سلط مركز «أوبن ديمكراسي» الضوء على حادث الواحات، والأسباب الكمنة وراء الفشل الأمني في الحرب على الإرهاب عموما، والتي من أبرزها وجود اختراق بالجهاز الأمني وعدم قدرة وزارة الداخلية على التعامل معه، بجانب الوسائل البدائية في مكافحته، وعجز الدولة عن الاستثمار بشكل جيد فيه.
وأكد المركز، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أن النظام درء على استخدام تعبير الحرب على الإرهاب لتبرير حملاته القمعية، ولن يستطيع استخدام هذا النداء مرة أخرى وسط الحرج الذي طاله بعد العملية الأخيرة.
ففي ضربة مقوضة لجهودها في مكافحة الإرهاب، قتل 54 من أفراد قوات الأمن أثناء عملية مداهمة بالواحات في 21 أكتوبر الماضي، وتقع الواحات على مسافة 135 من القاهرة، ولا يزال العدد الدقيق للقتلى مجهولا، وقالت وزارة الداخلية في بيان رسمي إن عدد القتلى 16 فقط، بينما مسؤولون قالوا إنهم 59، وانتقدت الحكومة المصرية وسائل الإعلام لتضخيمها عدد القتلى.
في البداية اتهمت الحكومة «حركة حسم» بمسؤوليتها عن العمل الإرهابي، وهي حركة تدعي أنها الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين، رغم نفي الإخوان المسلمين، ولا يزال من غير الواضح من المسؤول عن هذا «الكمين»، ولم يتم تقديم أي دليل ملموس على صلة حسم بالهجوم.
وفي الآونة الأخيرة أعلن تنظيم يدعى «أنصار الإسلام» والتي يزعم أنه مرتبط بالقاعدة، مسؤوليته عن الحادث.
قال المركز، إن التحليل العميق لهذا الخلل الأمني، يكشف عن الإخفاقات في عملية مكافحة الإرهاب، والتي تسببت في مقتل المئات من أفراد قوات الأمن، على مدار الشهور الماضية.
وطبقا لمصطفى بكرى، وهو عضو برلمانى مؤيد للنظام، فإن القوات وردتها معلومات بجود خلية إرهابية تتخذ من مكان في الصحراء الغربية ملاذا لها، وبعد ذهاب قوات الأمن إلى الموقع المحدد، فوجئت بأن الإرهابيين على علم مسبق بقدوم القوات، ونصبوا لهم كمينا، مما تسبب في وقوع خسائر جسيمة.
مناطق الخلل
أكد المركز، أن قدرة المتمردين على مواجهة قوات الأمن والحصول على معلومات مسبقة عن تحركاتهم، يثير شبح التسريبات الأمنية، وادعى «أحمد منصور» الرئيس السابق لأكاديمية الشرطة، أن «الخيانة» قد تكون وراء هذا الخطأ الأمني.
وأشار منصور، إلى أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها الجهاز الأمني المصري للإختراق، وكان المثال الأكثر شهرة، هو «ولاية سيناء» والتي استطاعت تجاوز الأمن وزرع قنبلة داخل طائرة روسية مستأجرة في أكتوبر 2015، وأسفرت عن مقل جميع الركاب 224 راكبا.
وعلى الجانب التشغيلي، هناك عدد من علامات الإخفاقات المنهجية، فعلى سبيل المثال، فإن أحد الأسباب والتي أشارت إليها السلطات وتسببت في وقوع حاد الواحات، هو الافتقار إلى الدعم الجوي والاستطلاع السليم قبل العملية، فلم يتمكن الضباط من طلب المساعدات بسبب سوء الإتصالات.
كما أن معرفة المتمردين بطبيعة التضاريس الجبلية والصحراوية، فاقم من المشكلة، وتواجه قوات الأمن المصرية نقصا في التدريب الطبوغرافي وامتلاكها «معدات بدائية» في مواجهة الأعمال المتمردة، وفقدانها لمعدات الساتالية التي لا غنى عنها في العمليات بالمناطق النائية، وبجانب ذلك سوء توظيف الموارد المملوكة للجهاز.
وكانت الاستراتيجية المتبعة للحكوم المصرية، بحسب المركز، طوال الفترات الماضية، هي الاستثمار بكثافة في شراء «الأسلحة التقليدية»، مثل 11.9 مليار دولار مع القليل من الاستثمار في المعدات العسكرية الأكثر ملائمة في عمليات مكافحة الإرهاب.
كما يشير موقع العملية إلى فشل استراتيجية الحكومة المصرية في عمليات مكافحة الإرهاب، فموقعها على عكس سيناء، يبعد فقط عن القاهر بمسافة 135 كيلو متر، وقريب من المركز السياسي والاقتصادي للبلد.
وإذا كانت الجماعات الإرهابية قادرة على توجيه ضربات مؤلمة، لقوات الأمن، بالقرب من العاصمة، فإن هناك احتمالات لقيامهم بعمليات إرهابية أكثر تطورا في القاهرة.
وعلى المستوى السياسي كان رد فعل النظام غير متناسق أو غير نمطي، وهو مؤشر على حجم الخلل، فضلا عن الآداء الضعيف لنداء «الحرب على الإرهاب».
وخلافا لما حدث في مناسبات أخرى من استغلالها سياسيا، حاول النظام هذه المرة إظهار أن الأمور طبيعية، وظهر السيسي في اليوم التالي للحادث للإحتفال بالذكرى السنوية لحرب العلمين، ولم يقدم أي تصريحات عن الكمين.
وعلى مستوى وسائل الإعلام الحكومية، كان مستوى التقارير عن الحادث ضئيلا إلى حدٍ ما، حيث حاول النظام «قمع السرد والتحكم فيه»، والمثير للإهتمام أنه تم إيقاف أحمد موسى مقدم برنامج «على مسؤوليتي» وأحد أكثر مؤيدي النظام، بعد عرضه لرواية متناقضة مع الرواية الحكومية في عدد الإصابات، وعرضه لفيديو لشهادة مروعة عن الهجوم وما حدث فيه، والذي كشف عدم كفاءة قوات الأمن.
أكد المركز، أن النظام فشل بشكل منتظم في مواجهة الحوادث الإرهابية المميتة والآخذة في الازدياد بمصر، بجانب نقص الاستعدادات والاستثمارات في مواجهة التمرد، وموجة القمع التي شنتها لم تحسن من الوضع الأمني، بل على النقيض أصبحت القاهرة الآن هدفا للمتمردين.
ومن أبرز الأمثلة على قمع الأصوات المستقلة القبض على الصحفي «إسماعيل الإسكندراني»، وهو باحث مستقل كان واحدا من أول من أبرز الدور الذي قام به هشام عشماوي، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة، وله دور في التمرد المتطور في شمال سيناء، وانتقد الإسكندراني الاستراتيجية الأمنية الفاشلة في مكافحة الإرهاب.
وختم المركز، بأن الخلل الأمني والفشل المتكرر للنظام في التعامل مع التمرد أصب مصدرا للحرج، مضيفا أن «النظام الحالي يبرر حملاته القمعية الجماعية تحت مسمى مكافحة الإرهاب، والآن لن يكون قادرا على استخدام خطاب الحرب على الإرهاب كأدداة للحصول على دعم شعبي لسياساته القمعية»، وإذا لم تكن هناك إصلاحات عميقة فلا يسع المرأ إلى أن يتوقع أن يصبح الإرهاب أكثر فتكا.