار إلى مليار فقط، والاقتصادية بمقدار 37 مليون دولار؛ من مائتي مليون إلى 163 مليون دولار»، وأرجع خبراء السبب إلى العلاقات المصرية الروسية.
وكشفت اللجنة الخارجية الفرعية، التابعة للجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ، أنّ «خفض المساعدات يرجع إلى السياسات القمعية للحكومة المصرية وأنها لا تحترم حقوق الإنسان».
الضربة الثانية
وهذه الضربة الثانية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونجرس للسيسي؛ إذ يبلغ إجمالي التخفيض الأول من نوعه على المساعدات العسكرية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والاقتصادية، إجمالي 337 مليون دولار، أي ستة مليارات جنيه؛ بعدما جمّد الكونجرس الشهر الماضي 290 مليونًا من المساعدات للعام الجاري.
وكانت ضربة الإدارة الأميركية الأولى في أغسطس الماضي، بوقف معونة لمصر مقدارها 95.7 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى تأجيل 195 مليون دولار إضافية بسبب ما قالت إنه «فشل في إحداث تقدم تجاه احترام حقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية».
ويأتي التطور الجديد في أعقاب إصدار قرار من منظمة هيومان رايتس ووتش الأميركية يوثق تعذيبًا بشعًا في السجون والمعتقلات المصرية ويتهم السيسي أنه يعلم بها، والنيابة المصرية بأنها تتستر على ما يفعله الضباط.
لن تساعده في انتخابات 2018
من جانبه، رأى الدكتور عبدالله الأشعل، وكيل وزارة الخارجية سابقًا، أنّ القرارات الأميركية الأخيرة بخفض المعونة الأميركية نوعٌ من الضغط على مصر لشرائها الأسلحة من روسيا وفرنسا، حيث الاعتماد على سياسية خارجية جديدة لم تجعل أميركا بين أولوياتها، وهي مؤشر كبير للتخلي عن دعمه في انتخابات 2018.
وقال الأشعل في تصريح لـ«رصد»: من يتحالف مع البيت الأبيض لا يتحالف مع غيره، هكذا وضعت الولايات المتحدة الأميركية العرف الدبلوماسي لعلاقاتها مع الدول؛ لذلك هناك بالتأكيد قلق يرتاب الولايات المتحدة من تطوير العلاقات بين القاهرة وموسكو.
خلط أوراق!
وقررت الإدارة الأميركية حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى؛ لأنها «لم تحرز تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية».
وردت الخارجية المصرية بالإعراب عن أسفها والتأكيد في بيان أنّ تخفيض جزء من برنامج المساعدات لمصر «يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيقة لأهمية دعم واستقرار مصر ونجاح تجربتها وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الشعب المصري».
وقالت الوزارة في بيانها إنّ قرار تخفيض المساعدات الأميركية لمصر «بمثابة خلط الأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة، ويعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة».
حقوق الإنسان
وسبق أن طالبت إدارات أميركية مختلفة من الكونجرس باستثناء مصر من شرط «حقوق الإنسان» حال تغلب المصالح الأميركية مع حكومة القاهرة على حقوق الإنسان التي تنتهكها.
ويرجّح مراقبون أن يكون حرمان القاهرة من جزء من المعونة سلاحًا أميركيًا للضغط على السيسي ليتخلى عن علاقته مع روسيا ضمن صراع القوى الكبرى بدعاوى حقوق الإنسان، أو محاولة للتخلص من انتقادات أميركا لحكومتهم بتغليب مصالحها على قمع المصريين.
وسبق لإدارة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» التقدّم بمقترح في أبريل الماضي 2017 ينص على خفض قيمة المساعدات الاقتصادية التي تقدمها وزارة الخارجية الأميركية إلى مصر بنسبة 47.4% لتصل إلى 75 مليون دولار بدلًا من 142.7 ملايين دولار، وفقًا لوثائق مسربة لوزارة الخارجية الأميركية تناولتها مجلة «فورين بوليسي».
وتعتبر هذه الوثائق خطة داخلية تتماشى مع الهدف الذي أعلنته الإدارة الأميركية بخفض الموازنة الإجمالية لوزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بأكثر من الثلث؛ إلا أنّ القرار لم يُنفّذ؛ لأنّ الخارجية الأميركية قالت إنّ الأهم هو الأمن القومي الأميركي لا حقوق الإنسان في مصر.
كوريا الشمالية
ورداً على سؤالٍ عما إذا كانت علاقة مصر القوية مع كوريا الشمالية أدّت دورًا في قرار الإدارة الأميركية، قال مسؤولٌ في وزارة الخارجية الأميركية لـ«نيويورك تايمز» إنَّ قضايا مُثيرة للقلق أُثيرت مع القاهرة؛ لكنَّه رفض تقديم تفاصيل عن المحادثات.
وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنَّ الرسائل المُتضاربة من إدارة ترامب كانت مُفاجئة، و«من غير المعتاد أن تتخذ إدارة ترامب إجراءً عقابيًا ضد مصر؛ نظرًا إلى تواصل ترامب مع السيسي ودعمه العام لهذه الحكومة المصرية. ولا يمكنني القول إنَّ البلاغات تجاه الصعوبات في وضع حقوق الإنسان في مصر أو صلتها بكوريا الشمالية أمران جديدان».
وكانت أولوية وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الأولى زيادة العزلة الاقتصادية والدبلوماسية المفروضة على كوريا الشمالية، وطلب من القادة الأجانب في كل اجتماع تقريبًا قطع العلاقات مع «بيونج يانج» عاصمة كوريا الشمالية.
وبحسب «نيويورك تايمز»، كانت مصر قريبة من كوريا الشمالية منذ السبعينيات على الأقل. وقال دانيال ليون، من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إنَّ طياري كوريا الشمالية درّبوا الطيارين المصريين قبل حرب 1973 مع «إسرائيل»، واتُهمت مصر بعد بتزويد كوريا الشمالية بصواريخ سكود.
42 عامًا من المعونة وأميركا المستفيدة
ويدور جدال في مصر بشأن المعونة الأميركية منذ 42 عامًا، عمر مكتب وكالة التنمية الدولية الأميركية الذي نشأ في 1975 وبدأ عمله بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد في 1978، لتتحول إلى معونات دائمة بهدف مساعدة النمو الاقتصادي لمصر وتحسين الأوضاع المعيشية للمصريين.
وذكر كشف حساب المعونة في مصر على مدار سنواتها الأربعين الماضية أنّ ما يقرب من 30 مليار دولار لم تتلقَ منها مصر نقدًا سوى مبالغ ضئيلة جدًا؛ بينما حققت الولايات المتحدة في المدة نفسها فائضًا تجاريًا مع مصر بلغ نحو 45 مليار دولار.
ولم تزد قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة على 6.7 مليارات دولار، بينما بلغت الصادرات الأميركية لمصر أكثر من 55 مليار دولار.
وساهمت المعونة في دعم شركات أميركية بطريق غير مباشر، لتعود إليها نسبة كبرى من أموال المعونة في صورة سلع وخدمات أميركية؛ وهو ما كشفه تقرير لوزارة التخطيط قال إنّ 40% من المعونة الأميركية في مصر طوال السنوات الـ26 الماضية، بما يعادل 6.8 مليارات دولار من أصل 25 مليارًا، وأكّد التقرير أنّ الصافي النهائي الذي حصلت عليه مصر لا يزيد على ثلث إجمالي المعونة.