سلّط الموقع الأميركي «ذا جيمس تاون»، المعني بالتحليلات السياسية والعسكرية، الضوء على نشوء «حركة حسم» في مصر وأسباب وجودها والتوقعات بشأن استمرارها أو خفوتها من عدمه، موضحًا أنّها نشأت كرد فعل على الحملات القاسية التي تقودها الأجهزة الأمنية في السنوات الأخيرة ضد المصريين.
وقال الموقع، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ «حسم» تستمد وجودها من أنها لا تستهدف المدنيين أو العسكريين، بخلاف «تنظيم الدولة» الذي يستهدف المدنيين، سواء مسلمين أو مسيحيين، وكان وجودها أيضًا ردًا على ما آلت إليه أوضاع البلاد.
وأضافت الصحيفة أنّ «حسم» أصدرت نشرة دورية لأنشطتها في السنة الأولى لها، منذ 16 يوليو 2016 وحتى 16 يوليو 2017، وادّعت أنها قتلت 27 من جهاز الشرطة وأصابت 56 آخرين، وقالت أيضًا إنها استخدمت تكتيكات مختلفة لاستهداف ضباط الشرطة؛ من بينها اغتيالات مخطط لها بشكل جيد، واستخدام المتفجرات عن بعد.
تقول الصحيفة إنّ الأرقام التي أعلنت عنها حسم إذا كانت دقيقة فإنها كبيرة للغاية؛ لأنّ التنظيم أو الحركة لا يضم سوى أقل من مائة فرد فقط.
لماذا ظهرت؟ ومن تستهدف؟
ما يلفت النظر إلى «حسم» استخدامها المنضبط للعنف وخصوصية أهدافها. وحتى الآن، لا توجد تقارير تفيد بأنّ التنظيم قتل أيّ مدنيين؛ لكنها تستهدف باستمرار أفراد الشرطة المصرية وأجهزة الأمن العاملة تحت رعاية وزارة الداخلية والقضاء. وحتى الآن، ما زالت المجموعة حريصة على تجنب استهداف أفراد الجيش المصري.
وهو ما يتناقض بشكل ملحوظ مع استجابة الحكومة المصرية لارتفاع مستويات التشدد في جميع أنحاء البلاد، وتواصل منظمات حقوق الإنسان اتهام الشرطة وأجهزة الأمن بالاحتجاز غير القانوني لأفراد يشتبه في أنهم أعضاء في التنظيمات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى تنفيذ إعدامات خارج نطاق القضاء.
وفي أغسطس الماضي، علّقت الحكومة الأميركية مبلغ 95.7 مليون دولار من المساعدات المقدمة لمصر، وأخّرت 195 مليون دولار أخرى؛ مستشهدة بتقاعس مصر عن إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية.
وقالت الصحيفة إنّ ظهور «حسم» كان طبيعيًا؛ بسبب الإجراءات القاسية التي اتخذتها الدولة تجاه المعارضين، وغالبًا ما تكون معاييرها أقل من جيد، هذا إلى جانب الضغوط الديموغرافية والاقتصادية المستعصية إلى حد كبير.
وعلى النقيض من تنظيم الدولة في مصر، تعيد دعاية «حسم» الأولوية للدين وتشدد على أهداف الجماعة القومية؛ ومثلت وجهات النظر المعتدلة نسبيًا وركّزت على القومية، جنبًا إلى جنب مع الانضباط في استخدام العنف؛ ما اعتبر نوعًا من النضال أكثر منه إرهابًا، واستهدفت نزعتها العسكرية ما يراها البعض أنها حكومة فاسدة وغير مستجيبة.
اكتساب الزخم
ويلفت استعراض نهاية العام للحركة إلى منظمة لم تنج لمدة سنة فحسب؛ بل إنها نمت أيضًا. وبالنظر إلى أنّ أجهزة الاستخبارات المحلية في مصر تتسم بالكفاءة والفعالية على السواء، فليست قدرة حركة «حسم» في التوسع فقط؛ بل أيضًا على الاستمرار في تنفيذ هجمات جيدة التخطيط نسبيًا.
وفي اثنتين من الهجمات الأخيرة، استهدفت الحركة ضابط شرطة بارزيًا، وهو المقدم أحمد حسين، واستهدفت سيارة تابعة للشرطة في المعادي، ويبدو أنّ الهجومين كانا مخططين بشكل جيد. واغتيل المقدم وأصيب ضابط آخر وثلاثة من القوة المرافقة في ظل نمط من الهجمات التي تستهدف الضباط، الذين يُراقبون لأيام، ومعرفة روتينهم اليومي.
