منعطفا جديدا وحاسما دخل سوريا بسقوط الرقة، من «تنظيم الدولة»، لتقع في أيدي قوات سوريا الديمقراطية والمعروفة بـ«قسد» والمدعومة من الولايات المتحدة الاميركية، لتتسبب الاشتباكات والغارات التي نفذها التحالف، في دمار كبير بالأبنية والطرق والبنى التحتية.
ورأى سياسيون ونشطاء أن ما حدث في الرقة ليس تحريرا بل سقوط جديد، وتبديل للرايات من السوداء «تنظيم الدولة» إلى الصفراء «الخاصة بقسد»، لافتين إلى حجم التخريب الذي طال المدينة جراء الهجمات الجوية، معلقين على مقطع فيديو قارن بين استعراض لعناصر تنظيم الدولة في الرقة عام 2014، وتشابهه مع دخول الدبابات في ميدان دوار النعيم عام 2017.
وقال نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش» إن التحدي المتمثل في إعادة تشغيل المدينة ثانية أمراً أكثر صعوبة اليوم، موضحا الكوارث التي خلفها التنظيم على مدى 4 سنوات من سيطرتها، مزقت الكثير من النسيج الاجتماعي للمنطقة وأفرغته من الأطباء والممرضين والمعلمين.
ولفت حوري إلى أن «التحالف زاد من حجم الكارثة بحملة تفجيرات» مضيفة أنه « يبدو أنها فضلت هزيمة داعش (تنظيم الدولة) على ضرورة توفير الحماية الكافية للسكان أو البنية التحتية للمدينة».
شاهد :
الرقة 2013
الرقة 2017
المكان : دوار النعيم ..
التفحيط نفسه .. pic.twitter.com/2yOx54Gj7u— موسى العمر (@MousaAlomar) October 17, 2017
كيف سقطت الرقة؟
أعلنت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة، التي كانت تعدُّ أسماها تنظيم الدولة بـ «عاصمة الخلافة» إبان سيطرته عليها عام 2013، وتعتبر أكبر وأهم معاقله في سوريا، وتمكنت القوات المهاجمة من استعادة ملعب ومستشفى المدينة، لتكتمل سقوط الرقة في يد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، خلفت وراءها مئات الألوف من البيوت المدمرة وملايبن المشردين من العرب السنة .
وتشير الأنباء إلى أن مئات المسلحين غادروا المدينة محتمين بالمدنيين بالاتفاق مع الأمريكيين والكرد، في صفقة غير معلنة بين التنظيم من جهة وقوات قسد من جهة أخرى برعاية عشائرية.
وفي المقابل نفى التحالف الدولي بقيادة واشنطن مشاركته في الاتفاق الذي يخرج بمقتضاه من الرقة قافلة تقل عناصر التنظيم إلى مدينة دير الزور، معلنا أن عددا من مسلحي التنظيم استسلموا لقوات سوريا الديموقراطية في الرقة خلال الساعات الماضية.
ومن جهته، قال البروفيسور المختص في العلوم السياسية، والخبير البارز في مركز الدراسات العسكرية -السياسية التابع لمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ميخائيل ألكسندروف:إن «ادعاء الولايات المتحدة بأنها لم تشارك في المحادثات حول تأمين ممر آمن للإرهابيين من الرقة يتنافى قطعا مع الواقع. فقد أشرف على هذه المحادثات وكلاء يمثلون الجانب الأمريكي مما يسمى بقسد»، بحسب روسيا اليوم.
وبحسب مصادر خرجت حافلات المقاتلين من المدينة، وسط تحليق مكثف لمقاتلات التحالف الأميركي في سماء المدينة .
استراتيجية أميركا في دعم الأكراد
بسقوط الرقة في أيدي الأكراد، متمثلين في قوات سوريا الديموقراطية بدعم من الولايات المتحدة، تم كشف الاستراتيجية الأميركية التي تتبناها في سوريا، على عكس الاوضاع في العراق، عندما نفضت يدها عن أكراد أربيل، وتركتهم في مواجهة السلطات العراقية.
وتتضارب التحليلات السياسية حول إبقاء الولايات المتحدة الاميركية، للقوات الكردية، للحفاظ على المكتسبات الأميركية داخل سوريا، من وقوعها في يد النظام السوري المدعوم من روسيا، أو تسليمها لمجلس مدني يتولى عملية إعادة إعمار المدينة.
وصرح الباحث في الشؤون الإسلامية، حسن الدغيم أبو بكر، أن «السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تعتمد على تدمير المدن وتهجير اهلها وتشريد الشعوب واحلال قوى غريبة بدل السكان المحليين ».
وأوضح «أبو بكر» في تصريح لـ«رصد»، أن «استراتيجية الولايات المتحدة تضمن لها تنفيذ المشاريع الامريكية من تمويل الحرب وعقود إعادة الإعمار وإبقاء شرعية الوجود الامريكي العسكري في الشرق الاوسط».
