قالت شبكة «إن بي آر» الأميركية إنّ هناك مصائر مختلفة لأفراد تنظيم الدولة بعد هزيمته في سوريا والعراق؛ فبعضهم اندمج في المجتمع المحلي متخفيين ويتعاملون كأنهم مواطنون عاديون، وجزء منهم فرّ إلى الصحراء وأماكن أخرى يحاولون جمع شتاتهم والعودة، وآخرون عادوا إلى ديارهم.
وأضافت، وفقًا لما ترجمته «شبكة رصد»، أنّها تحدّثت مع خبراء سابقين في مجال مكافحة الإرهاب ومحللين مختصين في الشرق الوسط، وأكدوا مجتمعين أنّ قتل الإرهابي أسهل بكثير من القضاء على أيديولوجيته؛ محذرين من إمكانية عودة التنظيم بقوة أكبر مما كان عليها، مثلما حدث مع تنظيم القاعدة من قبل؛ عندما اعتقدت أميركا أنها استطاعت القضاء عليه، لكنه عاد وبقوة.
وأوضحوا أيضًا أنّ الظروف مواتية لعودته بقوة، خاصة في ظل رفض دول تحمّل تكلفة إعادة بناء المدن المدمرة في العراق وسوريا؛ وهو ما يخلق بيئة مواتية لعودتهم.
وبالرغم من فقدانه أراضي ومدنًا سيطر عليها منذ بدء صعوده، وتشتيت أفراده وفرارهم في الصحاري السورية والعراقية؛ ما زال التنظيم يمتلك الأسلحة التي كان يستخدمها في تهديداته وحروبه.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الأسبوع الماضي أمام البنتاجون: «قلنا مرارًا إنّ الحرب ضد تنظيم الدولة لم تنتهِ»، مضيفًا أنّ القوات الأميركية ما زالت تتبع التنظيم في معاقله القليلة المتبقية في العراق، ولا تزال الولايات المتحدة تعمل بشكلٍ وثيق مع قوات الأمن العراقية على أمل السيطرة بشكل كامل على أراضيها.
وحذّر جيمس من أنّه حتى لو تجمع 10 أفراد أو 12 فقط منهم مع بعض سيبدؤون في التعافي من جروحهم وتشكيل تهديد آخر، متسائلًا: «ما الذي يمكننا فعله حينها؟!»، وأضاف أنّ ما تريده أميركا والدول المناهضة للتنظيم تنبيه السلطات المحلية والشرطة إلى هذه النقطة.
وأضاف أنّ الوضع أكثر تعقيدًا في سوريا؛ إذ تمكّنت القوات الأميركية وحلفاؤها من القضاء على التنظيم في الجزء الشرقي من البلاد (شرق نهر الفرات)، موضحًا أنّ فلولهم فرّت إلى غرب سوريا؛ مفسرًا ذلك بأنهم يعتقدون أنّ فرصهم في المناطق التي يسيطر عليها أعداؤهم الآخرون أفضل، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وأكّد جيمس أنّ الجيش الأميركي سيبقى في شرق سوريا حاليًا ليسمح للدبلوماسيين الأميركيين وعمال الإغاثة والمتعاقدين من المجيئ والمساعدة في تحقيق الاستقرار في المنطقة؛ لكنّ الحرب ما زالت دائرة في أماكن أخرى من سوريا.
قوتهم تتقلص
أثناء ذروته، بلغت أعداد تنظيم الدولة 31 ألف مقاتل، وفقًا لوكالة الاستخبارات الأميركية. ويعتقد الجيش الأميركي أنه ما زال ألف مقاتل موجودين ومتخفين في المناطق التي يعمل فيها التحالف الأميركي في سوريا والعراق الآن.
وقال «دانيال بيمان»، من جامعة جورج تاون والخببير في شؤون الشرق الأوسط، إنّ أفراد التنظيم ما زالوا يتمركزون في أماكن بالموصل والرقة، وما زالوا يخوضون معارك في أماكن أخرى بالدولتين، ويحاول آخرون منهم الاندماج في المجتمع المحلي على أنهم مواطنون عراقيون أو سوريون؛ هروبًا وخوفًا من مطاردتهم.
وأضاف أنّه من المحتمل أن يبقى المقاتلون الأجانب في التنظيم ويواصلون إلى النهاية، بينما يرغب الجزء الآخر في العودة إلى ديارهم الأصلية.
ويرى «نيك راسموسن»، الذي تنحى لتوّه عن رئاسة المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، أنّ مقاتلين أجانب عادوا بالفعل إلى ديارهم في أوروبا، والدول الأوروبية استعدّت وما زالت بالفعل لأن يعودوا مرة أخرى.
وأضاف أنّه قبل سنوات قليلة، وعندما كان التنظيم في أوجه، كنا نؤمن بأنّ الآلاف والآلاف من المقاتلين الأجانب في التنظيم سيعودون إلى ديارهم بمجرد أن تضع الحرب أوزارها؛ لكنّ الخطأ في هذا التصوّر هو أعدادهم، مؤكدًا أنها أقل مما توقع الجميع.
تهديد منخفض
يبدو حديث «نيك» مطمئنًا إلى حدٍ ما؛ فالتنظيم ليس له الآن ملاذ آمن، كما إنّ أفراده لم يهربوا إلى الخارج بأعداد كثيرة؛ لكنّ الخبر السيئ أنّ هناك سابقة فيما يتعلق بمسألة تفكيك التنظيمات الإرهابية، ففي حرب الولايات المتحدة ضد القاعدة في العراق، حاولت وحلفاؤها تفكيك التنظيم وإنهاءه بشكل مستمر؛ لكنها عادت إلى الظهور مرة أخرى وفي أشكالٍ مختلفة.
خرج «تنظيم الدولة» من «القاعدة»، وجاء أقوى بكثير منه؛ إذ توفّرت الظروف المناسبة لعودته، أهمها الانتفاضات العربية، والفوضى التي عمّت العالم العربي بعدها، والانسحاب الأميركي من العراق في العام نفسه الذي اندلعت فيه الثورات 2011.
وبحلول عام 2014، سيطر تنظيم الدولة على أجزاء كبرى من الأراضي السورية والعراقية، وحكم الملايين من المواطنين، وأعلن إقامة دولة الخلافة؛ وهذا الدرس لن يغيب عن ذهن تنظيم الدولة أبدًا.
وذكرت «غايل تزيماش ليمون»، الزميلة في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، أنّ تصفية الإرهابي وقتله أسهل بكثير من القضاء على أفكاره وأيديولوجيته. وفي أغسطس الماضي، استعدّت الولايات المتحدة وحلفاؤها لاستعادة مدينة الرقة السورية، التي كانت مقر قيادة التنظيم لسنوات.
وأضافت أنّ الولايات المتحدة لها سجل جيد عندما يتعلق الأمر بحروبها في الشرق الأوسط، مؤكدة أنّ المرحلة القادمة هي الأصعب، وفقًا للدروس السابقة، و«ما دامت الظروف مواتية لبدء معارضة جديدة؛ فمن الصعب جدًا وقف الحرب ضد التنظيم»؛ لأنه لا أحد يريد دفع ثمن إعادة البناء، وهذا الأمر الأكثر تهديدًا حاليًا.