قالت وكالة «بلومبيرج» الأمريكية المتخصصة بالشؤون الاقتصادية، إن التغيير الذي يقوم به ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، لن يتماشى مع القدرات الاقتصادية للمملكة، وقد يصطدم مع بيئتها الاجتماعية، وكذلك مع الأسرة الحاكمة التي تخشى من تهمشيها مع هذا التغيير، وهو ما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى حدوث أزمة كبيرة في البلاد ينهار على إثرها الاقتصاد السعودي.
جاء ذلك في تقرير للوكالة نشرته الخميس، وحمل عنوان «لماذا لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تنجح في التغيير الحاصل؟».
وأوضحت الوكالة أن «رغبات ولي العهد، وطموحاته في شتى المجالات، لإحداث تغيير في السعودية، لا يمكن أن تنجح، إذ لم يحدث ولي العهد التوازن بين المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في السعودية، والخطط الطموحة، التي يسعى لتنفيذها، وأبرزها رؤية 2030، لتنويع الاقتصاد».
وأشارت إلى أن ما حصل في الآونة الأخيرة، من تغيرات اجتماعية، والمتمثلة بالسماح للمرأة بالقيادة، والسماح بوضع الموسيقى في المطاعم، وتقييد دور الشرطة الدينية، لن ينجح في تحول السعودية من مجتمع منغلق إلى مجتمع منفتح.
2030
ولفتت الوكالة إلى أن الخطط الاقتصادية، وعلى رأسها رؤية 2030، والإعلان عن إنشاء مدينة «نيوم» النموذجية، ستصطدم بلا شك بواقع معقد، لا يمكن من خلاله تنفيذ هذه الطموحات.
وأوضح التقرير أن خطط «بن سلمان» التي وصفها بالمتهورة تهدف إلى «الحد من اعتماد البلاد الساحق على عائدات النفط من خلال تشجيع تطوير صناعات جديدة مثل السياحة والترفيه، ولتمويل هذا الجهد، يريد أن يبيع أسهم في شركة النفط السعودية العملاقة المملوكة للدولة (أرامكو)، فضلا عن خصخصة أصول الدولة، بما في ذلك مطاحن الدقيق، ونوادي كرة القدم، والبورصة».
وتابع: «سيتم توجيه العائدات من المبيعات إلى ما سيكون أكبر صندوق الثروة السيادية في العالم، وتدعو الخطة أيضا إلى اتخاذ تدابير تقشفية للقضاء على عجز الميزانة الذي وصل العام الماضي إلى أكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب انخفاض أسعار النفط الخام (إلى النصف تقريبا منذ عام 2014)».
واستدرك التقرير بالقول: «لكن الأمير البالغ من العمر 32 عاما، يجب أن يكون حذرا، إذا سرع خططه، لأن ذلك يمكن أن يثير معارضة خطيرة لمشروعه من السعوديين المتعاطفين مع الجماعات الإسلامية، ومن قبل العائلة المالكة التي تخشى أن تؤدي سياساته إلى تهميش أفرادها».
وأشارت الوكالة في تقريرها إلى حديث «لويد بلانكفين»، الرئيس التنفيذي لمجموعة «غولدمان ساكس»، في منتدى الأعمال العالمي بلومبرغ في نيويورك في سبتمبر الماضي، عندما قال: «هناك تحد ضخم للبلاد (للسعودية)، وله آثار كبيرة على العالم».
وأضاف أنه «في الوقت الذي يرى البعض أن هناك حاجة ملحة للتغيير في المملكة، إلا أن هناك حاجة ماسة لتوخي الحذر في الوقت نفسه، بحيث لا يؤدي التغيير المطلوب للاستقرار على المدى الطويل، إلى عدم الاستقرار فى المدى القصير».
المجتمع يرفض
ووفق الوكالة، فإن المجتمع السعودي لم يتقبل حتى اليوم السماح للمرأة بقيادة السيارات، وقد عبرت شريحة كبيرة من المجتمع رفضها لهذا الأمر، وأطلقت العديد من الهاشتاغات على مواقع التواصل الاجتماعي، تندد بالسماح للمرأة بالقيادة.
كما أدى هجوم نادر يوم 7 أكتوبر الماضي، على قصر في جدة استخدمته العائلة المالكة إلى مقتل اثنين من أفراد الأمن وإصابة ثلاثة آخرين، مما يشير إلى أن عائلة آل سعود الحاكمة هي مرة أخرى هدفا للجماعات المسلحة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» أو القاعدة.
وبينت الوكالة أن «بن سلمان» استبق المعارضة الواسعة لسياساته الجديدة، بحملات لقمع المعارضة، واعتقل رجال دين وناشطين بارزين.
وعن هذا الأمر، قال «بول بيلار»، الأستاذ بجامعة جورج تاون في واشنطن: «لقد بذل النظام ما يكفي من التحركات ضد المعارضة لكونه واثقا -أكثر من أي وقت سابق- أن التغييرات التي يقودها قد تثير الجدل».
ولفت تقرير الوكالة إلى أن العديد من القطاعات الاقتصادية تضررت بشكل لافت خلال عام 2017، ويعود السبب في ذلك الى الانكماش في الإنفاق الحكومي، فقد شهدت على سبيل المثال الشركات التي تزود الأجهزة الطبية هبوطا في المبيعات بسبب تقليص شراء الرعاية الصحية.
كما يتعين على شركات البتروكيميائيات أن تدفع أسعارا أعلى للمواد الأولية، لأن الدعم الحكومي انخفض، وتأثر البناء بشدة، مع اعتماده على العقود الحكومية.
وتظهر البيانات الرسمية أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي جاء أقل من 1% في كل من الربعين الأولين من عام 2017، بانخفاض عن الذروة التي بلغت 10% تقريبا عندما كان سعر برميل النفط فوق 100 دولار للبرميل.
وتعثرت الجهود الرامية إلى فرض التقشف على القوة العاملة الضخمة في القطاع المدني، وبعد انقطاع واسع النطاق، أعادت الحكومة البدلات والمكافآت لموظفي الدولة الذين يشكلون ثلث السكان.
ويخشى المستثمرون من التغيرات السريعة والتبدلات في المجتمع السعودي، ويقول أحد التجار إن التغير أمر ضروري، لكن السرعة في هذا التغير، وقلب الموازين ستكون لها عواقب سلبية، وهناك تخوف كبير من فشل هذه المشاريع الاقتصادية.
شلل الاقتصاد
ويبدو أن التخوف من هذا التغير ليس على مستوى الأفراد أو المستثمرين فحسب، فقد حذر صندوق النقد الدولي صناع السياسة السعوديين من أن الاندفاع نحو الإصلاح قد يشل الاقتصاد.
وكان وزير المالية السعودي «محمد الجدعان» صرح في مؤتمر صحفي عقده الشهر الماضي في واشنطن، إن الحكومة تسير على الطريق الصحيح لخفض العجز في الميزانية إلى ما دون 10% من إجمالي الناتج المحلي هذا العام.
وأضاف أن الحكومة لا ترى ضرورة «الانتقال من 10% إلى صفر فى غضون عامين».
المصدر | الخليج الجديد