رصدت صحيفة «الجارديان» نتائج الأوضاع المتردية في الدول الأفريقية والشرق الأوسط عامة، المتمثلة في زيادة الإقبال على الهجرة إلى الحلم الأوروبي، ومن أجل العبور إلى جنة أوروبا يمر المهاجرين بجحيم ليبيا، إذ ينتشر العنف والاعتداء الجنسي في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء شمال ليبيا، حيث تستقبل العديد من المهاجرين الأفارقة، ويواجه المهاجرون أوضاع مرعبة على المستوى الإنساني في أماكن احتجازهم.
ووفق ما ترجمته «شبكة رصد» أصبحت مراكز المهاجرين في هذا البلد، التي تضم آلاف الأشخاص الذين استولوا على عمل الاتجار بالبشر عبر ليبيا، وباتت ليبيا مشهورة بالسخرة والعنف والتعذيب والاغتصاب تجاه هؤلاء الباحثون عن لقمة عيش هنية حرموا منها في أوطانهم.
يوجد في جنوب طرابلس، مركز «أبو سليم» وهو يقترب من استراحة مخصصة للذين كانوا على الطريق لعدة أسابيع أو شهر، وتديرها وزارة الداخلية، وهي واحدة من عدد قليل من مواقع الاحتجاز في ليبيا التي يمكن للصحفيين زيارتها بأمان، حيث هناك عيادة صحية، ومطبخ، وصالات نوم مشتركة وأسرَة، ومسجد للصلاة.
ولكن الأمل ضئيل، فقد قام المهاجرون ال 150 العالقون هنا برحلات خطره، من مالي والنيجر ونيجيريا وكوت ديفوار وبوركينا فاسو وغينيا والسنغال، ولكن مركز «أبو سليم» هو نهاية الطريق، فمن المرجح أن تكون تلك المنطقة هي الأقرب للإبحار نحو أوروبا. ولكن ستكون المرحلة النهائية التالية من رحلتهم هي رحلة العودة إلى الوطن.
وذكرت «الجارديان» أنه منذ تكثيف الاتحاد الأوروبي جهوده لمنع المهاجرين الأفارقة من السفر شمالا بالآلاف، أصبحت ليبيا، التي كانت يوما ما محطة للهجرة إلى أوروبا، تحولت إلى حد كبير إلى عائق، وقد اقتنعت السلطات بسلسلة من الصفقات الدبلوماسية لتعزيز جهودها، إذ أن العديد من عصابات التهريب أيضا تم اعتقالها.
وتروي قصة «علي»مع الهجرة، فهو نيجيري يبلغ من العمر 24 عاما احتجز في أبوسليم لعدة أسابيع، انتهى إلى قرار العودة إلى دياره، ويقول إنه «كان هناك الكثير من العمل في الوطن ولكننا كنا فقراء، وتوفيت والدتي وأردت الذهاب إلى أوروبا لضمان مستقبل أفضل لأبي وأخوتي الآخرين ».
وسافر هو وشقيقه مختار أولا إلى النيجر، حيث يوجد مركز هجرة سرية وإتجار بالبشر في غرب أفريقيا، دفعوا 300 يورو لأجل عبور الصحارى والجبال مع مجموعات أخرى، وهو طريق متعرج نحو وجهة مجهولة، بعد توقف آخر طويل في مصراتة، وهناك دفعوا 300 يورو آخرى لأجل المغادرة من «غارابولي» شرق طرابلس.
لكن رحلة القارب في البحر لم تحدث نهائيا، وقبل الصعود إلى الطائرة، اعتقلتهم الميليشيات المحلية وجلبتهم إلى مرطز أبو سليم. ويظل المعتقلون عادة في المخيم لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر قبل إعادتهم إلى بلدهم الأصلي.
وذكرت «الجارديان» أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قدرت أن هناك حوالي 30 مركز احتجاز تديرها الحكومة في ليبيا، ولكن هذا لا يشمل المرافق السرية التي يديرها التجار السريون والميليشيات. ويعتقد أن مئات الآلاف من المهاجرين موجودون في البلد.
يقول «روبرتو مينيون» رئيس المفوضية العليا للاجئين في ليبيا، إنه «بشكل عام، الظروف سيئة جدا في مراكز الاحتجاز تلك» وأضاف أنه «في أفضل الأحوال فإنهم يعملون بشكل او بآخر، لكن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وارتكاب اعتداءات جنسية هناك».
