قال السفير معصوم مرزوق، القيادي بجبهة «تضامن»، إنّ مصر تمرّ بأسوأ فترة في تاريخها، ولم تسبقها في ذلك سوى الشدّة المستنصرية التي أكل فيها الناس بعضهم بعضًا؛ إذ تشهد الآن أزمات اقتصادية تهدّد بإفلاس البلاد بسبب الديون، وربما تؤدي إلى ثورة جياع وفوضى ودماء، وهذا ما ننادي بتجنبه بكل الطرق.
وفي حوار خاص لـ«رصد»، قال السفير معصوم إنّ الهواء السياسي شُفط تمامًا في مصر ولا يوجد أيّ تنفّس حقيقي؛ وأصبح الاستبداد والمطاردات والاعتقالات وحبس الآلاف السائد، كما تحدّث عن السيناريو القادم ومستقبل السيسي، الذي أكّد أنه أفشل المسار الديمقراطي، خاصة الانتخابات الرئاسية؛ بعد غياب الشفافية والنزاهة. وتناول المصالحة مع الإخوان وبلورة مشروع وطني قريبًا، والسياسة الخارجية لمصر؛ وإلى تفاصيل الحوار.
- السيسي قاد البلاد إلى أزمات على المستويات كافة
- اقتربنا من مصير الأرجنتين في إشهار الإفلاس بسبب الديون الضخمة
- الانقلاب على السيسي غير مستبعد.. والنظام الاستبدادي يحمل نهايته من داخله
- لا حلّ سوى تحريك الكتلة الحرجة بعد فشل المسار الديمقراطي.. وأخشى من ثورة جياع
- لا أراهن على الانتخابات.. وضغط الجيش على السيسي كي لا يترشح حل عبقري
- الإخوان لهم علامات لامعة في التاريخ الوطني المصري وأرفض إقصاءهم
- المصالحة ضرورية.. ولا بد من لجنة تقصي حقائق بشأن رابعة والدماء كافة
- ليست لدينا سياسة خارجية.. ومصر صارت تابعة للسعودية و«إسرائيل» والإمارات
كيف ترى الوضع في مصر بشكل عام حاليًا؟
إنها أسوأ فترة تمرّ بها مصر، ولم يسبق في تاريخها مثل هذه الأوضاع إلا الشدة المستنصرية المشهور عنها الجوع والفقر اللذان عاناهما الشعب المصري وقتها. وتأتي مدة حكم السيسي الأسوأ بعدها؛ إذ يعاني المصريون الآن من ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة، ولو استمر الأمر على هذا النحو فستؤكل الطبقة الوسطى، وحتى الطبقة الوسطى العليا ستصل إلى مرحلة الطبقة المعدمة، ليس هذا فقط؛ بل إنّ مصر تقع بين ثنائية اقتصادية تكاد تعصف بها: الدين الخارجي والداخلي، والجباية التي يتعرّض إليها المواطن ووصلت إلى «عصر» المواطن ومصّ دمائه؛ وهذه الأحوال السيئة تؤكّد عجز الحاكم وسلطته عن تقديم أيّ حلول، والأسوأ من ذلك أنّ هناك من ينادي بانتخاب السيسي مرة أخرى.
وماذا عن الجانب السياسي؟
للأسف شُفط الهواء السياسي في مصر في عهد السيسي، ولا يستطيع أحد أن يتنفس سياسة أو يمارس أيّ نشاط؛ فحُبس عديدون أرادوا التعبير عن آرائهم، من بينهم عدد كثير من شباب الثورة؛ ولعلّ ما حدث في تظاهرات تيران وصنافير يؤكّد هذا القمع السياسي بوضوح.
وهل السياسة الخارجية طالها هذا السوء أيضًا؟
بالتأكيد؛ فالسياسة الخارجية المصرية وتحرّكها الدولي صارا في يد كفيل إقليمي يتمثل في السعودية والإمارات، وكفيل دولي يتمثل في أميركا؛ وهذه الإدارة والإقليمية تقزّمان مصر وتحرمانها من دورها الرائد في المنطقة، وتصبّان في مصلحة هذه الدول ومعهم «إسرائيل» بالتأكيد.
