شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ذا ناشيونال إنتريست»: سياسات قطر في سوريا خدمية وتقدمية.. بعكس السعودية

وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني

قالت صحيفة «ذا ناشيونال إنتريست» إنّ سياسة قطر داخل سوريا أكثر تقدمية وحرصًا على خدمة المدنيين الذين عانوا من الصراع بين الأطراف المتنازعة في سوريا، إضافة إلى دعمها استراتيجيات تهدف إلى سوريا جديدة بعد الإطاحة ببشار الأسد تحتضن الأطراف والطوائف كافة؛ عبر دعمها الجماعات المعارضة المعتدلة، خلافًا للإمارات والسعودية اللتين دعمتا الفصائل المتطرفة.

وأضافت، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، أنّ الأزمة الخليجية بين قطر ودول مجلس التحالف الخليجي تطوّرت إلى صراعات على المصالح الإقليمية العديدة في الشرق الأوسط، وفي حين أرجعت دول التحالف اللجنة الرباعية التي تضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحظر على قطر إلى دعمها السياسي والأيديولوجي والاقتصادي المزعوم للجماعات الوهابية في منطقة الشرق الأوسط؛ خاصة أثناء الربيع العربي.

فالإمارات عملت جاهدة على نحو لا يخفى على أحد في حملة دبلوماسية في واشنطن بغية إقناع الدوائر السياسة الرئيسة بأنّ قطر، الدولة الغنية بحقول الغاز الطبيعي، كانت من الرعاة البارزين للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. وفي المقابل، كانت استجابة الإدارة الأميركية بقيادة ترامب غامضة، وبينما تبنى البيت الأبيض منذ البداية الجهود المشتركة للجنة الرباعية التي تسعى -على حد قولها- إلى تصحيح السياسة الخارجية الإسلامية المزعومة في قطر؛ كانت وزارتا الخارجية والدفاع أكثر حذرًا من سياسات البيت الأبيض المندفعة.

حالة ممتازة

هناك حاجة ضرورية إلى فهم دقيق على نحو أعمق للسياسات الخارجية والأمنية في قطر أثناء الربيع العربي؛ بهدف دراسة كيفية تطوير مصالح الدوحة وتقدمها وقيمها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي وتقييمها. وبالتالي؛ سياسة قطر في سوريا حالة ممتازة لتوضيح طموحات الدوحة ونواياها وعيوب تنفيذها.

عندما خرج أوّل متظاهرين إلى الشوارع في تونس أواخر عام 2010، رأى حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر آنذاك، ما يحدث فرصة عظيمة لمباشرة تنفيذ رؤيته للعالم. وعبر إدارة شؤون الدولة منذ أوائل التسعينيات، اقترح حمد طريقًا للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ بهدف مساعدة الدولة الصغرى على التقدم والدخول إلى القرن الحادي والعشرين. كان لزامًا على قطر أن تتحرر من القيود المحافظة جدًا للمملكة السعودية، التي أثّرت عليه؛ وهذا التحرر يبدأ بالتغلب على الأعراف الاجتماعية الراسخة، وتحرير التعليم وسوق العمل، وإدخال الحريات المدنية.

على الرغم من أنّ قطر لم تكن في طريقها إلى أن تصبح دولة ديمقراطية ليبرالية؛ فالأمير حمد استثمر في القيم الليبرالية مثل حرية الدين وحرية التعبير والخطاب الاجتماعي السياسي التعددي بين الأمير والجمهور. وبصرف النظر عن اكتشاف ثروة هائلة من الغاز الطبيعي، حرص حمد على ضمان تحقيق قدر كبير من العدالة الاجتماعية، والتوزيع المتكافئ للثروة بين المواطنين والمجتمع كافة؛ فأصبحت قطر، من نواح عدة، نظيرًا أكثر ليبرالية للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي عامة وفي الخليج العربي على وجه الخصوص.

