شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الواشنطن بوست»: السعودية سمحت للمرأة بالقيادة ونسيت الإصلاحات الديمقراطية

الناشطة السعودية عزيزة يوسف

قرّرت السعودية منح النساء السعوديات حقهن في قيادة السيارة بأوامر ملكية في أواخر سبتمبر، بعد عقود كانت فيها أمرًا محظورًا؛ وجاء هذا التغيير ليجسّد تطورات تهز الأسس المحافظة. ولكن، لم يُقدم هذا الحق للمرأة على طبق من فضة؛ إذ جاء بعد مسار طويل من النضالات النسائية، منذ بداية التسعينيات، ولم يخل من تنكيل بهنَ والاعتقال والتشهير. وبينما اعتادت المملكة أن تعتقل أيّ صوت سياسيًا مستقلًا، جاءت الاعتقالات الأخيرة على نحو مختلف، حسبما نشرت صحيفة «الواشنطن بوست».

وتضيف، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، أنّ وسائل إعلام قالت إن الحملة استهدفت «الإسلاميين»، بينما كان المعتقلون في الواقع يمثلون مجموعًا أوسع يشمل انتماءات أيديولوجية؛ إذ يضم تيار الإسلاميون في جعبته كلا من المحافظين المتطرفين والتقدميين، مع وجهات نظر تختلف عن بعضها البعض داخل إطار أوسع.

وعلى سبيل المثال: قام المحافظون، ومنهم محمد الحبدان، بحملة شديدة ودؤوبة لتبني مزيد من المحافظة الاجتماعية ورفض أكبر للديمقراطية. في الوقت نفسه، يدعم التقدميون، ومنهم سلمان العودة، ظهور الانتفاضات العربية عام 2011 والدعوة إلى تأسيس نظم ملكية دستورية؛ بل وعارضوا قمع الدولة للمثلية الجنسية.

وشملت قائمة المعتقلين أيضًا نشطاء شبابًا من المثقفين الإصلاحيين داخل الحركة السعودية المؤيدة للديمقراطية منذ عام 2011؛ من بينهم عبدالله المالكي، صاحب كتاب «عن الشرعية الدينية للسيادة الشعبية» الصادر عام 2012.

كما قُبض على مصطفى الحسن، مؤسس منتدى «شباب عموم الخليج»، الذي شجّع على تطوير مؤسسات المجتمع المدني. وأيضًا من بين المعتقلين الآخرين عصام الزامل، رجل الأعمال الشاب الذي يتخذ من حسابه على «تويتر» منصة لتقديم نقد دقيق للأداء الاقتصادي السعودي، وحسن المالكي، الناقد البارز للوهابية والهدف الرئيس للمحافظين.

علماء وكتاب ومثقفون سعوديون شملتهم حملة الاعتقالات

كبش فداء

سابقًا كانت الشرطة تستدعي بحرص الشخصيات العامة ومن تريدهم السلطات. لكن، هذه المرة، قُبض على معظم المعتقلين من المنزل، أمام أسرهم. ووفقًا لمقابلات أجرتها «الواشنطن بوست»، استجوبت السلطات العشرات من الشيوخ والمثقفين والنشطاء، وهدّدتهم، وعلمت الصحيفة أنّ هذه الاعتقالات لم تُنفّذ عبر وزارة الداخلية، كما هو مفترض؛ وإنما من هيئة أمنية جديدة أنشئت في يوليو: «قيادة أمن الدولة»، التي تقع مباشرة تحت سلطة المحكمة الملكية.

ظهر جهاز أمن الدولة السعودي منذ صعود محمد بن سلمان وليًا للعهد وإدارته شؤون البلاد

قدّمت السلطات جوابًا رسميًا عن سؤال يُطرح: ما الأمر الذي يفسّر هذه التغييرات السياسية؟ ليقول بيان رسمي صدر في 12 سبتمبر إنّ هذه الاعتقالات جزءٌ من حملة أمنية تستهدف «خلايا استخباراتية لصالح الأطراف الأجنبية»؛ في إشارة إلى قطر. ومعظم المعتقلين تجنبوا بالفعل التصريح بأيّ موقف أثناء الأزمة.