برأيك، ما هي أسباب هذا الفشل الشامل؟
أخطاء سلطة وقيادة فشلت في إدارة شؤون البلاد. صحيح أنها تسلّمت السلطة في ظروف ضبابية، ولكن بدلًا من أن تعيد التوازن إلى البلاد استغلّت الظروف في نشر الرعب وتخويف الشعب بحجة الإرهاب ومحاربته، وحتى هذا الملف شهد فشلًا كبيرًا؛ وهذه السلطة ليست لديها رؤية أو برنامج واضح، إضافة إلى الحكم الاستبدادي الذي لا يبتعد عن مؤسسة الفساد، وبالتالي كانت النتيجة التي نعيشها الآن.
وما المخرج من هذا المأزق من وجهة نظرك؟
الخروج يكون بالوعي ونشره بين الجماهير، وأن تؤدي النخب السياسية هذا الدور، وإن كان هناك ثمن سيُدفع؛ لكن لا بديل عن ذلك للوصول إلى الكتلة الحرجة التي تنزل الشارع على غرار ما حدث في ثورة يناير، وهذا في محاولة لإنقاذ الوطن؛ لأن الأمور لو استمرت بهذا الشكل، خاصة بجانب الديون والاقتصاد بشكل عام؛ فسنصل إلى ما وصلت إليه دول مثل الأرجنتين وغيرها، ولم تفق مما وصلت إليه إلا بعد سنوات طويلة.
السيناريو القادم
كيف ترى مستقبل السيسي بعد ما ذكرت؟
لا يمكن أن يستمر الاستبداد إلى نهاية المطاف، وكل من كتب في تاريخ النظم السياسية أجمعوا على أنّ هذه النظم تحمل بذرة انهيارها من داخلها؛ بسبب استبدادها، بداية من عصر الملوك والقياصرة وانتهاء بالعصر الحديث، والعفن عندما يصل إلى مرحلة معينة ينقلب على نفسه ويؤدي إلى النهاية.
وما هو السيناريو القادم؟
كنت أتمنى أن يكون هناك مسار ديمقراطي لتفادي الدم، لكنّ السلطة قرّرت أن تأخذ طريق الاستبداد والفساد إلى نهايته، وليس هناك حل سوى رفع مستوي الوعي لتحريك الكتلة الحرجة للاحتجاج ورفض الواقع في ظل تراجع سيناريو الانتخابات؛ فكلّ المؤشرات تقول إنّه من الصعب إجراء انتخابات نزيهة.
هل معنى هذا أنّك تتوقع ثورة ضد السيسي؟
هذا وارد في ظل الأوضاع السيئة على المستويات كافة، خاصة الجانب الاقتصادي والأزمة الطاحنة؛ فعضة الجوع ربما تؤدي إلى ثورة جياع تتحوّل إلى فوضى، وهذا ما نخشاه؛ وما نريده ترشيد هذا الأمر وصولًا إلى ثورة سلمية دون فوضى.
وهل الانقلاب من داخل السلطة على السيسي وارد؟
أعتقد، كما أشرتُ من قبل، أنّ الاستبداد هو الذي يؤدي إلى تآكل الأنظمة من الداخل. فهناك حكّام كثيرون راحوا ضحية الاستبداد، سواء بالانقلاب أو بالثورة؛ مثلما حدث مع القذافي، وليس مستبعدًا أن ينقلب النظام على نفسه.
وهل من الممكن أن تحدث المفاجأة ويضغط الجيش على السيسي بألا يترشح؟
والله هذا حل عبقري، لكنّ المشكلة إمكانية تنفيذه من عدمها؛ ولو حدث فسيجنّب البلاد أيّ صراعات، وعليه يمكن إقامة دولة مدنية حديثة بانتخابات شفافة ونزيهة، كما حدث مع نيسلون مانديلا، ويكون شعارها المصارحة والمكاشفة والمصالحة؛ وهو ما حدث بالفعل في جنوب إفريقيا على سبيل المثال.
جبهة تضامن
ماذا عن جبهة التضامن؟ وإلى أين وصلت؟
هي كيان في مخاض صعب وولادة متعثرة، وأشعر بحزن شديد بسبب هذا التعثّر؛ بالرغم من تفهمي لمكونات مختلفة ومن مشارب وتيارات سياسية متعددة، وكلما زاد عدد الأطراف الموجهة إليهم الدعوة زادت الأمور صعوبة؛ ولكن يجب تجاوز ذلك بسرعة، وأن تتوحد النخبة وألا نكون أمام حمل كاذب.
