سيطر عبدالفتاح السيسي، رئيس المخابرات العسكرية السابق، على السلطة في مصر بعد انقلاب عسكري في يوليو 2013، وحَكَمَ البلد بقبضة حديدية أكثر من أيّ رئيس سابق، ويدير سياسته الداخلية والخارجية بطريقة تقول إنّ «القوى الغربية ستفعل كل ما يلزم كي لا ينهار نظامه؛ لأنّ انهيار مصر من انهيار نظامه»، أو هكذا يعتقد. وهذا الانهيار حدث بالفعل، وساهمت فيه القوى الغربية نفسها، حسبما أكدت مجلة «بروسبكت» البريطانية.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ تدخل القوى الغربية في الدول المجاورة لمصر، أو التي لها مصالح بطريقة ما فيها، «كارثي»؛ فقد أظهرت الفوضى في ليبيا بوضوح التكاليف الضخمة والسيئة التي تتحملها أوروبا لتدخلها «الفاشل» في دولة تعداد سكانها أقل من مصر 15 مرة. أما في مصر، التي تشمل 30 مليون مواطن يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، سيغادرها طوفان من البشر إلى شواطئ أوروبا كما حدث مع ليبيا. كما سيرافق الطوفان البشري مجموعة أخرى من «الإرهابيين والمتطرفين»، ستكون أشبه بمحاولة تصدير للإرهاب.
وقالت المجلة إنّ تنظيم الدولة ما زال فعّالًا في شبه جزيرة سيناء بمصر، وبعد ست سنوات من ثورة يناير، لم تستطع قوات الأمن حتى الآن القضاء عليه. وبينما انخفض خطره على المحافظات الأخرى نوعًا ما؛ ما زال يشكّل تهديدًا كبيرًا بوجوده في سيناء، كما ينتشر تهريب الأسلحة إلى مصر عبر الحدودين الليبية والسودانية، كما يقود تنظيم القاعدة المصري أيمن الظواهري، الذي يهدف إلى وجود فرع لمنظمته على ضفتي نهر النيل ضمن مسافة قريبة من الأهداف الغربية هنا.
انهيار مصر يساوي لاجئين أكثر لأوروبا
وأضافت المجلة أنّ القادة الغربيين يدعمون السيسي لأنهم يعتقدون أن الإرهاب هنا سيؤثر بشكل ما على مصالحهم في مصر؛ لذا يبذلون كل ما في وسعهم لدعمه. وأعادت إيطاليا العلاقات مع مصر مرة أخرى عقب قتل قوات أمنها الباحث جوليو ريجيني، ووعدت بأنها ستستأنف السياحة مرة أخرى إلى مصر؛ في محاولة لإنقاذ القطاع المنهار بالفعل.
وعقدت أنجيلا ميركيل مع السيسي صفقة بقيمة ثلاثة مليارات يورو، شبيهة بتلك التي عقدتها مع أردوغان في نوفمبر 2015؛ مقابل المساعدة في وقف تدفقات اللاجئين إلى أوروبا. وتسلمت مصر بالفعل الدفعة الأولى في مارس الماضي؛ ما يعني أنها مقابل ختم حدوده ومنع انهيار البلد، كي لا يتدفق مزيد من اللاجئين إلى أوروبا.
ولم يختلف ترامب عن القادة الأوروبيين، وتعهّد الرئيس الأميركي بمواصلة المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار. وبخصوص الأزمة الأخيرة وحجب مساعدات؛ فإنها لأسباب سياسية أخرى، وهي علاقة مصر مع كوريا الشمالية.
فاق تجاوزات عبدالناصر
هذه العوامل جعلت السيسي يعتقد أنه يمتلك القوة المدعومة من الغرب للقيام بأي شيء في مصر؛ وما دام وجيشه يسيطران على مصر فالقمع آخذ في الارتفاع إلى مستويات لم تكن معهودة من قبل في التاريخ الحديث، حتى إنّ نظام عبدالناصر الذي قتل المواطنين وسجنهم وعذّبهم وحرمهم من حقوقهم المدنية والسياسية كافة لم يستطع مضاهاة ما يفعله السيسي الآن.
لكنّ الأكثر فظاعة، بحسب المجلة، صمت الحكومات في واشنطن وبروكسل وبرلين ولندن وباريس وغيرها من العواصم الغربية؛ إذ لم يظهر حتى أيّ انتقاد للطريقة التي ينفق بها عبدالفتاح السيسي الأموال التي يتلقاها ويبددها كلها على جيشه، وأصبحت مصر رابع أكبر مشترٍ للأسلحة على مستوى العالم.
وتعدّ فرنسا المصدر الرئيس لهذه الكميات من الأسلحة، وكانت آخر صفقة مقاتلات الرافال وحاملة الطائرات، كما رأت ألمانيا أنه من المناسب بيع الغواصات البحرية إلى مصر.
واستهلك الجيش بمشاعره الوطنية والاقتصادية كل الأموال التي كان من المفترض إنفاقها على أوجه التنمية في مصر، وأصبح إنفاق مصر على هذه الأوجه أقلّ من أي بلد عربي؛ باستثناء اليمن الفقير.
خطر الانفجار
بينما يزيد عدد السكان في البلد المتنامي بسرعة رهيبة، ولا توجد استثمارات كافية لتغطية العدد المتزايد، وهو ما يضيف إلى مصر تحديات إضافية؛ إذ يتركز 95% من السكان على ضفتي النيل فقط، ويضم كل متر مربع 1450 شخصًا مقارنة بـ500 شخص في دول مثل هولندا، وهي أكثر البلدان الأوروبية استقرارًا.
وختمت المجلة بأنّ القادة الأوروبيين يساهمون في جعل مصر أكثر استقرارًا بعكس الوضع الحقيقي؛ إذ أصبحت على حافة الهاوية نتيجة سوء إدارة الجيش للبلاد العملاقة منذ استيلائه على السلطة في عام 1952، كما ساهم إنفاق السيسي الضخم على الجيش ومشاريعه الضخمة المختلفة، مثل بناء عاصمة جديدة، في زيادة معدل التضخم لما يزيد على 30%، وخفض قيمة العملة لأكثر من النصف في ليلة واحدة؛ مؤكدة أنّ مشاريعه ليست لها فائدة وتعوق الاستثمار الخاص.
ومع تفاقم الأوضاع وتدهورها، يواجه السيسي الآن خطر انفجار سيؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية، وبالرغم من أنّ مصر أكبر من الفشل؛ فسياسة السيسي ودعم نظامه القمعي والاستبدادي ليسا الطريق لإنقاذها، بل يعجلان من انهيارها وفشلها.