سلّط موقع «إنتليجنس بوست» الضوء على العام الأول الذي قضاه ترامب في الحكم وتسبّب في تعزيز الاضطرابات في الشرق الأوسط بقراره العودة إلى حلفاء أميركا التقليديين، أبرزهم السعودية؛ لكن دون رؤية أو استراتيجية محددة؛ وهو ما تسبّب في إساءة فهمه على نحو بالغ، وكانت «إسرائيل» المستفيد الوحيد منه في المنطقة؛ بإعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ العام الأول لحلفائه التقليديين في المنطقة مليء بالآمال والتوقعات الصعبة.
استراتيجيته في سوريا والعراق
في يناير، حاربت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة «تنظيم الدولة» في شرق الموصل، وكانت دولة الخلافة حينها قوية نسبيًا، وبحلول يوليو أعلن العراق تحرير الموصل؛ بعدما دفع الثمن باهظًا، وخُرّبت ضواحٍ تاريخية للمدينة، ثم تلاها تحرير الرقة في أكتوبر، وانتهى الأمر بسيطرة التنظيم على جيوب صغرى في سوريا والعراق فقط.
وفي هذه السنة، حاز التنظيم على جزء كبير من سرد السياسة الخارجية لواشنطن تجاه الشرق الوسط. لكن، كما يشير الوضع في سوريا والعراق الآن، لم تخرج واشنطن بسياسة واضحة تجاه المنطقة في حقبة ما بعد التنظيم؛ وتسبّب افتقار واشنطن إلى أهداف واضحة بخصوص الشرق الأوسط في مدة ترامب إلى اتخاذ حلفائها في المنطقة إجراءات «متهوّرة»، وظهور بوادر تحالفات جديدة محتملة.
الاتفاق النووي الإيراني
وغير تنظيم الدولة، دأب ترامب منذ صعوده إلى الرئاسة على مهاجمة الاتفاق النووي الإيراني، وقادت مبعوثته لدى الأمم المتحدة «نيكي هالي» هجومًا دبلوماسيًا كاملًا ضد إيران؛ وبالرغم من ذلك ما زالت واشنطن باقية على الاتفاق، لكنها تعتبره «أسوأ صفقة على الإطلاق».
والمفارقة أنّ الاتفاق النووي لم يتسبب في كوارث بالشرق الأوسط.
وبينما أدار أوباما ظهره للمصالح الأميركية في المنطقة وحلفائه التقليديين، سعت «إسرائيل» والسعودية وراء إرثه العظيم في المنطقة، ومن بعده جاء ترامب الذي اتفق مع مخاوفهما الإقليمية بطريقة «غير بنّاءة»؛ ومن توابع هذه الطريقة أنْ ترك القدس والرياض لأجهزتهما الخاصة تديران شؤونهما.
القضية الفلسطينية الإسرائيلية
رحّبت «إسرائيل» ترحيبًا حارًا بترامب بعد سنوات من تجاهل أوباما لها، وحتى الآن لم تخدم تحركاته في المنطقة سوى مصالح حكومتها الحالية؛ إذ لم تعترض واشنطن على سياستها الاستيطانية. وبالرغم من مخاوف خرجت في بداية عهده بأنه لا يملك خطّة تجاه القضية الفلسطينية الإسرائيلية؛ فإنّه تعامل معها في النهاية بطريقة تخدم «إسرائيل» وليس فلسطين.
كما أثار جدلًا بإعلانه القدس عاصمة لـ«إسرائيل» في أوائل ديسمبر، وبالرغم من إثارة القرار ردود فعل مستنكرة واحتجاجات عمّت العالم العربي، وخصوصًا فلسطين؛ بدأت هذه الموجة في التلاشي تدريجيًا، ولم يتطلب الأمر من رام الله سوى ابتلاع حبوب اللامبالاة المريرة التي أصابت القادة العرب.