أعرب الأمير حمد، الذي يرأس أغنى بلد للفرد في العالم، في أواخر 2010 وأوائل 2011، عن أمله في أن يؤدي الحفاظ على وجهة نظر سياسية ليبرالية إلى دعم القطاعات الرافضة للأنظمة الاستبدادية، وكذلك كانت قطر رامية إلى إحداث تحوّل في توجه المنطقة. وعلى خطى الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون، الذي تحدث عن الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، تصوّر كذلك حمد «الصحوة العربية» وهو حل واجه صعوبة وعوائق ضخمة في تحويله إلى حقيقة واقعية في العالم العربي.

بوصلة جديدة

في أعقاب سقوط الديكتاتوريات في تونس ومصر، واندلاع الحرب الأهلية في ليبيا؛ غيّرت قطر بوصلتها نحو سوريا في مارس 2011. أرسل الأمير حمد، مراهنًا على العلاقات الشخصية للأسرة الملكية مع الرئيس السوري الأسد، ابنه الأمير تميم لإقناع الرئيس السوري بضرورة التنحي. في مقابل ضمان طريق الإصلاح السياسي والانتقال السلمي للسلطة، وعد تميم بتعويضات ومساعدات مالية لبشار لجعل هذا الانتقال سلسًا قدر المستطاع. لكنّ الرئيس السوري رفض؛ ما غيّر موقف قطر نحو دمشق من المشاركة إلى المواجهة.

بدأت الدوحة العمل عبر تنسيق وثيق مع الإدارة الأميركية السابقة بقيادة أوباما على مبادرة لعزل نظام بشار، تمر عبر جامعة الدول العربية، في حين شكّلت تنظيمًا حاكمًا يمثّل المعارضة السورية، وهو ما عرف بـ«المجلس الوطني السوري». وشاركت قطر الغرب رؤيته لسوريا جديدة تستند إلى الشمول الاجتماعي السياسي والعدالة الاجتماعية والحريات المدنية، وهي رؤية لا تعني بالضرورة الانتقال إلى الديمقراطية الليبرالية.

وكان المجلس الوطني سيصبح الهيئة الاستراتيجية التي تدير المعارضة السورية على أنها تشبه هيئة حكومية في المنفى تمثل 60% من جميع المعارضين السوريين، تمسّكت الحكومة القطرية بإصرارها على أنّ أيّ مبادرة للمعارضة يجب أن تكون شاملة، وأن تمثل «إرادة الشعب السوري»؛ وهو طموح يبدو غير قابل للتحقيق في وقت قريب، بالنظر إلى تعدد البرامج التي تقسّم المعارضة واختلافها.

بينما كانت أكثر القوى المهيمنة في المعارضة هي جماعة الإخوان المسلمين، ودأب النظام السوري على مدار العقود الماضية على قمع المعارضة السورية. وبسبب العلاقات الشخصية القائمة مع الإخوان السوريين، قدّمت قطر على الفور الدعم إلى الإسلاميين المعتدلين، الذين قدموا أنفسهم على أنهم منظمون ومؤثرون، وأنّ لديهم رؤية اجتماعية وسياسية واضحة لسوريا الجديدة.

وعندما أصبح من الواضح أنّ «المجلس الوطني السوري» سقط في حروب واختلافات بين مخيمات المعارضة المختلفة، استخدمت قطر «علاقات الأخوة البعيدة» كوسيلة بديلة لتسليم البضائع إلى السوريين، التي قطعها عنهم نظام بشار.

سدّ الفراغ

وبحلول عام 2012، أظهرت تقارير أنّ المجالس العسكرية التي يشرف عليها تطوّرت إلى شبكات محسوبية فاسدة لم توفر للسوريين المعونة ولا الأمن، ثم بدأت الدوحة في الوصول إلى مجموعات فردية في الجماعات الإسلامية السورية المعتدلة، التي كانت في أغلب الأحيان مرتبطة بالإخوان المسلمين، ورأت قطر أنّ لهذه المجموعات سجلًا أفضل في توفير السلع؛ باعتبارها مكملة لخدمات النظام محليًا عبر جمعياتها الخيرية.