وتحاول المفوضية مساعدة المهاجرين على الخروج من مراكز الاحتجاز غير المشروعة أو المرافق التي تديرها المليشيات. لكن حرية الوكالة في العمل تقتصر على وضع أمني سيئ، إذ يعمل «مينون» وموظفوه عبر تونس، بمساعدة بضعة عشرات من المشاركين الليبيين، من الداخل.
وأضاف «مينون» أن «الوضع الأمنى معقد للغاية ومن المحبط عدم أمكانية الوصول إلى جميع المحتجزين، ليس لدينا نظرة عامة على مراكز احتجاز الميليشيات أو المتاجرين بالبشر أو السجون»
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ الإطاحة بمعمر القذافي2011 عملت ليبيا كبلد جاذبة للمهاجرين اليائسين لبدء حياة جديدة في أوروبا، وبعد تسجيل أرقام قياسية للمهاجرين إلى إيطاليا2016 وأعداد لم يسبق لها مثيل ماتوا في البحر المتوسط على مدى العامين الماضيين، أشار الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل حل جديد يستهدف مشكلة الهجرة من خلال عقد سلسلة من الصفقات مع ليبيا في وقت سابق من هذا العام .
وقد عقدت سلسلة من المشاورات بين وزير الداخلية الإيطالي «ماركو منيتي» وعمدة جنوب ليبيا ومع الذين يمثلون المجموعات المحلية والقبائل، وحددت الصفقة سبعة «عناصر» لتهدئة الفصائل المختلفة، من التبو إلى بني سليمان، تقضي بالتزام مشترك بوقف الإتجار بالمهاجرين. وقد حظي هذا المشروع بتأييد كبير من قبل أحمد مايتيج، نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، واستقبله بحرارة في جنوب ليبيا حامد الخيالي، رئيس بلدية سبها.
وقال حامد خيالي، رئيس بلدية سبها إن «المشروع الذي نقوم به حاليا مع إيطاليا يتضمن تطوير ونمو جنوب ليبيا في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية».
وأضافت «الجارديان» أنه كجزء من هذا التعاون، ساعدت إيطاليا على تأمين الحدود، وقدمت الدعم للمدن من حيث البنية التحتية والكهرباء، وتعهدت بالمساعدة على تحسين آفاق العمالة للشباب، فضلا عن وجود مخطط لتدريب الوحدات العسكرية المرتبطة بجيش الحكومة الليبية الشرعية، والمتخصصة في العمليات في جنوب البلاد.
وفي الشمال، تم التركيز على مهمة إيطالية جديدة لدعم خفر السواحل الليبي في البحر المتوسط، وجزئيا من خلال صفقة «تحت المراقبة» بين الإيطاليين وشخصيات بارزة تسيطر على الساحل والتجارة التي تحدث هناك، ولم تعد القوارب تغادر الشاطئ، أما المهاجرون مثل علي ومختار فكانوا معتقلين.
ولكن لا شيء واضح في بلد لديها حكومتين تعادي كل منهما الأخرى، العديد من القطاعات والرجال الأقوياء، والقليل من الطرق المشروعة لكسب لقمة العيش ومجموعات الاتجار بالبشر التي لا تعد ولا تحصى تتصارع على السيطرة على الأراضي والأعمال.
وذكرت الصحيفة أنه على سبيل المثال، نجح الهجوم الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، لفترة من الوقت، في إغواء مركز صبراتة للتهريب في غرب ليبيا، ولكن منذ بداية أكتوبر، كانت مجموعات مختلفة تقاتل من أجل السيطرة على المدينة، هذه الميليشيات التي ليست جزءا من الصفقة مع الاتحاد الأوروبي وإيطاليا تتعرض لضغوط أكبر لأنها تفتقر إلى التمويل.
وقال «مينون» في حديثه مع الصحيفة «شهدنا قتالا بين الجماعات المتصارعة في صبراتة» وأضاف أن «أحدهم تقدم وسلم السلطات في وقت لاحق آلاف الأشخاص الذين اعتقلهم المهربون، والآن يحاولون نقل هؤلاء الأشخاص إلى مراكز احتجاز تديرها الحكومة، ولكنها مكتظة بالفعل».
في مركز «أبو سليم» لا يزال البعض يفكر في طريقة للوصول للحلم الأوروبي، ولكنه مؤكد ليس أحد هؤلاء المحتجزين في ظروف متدهورة كعلي وغيره، الذي قال في ختام حديثه مع «الجارديان» إنه «لاأفكر مطلقا في الهجرة مرة أخرى، ولكن أريد من تلك الدول مثل إيطاليا أن تساعدنا على عيش حياة أفضل في بلادنا وبجانب عائلاتنا».