ولا تزال هجمات «حسم» ترتكز على القاهرة وضواحيها وتستهدف الأمن والقضاء فقط؛ إذ تسهّل كثافة البيئة الحضرية مراقبة الأهداف وسهولة تدفق أعضاء حسم، كما تتيح لها هذه البيئة فرصًا كبرى لتدريب أفراد جديدين من ذوي المهارات المتخصصة التي تتطلبها.
وقالت إنّ نجاحها في استهداف مسؤولين رفيعي المستوى وسط إجراءتهم الأمنية المشددة وقدرتهم على التهرب من أنظمة المراقبة البشرية النشطة والسلبية المنتشرة في مصر يلفت إلى أن أعضاء الحركة أنفسهم بارعون في المراقبة والمراقبة المضادة.
وتزعم الحركة أيضًا أنها استهدفت الشرطة بعبوات ناسفة، وإذا كان ذلك صحيحًا فهو يلفت إلى أن الحركة جنّدت الأفراد ذوي الخبرة في المتفجرات. وحتى الآن، يبدو من أنشطتهم أنّهم بارعون أيضًا في الإعداد والتخطيط؛ بحيث لا يقع ضحايا مدنيون، ويبدو أنها تنطوي على أجهزة مصممة للحد من الخطر على المدنيين المحيطين.
وقالت إنّ قيادة «حركة حسم» تعترف بوضوح بأنها تتجنب استهاف المدنيين، وتستهدف أجهزة الشرطة فقط؛ وهو ما يميزها كثيرًا عن «تنظيم الدولة» الذي يستهدف المدنيين؛ سواء مسلمين أو مسيحيين.
وتشتهر الشرطة المصرية باستعمالها العنف. واستهدفت ثورة يناير 2011، التي أطاحت بحسني مبارك، الشرطة في المقام الأول؛ لمبالغتها في استعمال إجراءاتها التعسفية، وهي الجهاز الذي استهدف آلاف المصريين في البلاد، وبينما هبطت هذه الكراهية نوعًا ما تجاه الشرطة، ما زالت موجودة بقوة؛ وهو ما تستفيد منه حسم.
ادعاءات الشرطة المصرية
في 24 أغسطس، أعلنت الشرطة المصرية أنها قتلت اثنين من كبار أعضاء حركة حسم في تبادل لإطلاق النار قرب وادي النطرون، وزعمت أيضًا أنها قتلت في الأشهر الأخيرة عشرات من الحركة، وإذا كانت هذه الادعاءات دقيقة فالحركة شهدت توسعًا سريعًا في الأشهر الـ12 الماضية، وأصبحت قادرة على الشفاء الذاتي. ومع ذلك، في واحدة من نشراتها الدورية، قالت في 27 يوليو إنّ ادعاءات الشرطة بقتل أفراد من الحركة غير صحيحة.
وتقول الصحيفة إنّ الحقيقة في مكان ما بين هذين السردين؛ فكثيرًا ما بالغت الشرطة المصرية في عدد المسلحين المرتبطين بتنظيم الدولة الذين قتلتهم. وفي الوقت نفسه، ليس من مصلحة «حسم» أن يُنظر إليها على أنها منظمة تتعرض إلى ضغوط متزايدة من الأجهزة الأمنية.
في حين أنّ مزاعم الحكومة بشأن قتل العشرات من أعضاء الحركة قد يكون مبالغًا فيه، وصحيح أنها قتلت واعتقلت العشرات، إن لم يكن المئات من الأشخاص الذين ليس لديهم أيّ صلات بأي تنظيمات مسلحة؛ وتحدّثت «هيومن رايتس ووتش» ومنظمات أخرى بشكل مكثف عن أدلة على إعدامات للمصريين في سيناء واختفاء المواطنين المصريين وتعذيبهم من جهاز أمن الدولة.
ويوضح هذا النوع من رد الفعل أنّ الدولة المصرية تحت ضغط متزايد وتجد صعوبة في اختراق التنظيمات المسلحة وتعطيلها، وقد يكون ذلك على وجه الخصوص مع حركة حسم، التي تعتمد على قاعدة دعم أوسع بكثير من «تنظيم الدولة»؛ وقد تضمن تكتيكيات الحكومة المصرية المتبعة مواصلة «حسم» النمو وتوسيع نطاقها.
ولا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت «حسم» ستستمر وتنمو في مصر أم لا؛ فالتوجّه العام يقول إنها بالفعل وسّعت عضويتها وقدراتها على مدار العام الماضي. وفي الوقت نفسه، توضح مزاعم الحكومة بقتل العشرات من أفراد الحركة، حتى لو كانت الأرقام مبالغًا فيها، أنّ شبكة الحركة أصبحت واسعة للغاية وأصبحت أكثر قدرة على تعويض النقص في أعضائها.