اعتبر خبراء مصريون في الشأن الأميركي والعلاقات الخارجية أن قرار الإدارة الأميركية حجب مساعدات عسكرية وتأجيل أخرى لمصر من شأنه إحداث «فتور عابر سيتم تجاوزه سريعًا»، واصفين القرار الأمريكي بأنه مجرد «قرصة أذن» للنظام المصري.
وأرجع هؤلاء الخبراء، في أحاديث منفصلة للأناضول، القرار الأمريكي إلى ثلاثة أسباب هي: الاعتراض الأميركي على سياسة مصر الخارجية مع كوريا الشمالية وروسيا، وانتقاد واشنطن لتعامل القاهرة مع ملف منظمات المجتمع المدني، ووجود صراع أميركي داخلي.
وشمل القرار حجب مساعدات بقيمة 95.7 مليون دولار، وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى، من المساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة، والبالغ مجموعها 1.3 مليار دولار.
وبعد يوم من ذلك القرار، استنكرته مصر، في 23 أغسطس الماضي، معتبرة إياه «سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين».
فيما اعتبرت الخارجية الأميركية أن القرار يصب «في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة».
واللافت أن القرار الأميركي جاء على عكس طبيعة العلاقات بين البلدين، التي توصف بالاستراتيجية في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تولى السلطة في العشرين من يناير الماضي.
تبعات القرار
ويرى محمد المنشاوي، كاتب صحفي مصري متخصص في الشأن الأميركي، في حديث للأناضول، أن «أميركا لا تسعي، ولا تسعد، بأي توتر مع مصر، ووارد أن يحدث تفاهمات، وتلك القرارات مؤقتة، ومجرد قرصة أذن».
ويتفق معه عاطف السعداوي، الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، معتبرًا أن «القرار لا يزال في إطار الأخذ والرد، وليس قرارًا نهائيًا».
ويتابع السعداوي: «لا تزال أمام مصر فرص لتجاوزه (القرار) أو تخفيفه أو تأجيله، ولكن أميركا لا تسعى إلى قطيعة أو توتر سياسي، فمصالحها المرتبطة بمصر في قضايا الإرهاب والشرق الأوسط أكبر من ذلك».
وكانت العلاقات المصرية الأميركية في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما (2009-2017) توصف دائمًا في وسائل إعلام مصرية بأنها متوترة، في ظل انتقادات أمريكية آنذاك لملف حقوق الإنسان في مصر.
كوريا الشمالية وروسيا
ويرى سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أحد أسباب قرار حجب وتأجيل مساعدات أميركية لمصر هو أن «تنوع السياسة الخارجية المصرية يزعج واشنطن، وآخرها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، لروسيا (20 أغسطس)، في ظل تقارب بين القاهرة وموسكو (مقابل توتر ملحوظ بين واشنطن ووسكو)».
ويضاف إلى ذلك «تقارب مصر مع كوريا الشمالية»، فهو سبب رئيسي للقرار الأميريكي، بحسب المنشاوي، المقيم في واشنطن، والذي يشدد على وجود «امتعاض أميركي من ذلك التقارب».
وألمحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، في 24 أغسطس الماضي، إلى أن القرار الأميركي قد يكون بسبب تعاون القاهرة مع نظام كوريا الشمالية المناهض لواشنطن وحلفائها.
وأضافت:«الدول التي تتاجر مع كوريا الشمالية، تمكنها من حصد أموال تذهب إلى أنشطة غير مشروعة من برامج للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية وغيرها»، وهذا يمثل«مصدر قلق لنا، وللمجتمع الدولي كذلك».
ومؤخرًا، أدانت الخارجية المصرية، في بيانين شديدي اللهجة، التجربتين الصاروخيتين الأخيرتين لكوريا الشمالية، داعية إياها إلى وقف التصعيد والامتثال إلى قرارات مجلس الأمن الدولي.
قانون الجمعيات الأهلية
كما يرجع المنشاوي القرار الأميركي إلى «ملف منظمات المجتمع المدني في مصر وما يثار حوله، فالقاهرة وعدت واشنطن بمراجعة قانون الجمعيات الأهلية، خاصة وأنه يمس مواطنين أمريكيين متهمين غيابيا في مصر».
وفي نهاية مايو، صادق عبد الفتاح السيسي، على قانون الجمعيات الأهلية، بعد شهر من زيارته لواشنطن، وهو قانون يواجه انتقادات محلية وأجنبية واسعة، أبرزها من حقوقيين وأعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وقال عضوا المجلس، جون ماكين ولينزي غراهام، في بيان مشترك، مطلع يونيو الماضي، إن «قرار السيسي بالمصادقة على القانون الجائر، الذي ينظم عمل المنظمات غير الحكومية، هو أحدث مؤشر على حملة متنامية على حقوق الإنسان والمعارضة السلمية في مصر».
بينما دافعت الخارجية المصرية عن القانون، مشددة على أن مصر «تدعم حرية التعبير عن الرأي والمؤسسات الحقوقية».
صراع أمريكي داخلي
ويطرح السعداوي سببًا ثالثًا للقرار العقابي الأميركي تجاه مصر، إذ يعتبر أن أنه«يدخل ضمن صراع القوى، الذي ظهر علنًا بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس».
ويتفق معه سعيد صادق بقوله إن «علاقات القاهرة مع البيت الأبيض حاليًا جيدة، لكن مشكلتها مع بعض أعضاء الكونجرس وبعض بقايا أوباما في الإدارة ترامب».
ومصر نفذت العديد من المطالب للإدارة الأميركية، ومنها الإفراج عن الناشطة السياسية المصرية آية حجازي (أبريل الماضي)، وكذلك تأجيل التصويت على مشروع قانون مناهض للاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن الدولي (ديسمبر الماضي)، ولم تكن تتوقع رد فعل مثل هذا.
تاريخ المساعدات
ويأتي القرار الأمريكي على عكس دعوة مصر، في ديسمبر 2016، إلى مراجعة برنامج المساعدات الأمريكية للقاهرة، لاسيما العسكرية، بعد مرور أكثر من 3 عقود على إطلاقه، وذلك قبيل تولى ترامب الرئاسة.
وفي 4 أبريل قال ترامب، أثناء استقباله السيسي في واشنطن، إنه يعتزم «تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة”، وسط احتفاء في وسائل إعلام مصرية مؤيدة للنظام بهذا اللقاء ونتائجه المتوقعة إيجابًا على ملف المعونة الأمريكية».
وتعود المساعدات الأمريكية لمصر إلى عام 1979، عقب رعاية الولايات المتحدة الأمريكية توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، حيث قدمت واشنطن إلى القاهرة 2.1 مليار دولار (800 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية).
ومرارًا، تعرضت المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر إلى التخفيض، كما حدث عام 1999، حين تم الاتفاق على تخفيضها من نحو 800 مليون دولار إلى حوالي 400 مليون، ثم أصبحت، منذ عام 2009، قرابة 250 مليون دولار فقط، دون تغيير في الشق العسكري، لتبقى نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية.
المصدر: الأناضول