لا شك أن أزمة الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرضت نفسها على الساحة في الفترة الأخيرة، ولا شك كذلك أنها أزمة كبرى زلزلت كيان كل مسلم غيور على دينه ومحب لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكنها في الوقت نفسه ليست شرا مطلقا لأنها كشفت لنا عن أزمات أخرى حقيقية نعاني منها في مجتمعاتنا المسلمة، ولابد أن ننظر لهذه الأزمات المكتشفة بعين فاحصة ونحاول جاهدين أن نبحث لها عن حلول حقيقية وسريعة حتى نتعلم من الدروس التي نمر بها.. فمن العيب أن نقع في الخطأ نفسه أكثر من مرة..
أول هذه الدروس التى يجب أن نتعلمها هو الحكمة في معالجة أمورنا ومشاكلنا وعدم التسرع والنظر إلى الأمور نظرة عميقة كاشفة لكل جوانبها فليست هذه أول مرة يساء فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنذ بضع سنوات كان الكاريكاتير الساخر الذى صنعه الرسام الدنماركي اللعين وغير ذلك كثير.. وفي الماضي تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأنواع كثيرة من الأذى وكان أشد ما تعرض له حادثة الإفك ومع ذلك عالج القرآن الموقف بحكمة عظيمة، وعالج الرسول الموقف أيضا بحكمة بالغة، ولما انتهت الأزمة تبين للمجتمع المسلم ما حملته هذه الأزمة من الخير للمسلمين، (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
الدرس الثاني: إذا كان أعداء الإسلام يصنعون مثل هذه الأزمات لتنفير شعوب العالم غير المسلمة من الإسلام اعتمادا على ردود بعض الأفعال غير المسئولة من بعض المسلمين.. فيجب أن نقلب السحر على الساحر ونتخذ مثل هذه الأزمات وسيلة لنشر ديننا الإسلام الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادلهم بالتي هي أحسن كما علمنا القرآن.. ونفضح كذبهم وافتراءاتهم بإظهار الصورة المشرقة للإسلام.
الدرس الثالث: إن هذه الأزمة كشفت عن ضعف الخطاب الديني في المجتمع وعدم أهلية كثير من الدعاة لحمل رسالة الإسلام الصحيح فلابد للدعاة أن يخرجوا من الدوائر الضيقة للموضوعات التى يحدثون فيها الناس وينشروا الفضائل والأخلاق والقيم في المجتمع.. هذا الجانب المشرق من الإسلام هو الذى يجب أن تصرف إليه الهمم وأن يحمله الدعاة للمجتمع.
وكذلك كشفت هذه الأزمة عن عدم أهلية بعض الدعاة لحمل أمانة الدعوة وأظهرت أنهم يحرصون على الشو الإعلامي أكثر من حرصهم على التفاعل مع قضايا المسلمين فتراهم في مثل هذه الأزمات يهربون من الحديث فيها حتى لا يغضب منهم أحد وحتى لا يفقدوا بعض جمهورهم الذى تعبوا في جذبه .. فهؤلاء لا يدورون مع الحق حيث دار.. وإنما يلوون عنق الحقيقة لتخدم مصالحهم.
الدرس الرابع: كذلك أظهرت هذه الأزمة أننا نستطيع أن نمنع مثلها في المستقبل إذا اتخذنا مواقف إيجابية صحيحة في مواجهتها وإذا حولناها لصالحنا وعلى قدر ردود أفعالنا المنضبطة المؤثرة تجاه أى أزمة تواجهنا ستكون نظرة المجتمعات الأخرى لنا. نستطيع أن نواجههم بالعقل والمنطق ونستطيع أن نوجعهم بلا ضجيج وبفاعلية، فنحن نملك الكثير من الوسائل الموجعة لأعدائنا ولكننا لا نحسن الاستفادة منها.
الدرس الخامس: كذلك كشفت الأزمة عن أزمة كبرى أخطر وأعمق وهى أزمة عدم توحد العالم الإسلامى وتشرذمه فلا يستطيع المسلمون أن يتحدوا في مواجهة أى خطر يحدق بالإسلام وكأنهم غير معنيين بالإسلام ..أو كأن أمر دينهم شيء هامشى في حياتهم، والغرب يعلم هذه الحقيقة عن المسلمين فيجب أن نغير هذه الواقع ونعود أمة واحدة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.. وأن يكونوا يدا واحدة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلمون يد واحدة تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.
الدرس السادس: وكذلك كشفت هذه الأزمة عن بعض خفافيش الظلام الذين لا يصطادون إلا في الماء العكر ويستغلون أى أزمة لنشر الفوضى وبث السموم في المجتمع.. وخير شاهد على ذلك بعض من كان يتظاهر ضد الفيلم المسيء للرسول ويقوم بالشتم وسب الدين فيا للعجب كيف يدافع عن رسول الله من يسب دين رسول الله.. أم أن هؤلاء مأجورون لإشاعة الفوضى وخلق الاضطرابات فى المجتمع..
إننا إذا تعلمنا هذه الدروس من تلك الأزمة فلاشك أننا سنسير في الطريق الصحيح.. وصلى الله عليك يا رسول الله فأنت مصدر الخير لأمتك في كل شيء.. وكل أمر يتعلق بك يجعله الله بركة لأمتك.. فطبت حيا وميتا يا رسول الله.