وهكذا، ليست سياسة قطر في سوريا أيديولوجية ولا دينية؛ لكنها عملية. كما اعتبرت الدوحة أنّ العمل الخيري للجماعات الإسلامية أكثر فعالية وموثوقية وشمولية من الجمعيات الخيرية العلمانية. وهكذا، في الوقت الذي تفكك فيه النظام الاجتماعي السياسي القائم في العالم العربي، رأت قطر أنّ الجماعات الإسلامية القوة الوحيدة المتاحة القادرة على سدّ الفراغ الاجتماعي السياسي الذي خلّفته الأنظمة الفاشلة؛ على الأقل مؤقتًا.

تدخلات خارجية عسكرية

وقدّمت قطر في البداية الدعمين المالي وغير العسكري للمجالس العسكرية الإسلامية؛ ما سمح بتوفير السلع والخدمات العامة في المناطق المحررة من قوات النظام، وتألفت هذه المجموعات من سوريين أصليين، تجمعهم معًا عقيدتهم الإسلامية، وتسترشد بمبادئ الإدماج الاجتماعي والالتزام بالأمن العام؛ في الوقت الذي لا يزال فيه الجهاديون السلفيون أقلية ضئيلة في سوريا.

وبينما كانت طموحات قطر نبيلة، ثبت أنّ النهج المثالي لدعم المعارضين المستقلين كان صعبًا، وعلى غرار الولايات المتحدة، استثمرت المملكة العربية السعودية وتركيا في تدريب المعارضين وتجهيزهم على الأرض، ووجدت قطر أنّه من الصعب الاحتفاظ بالسيطرة على الأنشطة التشغيلية والتكتيكية التي يقوم بها وكلاؤها هناك. في الوقت نفسه، كانت استراتيجية إدارة أوباما في أحسن أحوالها «مترددة»؛ ما أدى إلى تأخير دعم قطر للمعارضين المعتدلين، وسمحت للجماعات المتطرفة بالاستيلاء على الأرض، وهي نتيجة حتمية للبيئة التي خلقتها إدارة أوباما هناك.

إضافة إلى ذلك، فإنّ تدخل إيران وروسيا كان عاملًا أكثر حسمًا. وباعتبار أنّ رعاة بشار اعتنقوا المعارضة المعتدلة، تمكّنت جبهة النصرة وتنظيم الدولة من توطيد سلطتهما؛ وتلبية ادّعاء بشار بأنّ نظامه يحارب الإرهاب.

وبدا أنّ المعارضة السورية المعتدلة تقاتل في معركة شاقة وسط بيئة «جيوستراتيجية» مقيدة، إذ لم تكن هناك قوى غربية مستعدة للالتزام الكامل بأن تكون «على الجانب الصحيح من التاريخ»، فقد سحبت قطر ضباط الاتصال العسكريين الخاصين بها من سوريا في عام 2014. بينما واصلت الجمعيات الخيرية في الدوحة تقديم المساعدات للمجالس المحلية السورية. لكن، مع انتشار الجهاديين السلفيين هناك؛ لم يعد من الممكن تقديم الدعم العسكري للجماعات على الأرض.

بينما فشلت جهود قطر في الوصول بشكل غير مباشر إلى «أحرار الشام وجبهة النصرة»؛ بسبب عدم رغبتهما في الامتثال لسرد قطر الاستراتيجي لخدمة الشعب السوري بشكل شامل من أجل خلق نظام اجتماعي وسياسي أكثر تحررًا في مرحلة ما بعد بشار، وهو مستقبل لا تستطيع قطر ولا السعودية تشكيله؛ إذ هُزمت الجماعتان من تنظيمات مقاتلة جاءت للسيطرة على المعارضة السورية في عام 2014.

وختمت الصحيفة بأنه على الرغم من سوء التقدير الاستراتيجي، كانت أهداف قطر في سوريا متّسقة على نطاق واسع مع أهداف الغرب. وفي الوقت الذي تخلّت فيه الولايات المتحدة وأوروبا عن مواجهة مصير بشار البشع، حاولت قطر مساعدة السوريين على بناء مستقبل ما بعد السلطويةح معتمدة في ذلك على جماعات المعارضة المعتدلة في سوريا التي وعدت باحتضان التعددية والحريات المدنية والإدماج الاجتماعي السياسي، ولم تسع قطر تمويل أمثال جبهة النصرة أو تنظيم الدولة وتسليحهما؛ لأنها تتنافى مع قيم الليبرالية النسبية في الدوحة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023