وصلت التغييرات السلطوية داخل السعودية إلى ذروتها، ولعلها قد تصل قريبًا إلى المنصب الأعلى في البلاد.
وقال موقع «ستراتفور»، بحسب ما ترجمت شبكة رصد، إنّ التحوّلات الاقتصادية والسياسية لن تقف عند حد معين؛ بل توقع عديدون مزيدًا من التعديلات القادمة، ولعل أهمها التنازل عن العرش؛ إذ يُشاع أنه يُخطط لذلك قريبًا من أجل تمهيد طريق العرش لولي العهد.
ورحيل الملك يأتي في الوقت الذي تكافح فيه البلاد من أجل وضع خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي؛ لكنّ هناك تفاصيل للبرنامج غامضة أو مضطربة، تستوجب إعادة النظر فيها مرة أخرى.
ولدى السعودية ميل دائم إلى صياغة مبادرات اقتصادية مدتها خمسة أعوام؛ ففعلت ذلك أكثر من مرة منذ عام 1970، ونادرًا ما أعادت النظر في هذه الخطط بعد وقت قصير من تنفيذها. وفي الوقت الذي تعيد فيه الرياض النظر في نهجها، من المرجح أن تضع أهدافًا أكثر قابلية للتحقيق بالنسبة إلى القطاع الخاص، مع تحديد طرق جديدة لتحقيق إيرادات من مصادر أخرى غير النفط الذي تعتمد عليه حاليًا. وحتى المحور الرئيس من حزمة الإصلاحات المتعددة الطبقات في المملكة، المتمثل في الطرح العام الأولي لجزء من شركة أرامكو، قد يتأخر حتى عام 2019.
وجاءت محاولة الرياض لإصلاح الاقتصاد السعودي بالتوازي مع محاولة لتجديد السياسة في البلاد. وبالإضافة إلى تحديث قواعد خلافة العرش، عيّن الملك «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود» ابنه «محمد» وليًا للعهد. وبعد كثير من تخفيف سلطات الوزارات وإعادة توزيعها في لجان جديدة ترجع إلى الأمير الشاب، لم يضيّع ولي العهد الجديد أيّ وقت لينشئ مديرية جديدة مسؤولة عن الأمن، استحوذت على مهام استخباراتية ومهام تحقيق الشرطية. ومن شأن تنازل الملك المتوقع عن العرش أن يمثّل تغييرًا سياسيًا أكثر وضوحًا؛ إذ يعتلي العرش أصغر ملك سعودي منذ ما يقرب من قرن من الزمان؛ ليصبح أوّل ملك أيضًا من الجيل الثالث من نسل مؤسس المملكة العربية السعودية «عبدالعزيز بن سعود».
ولا يعد قرار الملك بالتنحي موضع شك، ولكنّ السؤال: متى سيتم ذلك؟ فالمؤامرة الحقيقية تكمن في التغييرات التي يبشر بها هذا التحول في جوهر البلاد، في العادات الاجتماعية الصارمة والإسلام السياسي، الذي يعد العمود الفقري للمجتمع السعودي.
ومن أجل تمهيد الطريق لاقتراب قيادته للمملكة، من المرجح أن يشدّد ولي العهد قبضته على التعبير السياسي؛ حتى فيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي.
وأُوضِحت هذه الحملة في سلسلة من الاعتقالات الأخيرة أثارت تساؤلات عن الدوافع وراءها. واحتجزت السلطات حتى الآن هذا الشهر عشرات من النشطاء والعلماء ورجال الدين الشعبيين، وبعضهم مرتبط بالحركة الموالية للإخوان المسلمين. وبالطبع، قد يكون هناك تفسير بسيط للاعتقالات؛ فربما تكون مجرد جزء من النزاع السعودي المستمر مع قطر. ودعا الشيوخ قبل اعتقالهم علنًا إلى إصلاح العلاقات مع الدوحة، ووجدت الرياض موقف رجال الدين مثيرًا للقلق، خاصة وأنهم يتمتعون بملايين المتابعين عبر تويتر؛ الأمر الذي يعطيهم القدرة على تشكيل الرأي العام.
وعلى المنوال نفسه، من المنطقي أن نتوقع من ولي العهد محاولة كبح جماح المعارضة الشعبية. ونظرًا لشعبية تويتر في المملكة، فلدى الأسرة الحاكمة كل الأسباب لإسكات الأصوات المؤثرة التي دعمت الروايات المتناقضة مع رواية الرياض. ولا تعد الاحتجاجات مألوفة في المملكة، خاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة. وعلى الرغم من أنّ المظاهرات الجماهيرية ضد الأسرة الحاكمة نادرة، فالدعوة إلى المعارضة الشعبية انتشرت عبر قنوات التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة.
ومع ذلك، قد تنذر الاعتقالات الأخيرة أيضًا بتغيير أكبر وأكثر تدرجًا يجري حاليًا. وعلى غرار دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، قد تتخذ السعودية موقفًا أكثر صرامة ضد الحركات الإسلامية التي تشبه جماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجيتها المناهضة للمؤسسة. وينتمي المعتقلون، على كل حال، إلى صفوف رجال الدين المستقلين في المملكة، وليس أولئك الذين يعملون عن كثب مع العائلة المالكة ويعتمدون على الرياض للحصول على الدعمين المالي والسياسي.
وفي الوقت نفسه، تلفت مصادر «ستراتفور» إلى أنه عندما يعتلي ولي العهد العرش فإنه يخطط للفصل بين مسمى «الملك» و«خادم الحرمين الشريفين»؛ إذ يشتمل الأخير على السيادة لمكة والمدينة.
وعلى الرغم من أنّ الملوك السعوديين استخدموا اللقب الثاني فقط منذ الثمانينيات؛ فإنه يعود إلى قرون من الزمن، ويهدف استخدامه إلى الربط بين شرعية المملكة وقوتها الدينية في العالم الإسلامي. وإذا تخلى ولي العهد عن ذلك، فمن شأن هذه الخطوة أن تحوّل الملك إلى زعيم مدني علماني بدلًا من شخصية الأب الروحي للمسلمين في العالم. وعلى الرغم من كونه تعديلًا صغيرًا في نواحٍ، فإنه قد يعبّر عن ميل كبير من الحاكم الشاب لصياغة طريق جديد للمملكة، في الوقت الذي يتعامل فيه مع المعارضة طوال الطريق.