«إسرائيل» تحت ضرس روسيا
وفي الوقت الذي قدّم فيه ترامب خدمة جليلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية، لم يحلّ أكثر مخاوف «إسرائيل» إلحاحًا، المتمثل في وجود حزب الله على طول الحدود السورية، وتزايد النفوذ الإيراني الذي دأب على بناء قواعد عسكرية دائمة له في سوريا، بجانب وجوده على مرتفعات الجولان على بعد عشرة كيلومترات فقط من الحدود الاحتلالية.
ولم تتمكن «إسرائيل» من الاعتماد على الولايات المتحدة لحماية مصالحها الأكثر أهمية، وبالرغم من حفاظ تل أبيب وموسكو بعلاقات ودية؛ فالأمور على الجبهة السورية وضعت هذه العلاقة في موضع أكثر حساسية؛ إذ تسمح روسيا بين الحين والآخر لجيش الاحتلال بقيادة هجمات جوية على مواقع لحزب الله وإيران. وفي الوقت نفسه، سمحت ببقاء المليشيات الشيعية كقوة أرضية لحماية نظام بشار الأسد.
وسيكون من المثير انتظار الشكل الذي ستتخذه هذه العلاقات في السنوات القادمة.
محمد بن سلمان وفقاعات الهواء
المملكة العربية السعودية، حليف آخر رأت إدارة ترامب فيه فرصة لتوطيد العلاقة، وكان مجديًا أثناء الحرب الباردة، وحاول أوباما التفكير فيه مرة أخرى؛ لكن دون مبرر واضح. وأعرب محللون ومؤلفون سياسيون عن قلقهم من إعادة هذا التحالف مرة أخرى؛ لكنّ ترامب سارع بمجرد توليه الرئاسة إلى توطيد العلاقات مع الرياض.
وأثناء زيارته إليها في مايو الماضي، امتنع ترامب عن التعليق على سجلات حقوق الإنسان السعودية، وبعث برسائل تؤكد وقوفه جانبهم فيما تسمى «محاربة الإرهاب»؛ ووقّعت الدولتان صفقة أسلحة قيمتها أكثر من 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات، ورقص ترامب مع القادة السعوديين رقصة السيف
ومن هناك اتّهم ترامب إيران بدعمها للإرهاب، وفي ظل غياب الاستراتيجيات الأمنية والرؤى المشتركة؛ رأى ولي العهد السعودي ابن سلمان ذلك بمثابة الضوء الخضر لاتخاذ مواقف أكثر تهوّرًا.
وبعد وقت قصير من زيارته، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر؛ متهمين إياها بدعم الجماعات الإرهابية مثل تنظيمات الدولة والقاعدة والحوثيين، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية.
وشهد العام 2017 تصاعد الحرب الأهلية في اليمن، التي أشعلتها السعودية نيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي ضد الحوثيين في 2015، وبلغ عدد القتلى حتى الان أكثر من 12 ألف مدني، وتفاقمت الأزمة الإنسانية هناك وتفشّت المجاعة ووباء الكوليرا.
وفي شهر نوفنمبر الماضي، قاد ابن سلمان حملة انقلابية داخل البيت السعودية أشبه بما شاهدناها في مسلسل «لعبة العروش»؛ فاعتقل عددًا كثيرًا من الأمراء السعوديين ورجال الأعمال والأشخاص المؤثرين داخل المجتمع السعودي بحجة محاربة الفساد، ورأى المحللون هذه الحملة بمثابة «سعي نحو نزع السلطة الاستبدادية لنفسه».
وفجّر ابن سلمان أيضًا أزمة في لبنان؛ بإجباره رئيس وزرائه سعد الحريري على الاستقالة من منصبه في الرياض واتهام حزب الله بمحاولة اغتياله؛ لكنّ خطته انقلبت عليه.
وفي النهاية، التحرك السعودي المتعدد النواحي من المشاركة في الحرب في سوريا واليمن والمناورات السياسية في لبنان والجهود المبذولة لعزل قطر، ومحاولات الحدّ من تأثير الوهابيين داخل السعودية وخططه لتحويل اقتصاد المملكة وطرح أرامكو للاكتتاب العام؛ كانت مجرد «فقاعات في الهواء»، ولم تكن عودة ترامب إلى السعودية مفيدة له بأي شكل من الأشكال.