وأشار «أبو بكر» إلى أن «الرقة انتقلت من محتل لمحتل لافرق بينهما إلا ان المحتل الداعشي لم يكن عنده سلاح جوي لتدمير المدن»، مضيفا أن « الجيش السوري الحر ومؤسسات الثورة هي الطريق الوحيد للوقوف مع الشعب السوري».
ومن جهته قال الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيك هيراس، إنه يجب على الولايات المتحدة الأميركية، إرسال إشارة بالاحتفاظ بقوة في المناطق المستعادة، بهدف يتمثل في تقييد قدرة إيران على إعادة السيطرة على كل أنحاء البلاد باسم الأسد، وفقا لما نقلته «رويترز»
سياسة الأرض المحروقة
وفي ذات السياق، أكد الباحث والمحلل السوري، خليل المقداد، أن الولايات المتحدة «راغبة بخلق الفوضى التي تساعدها على التلاعب بكافة الأطراف وتجنيدهم لخدمة مصالحها، فجميع القوات المحلية المشاركة في عمليات السيطرة على الرقة عبارة عن مرتزقة وعصابات يقودها أشخاص إما طائفيون أو فاسدون همهم الوحيد السلطة والمال».
وقال المقداد، في تصريح لـ«رصد»، إنه «بالنظر لطبيعة المعارك، التي تدعمها أميركا، لوجدنا أن التحالف الدولي قد اعتمد على سياسة الأرض المحروقة والتدمير الكامل بقصفها من الأرض والجو لتدخلها الميليشيات الرديفة وتبدأ عمليات الإعتقال والتعفيش، ونهب الممتلكات بعد أن تم قتل وتهجير واعتقال سكان هذه المدن».
ولفت المقداد، إلى أن الولايات املتحدة، تحاول الوصول إلى أهدافها،دون دفع فاتورة الدم، لذا فهي تعتمد على أدوات محلية، منها «الحشد الشيعي والبيشمركة في العراق، بينما تم تجنيد وحدات الحماية الكردية الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني المعزز بعناصر كردية تركية ومرتزقة أوربيون وعرب ينضوون تحت راية ما يسمى قوات سورية الديموقراطية ».
مصير المدينة
قال التحالف الدولي، إنه يخطط لتسليم المدينة التي حررها من تنظيم الدولة، إلى مجلس حكم مدني يضم عدداً من الشخصيات العربية والكردية، مشيرا إلى أنه من يتولى إعادة الإعمار للرقة.
وخلفت المعارك الاخيرة دمارا كبير، قال نشطاء أن 80% من المنشأت والبنية التحتية دمرت بالكامل، فيما يعتبر البعض هذه النسبة مبالغ فيها، وإنها لا تتعدى حوالي 60%.
واجتمع المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للتعاون الدولي حول مكافحة «داعش» بريت ماكغورك مع رؤساء وأعضاء مجلس الرقة المدني، منذ يومين، قيل أنه من أجل تأكيد دعمهم إعادة بناء الرقة وتقديم المساعدات لهم في كل المجالات.
وأكد نائب قائد التحالف الدولي روبرت جونز، أن التحالف «جاد بدعم مجلس الرقة المدني الموجود في عين عيسى، وهو المجلس الذي سيدير الرقة، وسيحصل على ما يحتاج ليساهم بإعادة دور الحياة إلى طبيعتها في المناطق المحررة من داعش».
ومن جهته، شكك المقداد في النوايا الأميركية، لإعادة إعمار المدينة، مؤكدا أنه «لا يوجد مستقبل واعد بالنسبة للمدن التي دخلها الحشد الشيعي في العراق أو تلك التي دخلتها قوات «قسد» الكردية وحلفائها في سورية»، موضحا أنه «في كلتا الحالتين نحن أمام ميليشيات طائفية همها الوحيد طرد السكان المسلمين العرب والإستيلاء على ممتلكاتهم وسرقة الثروات الموجودة في المنطقة».
ولفت إلى «أنه لا يمكننا اعتبار الرقة مدينة محررة بل محتلة ويجب طرد المحتل منها بأي وسيلة بغير هذا فإن مستقبلها في سيكون مأساوياً».
وتحاول الولايات المتحدة تثبيت أقدامها في المدينة لمحاولة منع قوات بشار الأسد، المدعوم من إيران وروسيا من محاولة استعادة السيطرة عليها، إلا محللون اكدو أن موقف روسيا في الرقة ضعيف، ومستبعد أن تدخل في صراع مع واشنطن في الرقة.
وكانت منظمة «إنقاذ الطفل» حذرت من تفاقم الأزمة الإنسانية في المدينة على الرغم من انتهاء العمليات العسكرية، موضحة في بيان أن «حو 270 ألف شخص فروا من القتال في الرقة ما زالوا بحاجة ماسة إلى المساعدات، في وقت تضيق المخيمات بعدد كبير من النازحين».