بعد أربعة أشهر من المقاطعة دون إحراز تقدم ثمين، ربما قررت السلطات السعودية المناورة بتقديم كبش فداء، من المفترض أنهم «عملاء قطريون» محليون. ومع ذلك، هذه الاعتقالات لها أسباب أعمق تحتاج إلى تحليل سليم.

صراع مع الإسلاميين

حتى أوائل التسعينيات، حافظ النظام السعودي على علاقات وثيقة مع جماعات إسلامية، بعدما بدأت من الستينيات؛ إذ استقبلت المملكة آلافًا من الإخوان المسلمين الذين اضطهدتهم الأنظمة القومية العربية. وفي الثمانينيات، تمتّع الإسلاميون المعارضون المقاتلون في أفغانستان بحماية المملكة.

بعد دخول صدام حسين الكويت عام 1990، قاد النشطاء حركة تعارض دعوة العائلة المالكة لقاعدة القوات الأميركية؛ ما أدى إلى نشوء حركة إسلامية قوية على ترابها. وأدخلت هذه المعارضة شخصيات رئيسة إلى الحركة، بمن فيهم آل عودة، إلى السجن، وزرعت بذور انعدام الثقة بين النظام والإسلاميين المحليين والأجانب.

ندّد وزير الداخلية الأسبق الأمير نايف في عام 2002 بجماعة الإخوان المسلمين واعتبرها «مصدر كل الشر في المملكة العربية السعودية»، واستمر الشكّ هذا في النمو بحلول الربيع العربي؛ إذ فاز الإسلاميون بأول انتخابات ديمقراطية في تونس ومصر، واستلهم إسلاميون سعوديون مبررات وأسباب تدعو إلى إجراء إصلاحات في المملكة، بما في ذلك إعلان فبراير 2011 «نحو دولة الحقوق والمؤسسات» بدعم من نحو تسعة آلاف موقّع.

شهد عام 2013 توجيه ضربة عنيفة من السعودية إلى الإسلاميين؛ بحيث دعم النظام السعودي بكل ما أوتي من قوة الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، ثم حدّدت الإخوان وكل المنظمات التي تشبهها بأنها «كيانات إرهابية».

ملك السعودية حينها عبدالله في لقاء له مع السيسي ودعمه للانقلاب العسكري

وأطلقت السعودية وحلفاؤها في مارس 2014 حملة أولية ضد قطر، كانت إلى حد كبير بسبب دعم الدوحة للإسلاميين. ومنذ ذلك الحين بات معروفًا للإسلاميين السعوديين أنهم في مواجهة أخطار عديدة؛ لكنّ الملاحظ أنّ الحملات السابقة من الاعتقالات اقتصرت على نشطاء حقوق الإنسان والإسلاميين الأقل شهرة.

تفكيك النظام

تعامل النظام مع الصراعات السياسية بالمشاركة، حتى وفاة الملك عبدالله في 2015، وفي ظل هذه «الاستبدادية الأبوية» كان القمع دومًا الحلّ الأخير. كانت الدولة السعودية مفتتة؛ إذ تتوازن القوة فيها بين العائلة المالكة والمؤسسة الدينية، وكذلك بين أعضاء بارزين من العائلة المالكة نفسها، لكل منهم قطاعه ومريديه.

كان الحكم في السعودية بمثابة لعبة ثابتة من الضوابط والتوازنات؛ ما سمح ببعض التعددية السياسية، مهما كانت مقيدة. واتسمت الألفينات بمناقشات حية بين «الإسلاميين» و«الليبراليين». ولا يزال صنع القرار حقًا حصريًا تحتفظ به الأسرة المالكة؛ ولكن هذه المناقشات كانت مهمة.

بينما يجري الآن تفكيك هذا النظام، بدءًا من العامين الماضيين؛ إذ ارتفع ولي العهد محمد بن سلمان بسرعة، وتوالت سرعة استيلائه وسيطرته على معظم مقاليد الحكم داخل الدولة، بدعم من والده الملك سلمان؛ فنجح الأمير في تهميش الفصائل الملكية المتنافسة، لا سيما ولي العهد السابق محمد بن نايف، الذي يُقال إنه الآن يخضع إلى الإقامة الجبرية، وأُضعفت السلطة المستقلة للمؤسسة الدينية، وألغت مؤخرًا سلطة الشرطة الدينية في اعتقال «المجرمين الأخلاقيين».



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023