في الوقت الذي تتهم فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبدالفتاح السيسي بالتواصل سياسيًا مع كوريا الشمالية، وقلّصت على إثر ذلك حجم مساعداتها للقاهرة إلى 95 مليون دولار، يدافع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس عن استثماراته في مجال الاتصالات في كوريا الشمالية؛ معتبرًا أنها لا علاقة لها بالسياسة، بينما رأى خبراء أنّ هناك علاقة باستثمارات ساويرس والتواصل السياسي بين نظامي السيسي وكيم يونج.
وجاء دفاع «نجيب» بعد 48 ساعة من إعلان وزير الدفاع المصري صدقي صبحي أنّ القاهرة قطعت كل علاقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الدفاع الوطني في كوريا الجنوبية.
ونقلت وزارة الدفاع الكورية عن صدقي قوله إنّ «القاهرة ستتعامل بشكل وثيق مع سيول ضد تصرفات كوريا الشمالية، التي تهدد سلم المجتمع الدولي واستقراره».
واتفق وزيرا الدفاع الكوري الجنوبي سونغ يونغ مو والمصري صدقي صبحي أثناء مباحثاتهما في سيول الاثنين الماضي على توثيق الشراكة بين بلديهما بشأن كوريا الشمالية وتطوير الأسلحة.
كما وافق الوزير المصري على طلب نظيره الكوري الجنوبي بالتعاون بشأن تشديد العقوبات على كوريا الشمالية؛ ردًا على تجربتها النووية الأخيرة التي أجرتها الأسبوع الماضي، وتشارك القاهرة في اجتماعات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عضوًا غير دائم فيه.
استثمارات لا تنتهك العقوباب
وقال نجيب ساويرس، الذي يمتلك شركة اتصالات في كوريا الشمالية، في لقاء على شبكة تليفزيون «سي إن بي سي» الأميركية: «بصفتي مستثمرًا، أطيع جميع قرارات الأمم المتحدة وأتأكد من أننا لا ننتهك أي عقوبات أو أي قواعد».
وجاءت هذه التعليقات في أعقاب آخر العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية وأقرتها مطلع هذا الأسبوع، وهي حزمة العقوبات التاسعة لمجلس الأمن الدولي على كوريا الشمالية منذ 2006 بعد إجرائها تجارب صاروخية.
وتفرض الإجراءات الجديدة قيودًا على واردات النفط، كما تفرض حظرًا على صادرات المنسوجات، وفُرضت العقوبات الجديدة بعدما أجرت كوريا الشمالية سادس اختباراتها النووية وأكبرها أوائل هذا الشهر.
وعن تهديدات الحرب التي تطلقها كوريا الشمالية والولايات المتحدة، قال نجيب ساويرس: «لو أنت هددت ثم لم تفعل شيئًا ستبدو حقيقة غبيًا؛ ولذلك الأفضل ألا تفعل».
وقال نجيب، مؤسس شركة «أوراسكوم تليكوم» الاتصالات المصرية وصاحب رخصة الاتصالات الوحيدة العاملة في كوريا الشمالية، إنَّ استثماراته في كوريا الشمالية قُدّرت بـ25 مليون دولار، مؤكدًا أن العلاقات الاقتصادية مع كوريا الشمالية قديمة وتاريخية.
وعن أسباب استثماره هناك قال: «أعتقد أني أقدّم خدمة جيدة لأناس أبرياء في كوريا الشمالية، هم محرومون من رؤية آبائهم الذين يعيشون بعيدًا عنهم»، وأوضح أنه بهذا العمل «يسمح لهم بالحصول على أبسط الخدمات التي يحظى بها أيّ شخص في الغرب، ولا علاقة لها بالسياسة».
دعوات وعلاقات
وفي 2015، وجّه عبدالفتاح السيسي دعوة إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون لحضور حفل افتتاح تفريعة قناة السويس، الذي رحّب بها وأوفد رئيس هيئة رئاسة الجمعية الشعبية العليا للبلاد (رئيس الدولة) كيم يونج نام لحضور الحفل.
وتحظى العلاقات المصرية الكورية الشمالية بحضور ومتانة؛ فمنذ عام 1957 بدأت علاقات التعاون الاقتصادي بينها، ثم تطوّرت إلى مرحلة إقامة العلاقات القنصلية عام 1961، والإعلان عن تبادل التمثيل الدبلوماسي عام 1963.