ماذا عن مشاركة التيار الإسلامي في هذه الجبهة؟
هناك خلاف داخل الجبهة في هذا الشأن؛ فهناك تيار رافض لوجود أيّ تيار إسلامي، وآخر يرى المشاركة للجميع؛ وأن تكون «المواطنة» المسطرة التي نقيس عليها، وأنا مع التوجّه الأخير.
وهل وصلتم إلى شيء بشأن بلورة الجبهة؟
قطعنا شوطًا كبيرًا، ولكن استغرقنا وقتًا طويلًا، وهناك جهود مخلصة للوصول إلى الصيغة النهائية وبرنامج وطني؛ إذ تعتبر الجبهة نفسها نسقًا سياسيًا يقدّم رؤية متكاملة لتقديم وطرح سياسي بديل يمثّل التوجّه المدني وليس المرشح الرئاسي فقط.
الإخوان وانتهاكات حقوق الإنسان
ماذا عن الإخوان ومحاولات إقصائهم؟
أنا شخصيًا ضد أيّ إقصاء، وليس لديّ إخوان أو غير إخوان، وأدعو إلى حوار معهم على أرضية الوطن، بحيث يكون حوارًا حضاريًا، وأن يُعطى الجميع فرصًا متساوية، بما فيهم التيار الإسلامي والإخوان بالطبع، وليس لديّ مانع من استيعابٍ سياسيّ للتيار الإسلامي والوصول إلى صيغة تعايش دون وصاية من طرف على آخر.
وكيف ترى الانتهاكات التي تُمارس بشكل يومي، خاصة ضد التيار الإسلامي؟
بالتأكيد أيّ انتهاكات أرفضها بالمرة، سواء داخل السجون أو خارجها؛ ولا بد من تشكيل لجنة من الأحزاب والتيارات كافة لزيارة السجون والوقوف على حقيقة ما يحدث. على أن يُفرج عن كبار السنّ والمرضى؛ فهناك آلاف الأسر تعاني من ذلك، وهنا بات الإفراج ضروريًا، خاصة لسجناء الرأي ومعتقلي تيران وصنافير؛ وحقوق الإنسان لا تتجزأ، ولها معايير لا بد من تفعيلها.
وماذا عن التصفية الجسدية والإعدامات؟
كلها فيها غموض شديد، وظاهرة الإعدامات لا بد أن تُبحث ويُنظر فيها، ويجب اتّباع الإجراءات السليمة وإعادة النظر بشكل عام وفق القوانين والتشريعات، وألا يُزجّ بالسياسة في أمر المحاكمات وتصفية الحسابات.
وبالنسبة للتصفية الجسدية، لا بد من كلام مقنع وواضح في هذا الأمر؛ لأنه لا يمكن أن يتكرر بالطريقة نفسها في كل واقعة، ولا بد من إجلاء الحقائق؛ خاصة أنّ هناك كلامًا كثيرًا على أنّ هؤلاء من المختفين قسريًا، وبالتالي لا بد من تشكيل لجنة تقصي حقائق غير قابلة للعزل، وتنفّذ ما تتخذه من إجراءات، والبحث عن المختفين قسريًا؛ لأن ذلك مسؤولية الدولة.
وهل هناك إمكانية في مصالحة مع الإخوان؟
الإخوان جزء من النسيج الاجتماعي المصري، وغير مقبول الفجر في الخصومة معهم ومحاكم التفتيش، وهناك علامات لامعة للإخوان في التاريخ الوطني؛ مثل دورهم في حرب فلسطين، فضلًا عن أدوارهم الدينية والتثقيفية والدعوية، حتى لو كان لديهم في السياسة اختلافات فيمكنهم عمل مراجعات؛ وعلى شباب الإخوان أن يقدّموا إخراجًا جديدًا للجماعة.
ولكن، تظل رابعة والنهضة جرحًا غائرًا داخل الإخوان…
طبعًا، بخصوص رابعة والنهضة، مطلوب لجنة تقصي حقائق، ليست لرابعة والنهضة فقط؛ ولكن للتحقيق في كل الأحداث منذ يناير حتى آخر واقعة سالت فيها الدماء؛ لتحديد المسؤولية وإقرار الحقوق ومعاقبة من ارتكب أي اعتداء أو قتل.