نشرت صحيفة «ميدل إيست مونيتور» مقالًا للكاتبة المصرية «أميرة أبو الفتوح» تسلّط فيه الضوء على السياسات التي اتّبعها محمد بن سلمان وخطواته الأخيرة، واصفة إياه بالمتغطرس والمتعجرف الذي فتّت المملكة وقضى على ثلاثة أمور تمثّل عمادها: رجال الأعمال ورجال الدين والأسرة الحاكمة.
بدأت الكاتبة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، بأنه فعل أشياء تشبه ما جرى في المسلسل المكسيكي «Mexican soap opera». فأولى حلقاته بدأت بالإطاحة بولي العهد الأمير محمد بن نايف من منصبه، أعقبتها حملة اعتقل فيها المثقفين ورجال الدين المعتدلين.
أما الحلقة التي كانت مليئة بالإثارة أكثر فهي قبضه على الأمراء من أبناء عمومته، بمن فيهم «متعب بن عبدالله» رئيس الحرس الوطني، وشقيقه، وهم أبناء الملك الراحل عبدالله، وخالد التويجرى أهم شخصية في الأسرة الحاكمة، الذي كان يسيّر الأمور نيابة عن الملك في حالات، وكانت خطة الملك عبدالله الراحل إبعاد سلمان ونجله وتعيين التويجري؛ لكنها ماتت بموته.
العشاء الأخير
ومن بين الأمراء المعتقلين أيضًا الملياردير المعروف الأمير الوليد بن طلال، أحد أغنى الرجال في العالم، والأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في الولايات المتحدة منذ 25 عامًا، وهو صديق للرئيس «جورج دبليو بوش»، وصاحب «اتفاق اليمامة» صفقة الأسلحة الكبرى، إلى جانب فضيحة الرشوة المتهم فيها مع الحكومة البريطانية ورجال أعمال كبار من شركة بن لادن في أعمال توسعة الحرم المكي.
اُحتُجز المعتقلون داخل فندق «ريتز كارلتون» بعد إيهامهم بحفل عشاء مع الملك، وكان بمثابة العشاء الأخير الذي لم يتم؛ إذ جُرّدوا من هواتفهم ومتعلقاتهم الشخصية، ومن ثمّ مصادرة ممتلكاتهم بحجة الفساد؛ لكنّ الحقيقة أثبتت خلاف ذلك. وادّعت اللجنة المشكّلة برئاسة «ابن سلمان» أنّ المتهمين رفضوا الخضوع للاستجواب، ويحمل معظمهم جوازات سفر أجنبية وطالبوا باستدعاء ممثلي سفارات بلدانهم الثانية؛ لكن قوبلت طلباتهم بالرفض.
ومن المفارقات في هذه القصة أنّ الأمير محمد بن سلمان اشترى يختًا بنصف مليار دولار قبل استجوابهم بقليل.
ومن أجل اكتمال المشهد الدرامي، تحطّمت الطائرة التي أقلّت الأمير «منصور مقرن بن عبدالعزيز»، نجل ولي العهد أثناء الرئيس الراحل الملك عبدالله، ومسؤولين سعوديين آخرين، وتحدّثت تقارير عن أنهم كانوا في طريقهم إلى الهروب خارج السعودية لتجنب مصير الأمراء الآخرين؛ لكنّ «ابن سلمان» أسقطهم بصاروخ، وقُتل جميع من في الطائرة. ولجعل الأمور أكثر دراماتيكية، تلقى ابن سلمان العزاء!
المشهد كان دراميًا، ومظاهر الحزن والغضب واضحة على وجه الأب «الأمير مقرن»، الذي لا يستطيع أن ينظر إلى قاتل ابنه في العينين؛ ناهيك عن معاقبته.
اختطاف الحريري
أيضًا، الحلقة الأكثر إثارة في مسلسل الأمير المتغطرس: اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ بعد استدعائه فجأة للقاء الملك. وبمجرد هبوط طائرته في الرياض، سرعان ما أحاطته الأجهزة الأمنية وجرّدته وحراسته من متعلقاتهم وهواتفهم النقالة، واقتيدوا إلى مكان مجهول، وأُجبر الحريري على إعلان استقالته في بيان تلفزيوني معد له مسبقًا، بُثّ على قناة «العربية» السعودية.
وهذه سابقة تنتهك جميع المواثيق الدولية في أي بلد في العالم. و«ذكّرني هذا الحادث برواية أجاثا كريستي لعام 1923 رئيس الوزراء المختطف؛ فهل توقّعت المستقبل في عام 2017؟».
وذهبت غطرسة ابن سلمان إلى أبعد من ذلك؛ إذ فُرض «بهاء الحريري» على لبنان كبديل لأخيه سعد، زعيم حركة المستقبل، كبرى كتلة سنية في لبنان؛ ما سمح له بتولي منصب رئيس الوزراء. وتحتل «حركة المستقبل» أكبر عدد من المقاعد في البرلمان؛ مما يعطيها سلطة اختيار رئيس الوزراء. ويبدو من تسلسل الأحداث أنّ كل هذه الوقائع حُضّر لها في الوقت نفسه، ولم تستغرق وقتًا.
وختم بأنّ السلسلة لم تصل إلى نهايتها بعد، وما زالت حلقاتها مستمرة؛ فلا أحد يعرف إلى أين سيأخذ «الأمير المتعجرف» السعودية بعد تفتيت الأسرة الحاكمة وتسببه في شروخ في العمود الفقري لها، بجانب كسر المؤسسة الدينية، وضربته لرجال الأعمال؛ وهي ثلاثة أسّس بُنيت عليها المملكة العربية السعودية. والآن، «دعونا ننتظر ونرى ما سيحدث؛ فالأيام مليئة بالمفاجآت المتوقعة من الأمير المتعجرف».