وافتتحت السفارة المصرية في بيونج يانج في 26 نوفمبر عام 1963 على مستوى قائم بالأعمال، ورُفعت درجة التمثيل إلى مستوى السفراء في عام 1965. إلى جانب التنسيق الدائم والتعاون المستمر بين الدولتين في المحافل الدولية؛ خصوصًا وأن الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية التي تجمعهما ليست بالقليلة، من بينها الأمم المتحدة وحركة الحياد.
ترجمة للعلاقات السياسية
قال الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية، لـ«رصد»، إنّ استثمارات رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس تأتي وفقًا لعلاقة النظام الكوري بالمصري؛ فالاستثمارات الأجنبية بين الدول وبعضها ترجمة للعلاقات السياسية بين البلدين، ويُتّتفق على بنودها بتبادل الخبرات في مختلف المجالات.
وأضاف أنه ربما تتوقف العلاقات العسكرية طوعًا لقرارات الأمم المتحدة؛ لكنّ ذلك لن يغلق باب العلاقة الأساسية بين البلدية، خاصة وأن كوريا الشمالية ترغب في توطيد علاقتها السياسية والاقتصادية مع مصر، دون النظر إلى التوجهات السياسية لهذه الدولة أو علاقتها بغيرها من الدول.
وتتربع مصر على قمة هرم الاستثمارات الأجنبية في كوريا الشمالية؛ إذ بلغت الاستثمارات المباشرة لمجموعة شركات أوراسكوم في كوريا حتى الآن ما يزيد على نصف مليار دولار.
مقاطعة كوريا
وعلّقت صحيفة «Washington Examiner»، القريبة من إدارة ترامب، على علاقة السيسي بـ«كيم يونج» قائلة إنّ الرئيس الأميركي «طلب من نظيره المصرى الالتزام بمقاطعة كوريا الشمالية».
وقالت إنّ إدارة ترامب صابرة على خروقاتٍ متكررةٍ لدولٍ تجاه العقوبات المشددة التي تبناها مجلس الأمن ضد كوريا الشمالية. ورسميًا، مصر عضو في مجلس الأمن حتى نهاية العام 2017، وشاركت في التصويت على قرارات تتعلق بعقوبات تُفرض على كوريا الشمالية.
وفي مناسبات سابقة ذكرت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة «نيكي هيلي» أنّ واشنطن ستراقب الدول وتحاسبها بناء على نمط تصويتها داخل المجلس، وعلى التزامهم بمقاطعة كوريا الشمالية.
أسلحة كوريا الشمالية
وقال الكاتب الصحفي محمد الشناوي، في مقال له على صحيفة الشروق، إنه «من المهم هنا طرح سؤال حول طبيعة وعمق علاقات القاهرة مع بيونج يانج خاصة، فعلى الرغم من العلاقة العسكرية الوثيقة بين القاهرة وواشنطن، فإن مصر كانت دوما تحاول الحصول على أسلحة كورية شمالية، تتواءم مع ترسانة روسية سوفيتية قديمة فى مصر».
وأضاف: «يجمع المؤسستين العسكريتين المصرية والكورية الشمالية تاريخ مشرق، وصلت معه لدرجة أنه وخلال حرب أكتوبر 1973، أرسلت بيونج يانج عشرين طيارا، ثمانية مراقبين جويين، خمسة مترجمين، وثلاثة إداريين، وطبيبا وطباخا دعما للمجهود العسكري المصري في حربه ضد إسرائيل. واشتبك طيارو كوريا الشمالية في معارك جوية عدة مرات مع الطيران الإسرائيلي».
تطور العلاقات
وتابع: «قبل عدة شهور قليلة قال الملحق الكوري الشمالي بمصر إن العلاقات مع مصر ستشهد تطورًا»، وكان ذلك بمناسبة احتفالية في القاهرة بمناسبة الذكرى السنوية الـ85 لتأسيس الجيش الكوري الشمالي.
وواجه الرئيس المخلوع حسني مبارك أثناء زياراته إلى واشنطن أسئلة واستفسارات متكررة من وزارة الدفاع الأميركية وأعضاء مجلس الشيوخ بشأن حدود التعاون العسكري بين مصر وكوريا الشمالية.
وكان من أهم هذه المواجهات ما حدثت أثناء زيارته عام 2002م؛ بعدما واجهته المخابرات الأميركية بدلائل وافية ومقنعة على وجود تعاون عسكري على تطوير صواريخ «نوــ دونج»؛ وهو الأمر الذي نفاه مبارك ووعد بوقف أي تعاون بين بلاده وكوريا الشمالية.