شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

عمن جمعهم القمع .. ووحدتهم الثورة .. وقتلهم الاستقطاب – دسوقي أحمد

عمن جمعهم القمع .. ووحدتهم الثورة .. وقتلهم الاستقطاب – دسوقي أحمد
  أبريل ٢٠١١ - أبوكبير - محافظة الشرقية كان حوارا فيسبوكيا عاصفا يومها.. جعل هو يكتب عن مخالفاتنا (من...

 

أبريل ٢٠١١ – أبوكبير – محافظة الشرقية

كان حوارا فيسبوكيا عاصفا يومها.. جعل هو يكتب عن مخالفاتنا (من وجهة نظره) وعن (تجار الدين) الذين يخدعون البسطاء بأن (نعم تدخلك الجنة) و (لا طريقك الأكيد للنار) .. طبيعته الأدبية الجريئة جعلته يتناول أشخاصا هم في محل التبجيل لدي بمالايليق .. لم أسكت .. رددت له الصاع صاعين وحدثته عن ديموقراطيته العوجاء التي يمارسها، حدثته عن سعيهـم لتشكيل لجنة دستورية علي هواهم .. حدثته عن مخالفاتهم .. جمعتم الاموال وأنفقتموها علي إعلانات جمعتم فيها كل رموزكم ولم تفلحوا .. أنتم الآن تعلمون حجمكم في الشارع

كثير من حديثه كان عن التيار الرجعي المتخلف المعادي للحضارة .. وكثير من حديثي كان عن العلمانية السلطوية التي تعادي الشرع وتحاد الله ورسوله

احتدم الحديث .. لم أحتمل كثرة (إهاناته) لمشايخي ورموزي ومن ثم قمت بإلغاء الصداقة بيننا علي الفيسبوك .. قمت من فوري لأطفئ جهاز الكمبيوتر خاصتي .. جلست في صمت وأنا ألهث بصورة غير مفهومة كمن جلس بعد تدريب بدني شاق .. كعادتي قمت من فوري لأفتح الثلاجة وألتهم من فوري شيئا ما .. أنا أمر الآن بمزاج اكتئابي حاد

هذه نهاية القصة .. لكن أين بدايتها ؟

————————

٢٠٠٥ – القاهرة

قبل الثورة كنت أقرأ لبعض المثقفين الشبان الذين ينشرون أعمالهم علي شبكة الانترنت .. أنت – ولابد – تعلم ذلك الجيل الذي ربته كتابات أحمد خالد توفيق .. جيل يمتد من أقصي اليسار وحتي أقصي اليمين مرورا حتي بحزب الكنبة الذي مارس (توفيق) تثقيفا خفيفا له . كان (أحمد خالد توفيق) موضوعيا للغاية لدرجة أن يعجب بكتاباته فئام مختلفون من أبناء الوطن الشبان ، لست أعتقد أن ثمة توافقا بين الدكتور (أحمد خالد توفيق) وبين السلفيين لكني أعرف كثيرا من السلفيين يواظبون علي قراءة انتاج الرجل وحين استضافته (كلية طب الأزهر) لإلقاء محاضرة بها .. كان من الحضور قسم ليس بقليل من السلفيين الذين ناقشوه في أعماله مناقشة المتابع لامجرد القاريء العادي.

 

ولأني أمارس التدوين منذ ٢٠٠٥ فقد كنت أواظب علي متابعة تلك الكتابات رغم كون كثير منها نقدا لاذعا للسلفيين الذين أنتمي إليهم .. ثمة رشاقة في التعبيرات وتماس مع واقعي أنا كشاب .. وموضوعية ومصارحة نحتاجها نحن جيل الشباب في ذلك الزمان قبل الثورة .. هناك الكثير من الخلافات الفكرية .. لكن ياعزيزي كلنا مشوه في عين الآخر في ظل قمع يكتنف الجميع

تكونت بعض الصداقات الهاتفية مع بعضهم .. كانت مكالماتنا في الأعم الأغلب حوارا سياسيا ملتهبا .. وحين بدأت الثورة .. كان حديثنا غالبا عن الأوضاع الأمنية ومواجهة الانفلات وكثيرا ماتهاتفنا ونحن موجودون في اللجان الشعبية ليلا وقد كان هو يثني علي جهود الشباب الاسلامي المتواجد بصورة واضحة ومنظمة للغاية .. أنت تعلم تلك الأيام التي كانت التنظيمات الاسلامية محل اعجاب وإشادة قبل أن يتحول هذا إلي عيب خطير يفزع منه الاعلاميون.

 

بدأت الخلافات تدب .. ورحلت الأيام الفاضلة التي عشناها .. أذكر أنه قال لي يوما في بعض مكالماتنا .. نحن لن نسكت بعد الآن عن بلطجة (التيارات الاسلامية) وأجبته بأننا لسنا محل تهديد .. وأفضل له أن ينظر بواقعية .. وأننا أيضا لن نسكت عن تشويههم لنا بعد اليوم وأنهيت المكالمة.

 

بدأت الانحيازات الايديولوجية تظهر .. هم مقابل نحن .. لن نسمح لكم في مقابل ونحن أيضا لن نسمح لكم .. وجعلت أتساءل عن تلك القلوب التي تعارفت أيام مبارك وحاربت معا في الميدان .. إلي أين تسير اليوم !!

——————————

٢٥ مايو ٢٠٠٦ – محكمة الجلاء – القاهرة

أصررت أنا والصديق مصطفي بسيوني علي الذهاب لمساندة الزملاء المعتقلين من طلاب الاخوان المسلمين يوم عرضهم علي المحكمة .. مصطفي وأنا ننتمي لتنظيم الدعوة السلفية وهو كما تعلم مخالف تماما للاخوان في كثير من الأمور.

لم يكن الأمر محل تفكير كثير بالنسبة لي .. لو تبادلنا الأدوار لماترددوا في المجيء والمساندة .. هذا واجب انساني يسموا عن أي خلافات فكرية أو سياسية

المشهد أمام محكمة الجلاء كان مؤثرا للغاية .. الجميع محاطون بكردون أمن مركزي محكم .. الجميع ينتظر قدوم عربية الترحيلات للعرض .. ورغم أن الجنود وفرق الكاراتيه هم الأكثر عددا وأنهم هم المسلحون وأن أي عنف سيكونون هم البادئون به ولاريب .. إلا أننا كنا الأقوي .. لم نكل من الهتاف والدعاء علي الظالمين ووالله لقد رأيت جنديا من جنود الأمن المركزي يبكي ويمسح دموعه التي سالت من تحت خوذته التي يرتديها فوق رأسه

وحين قدمت سيارات الترحيلات اشتعلت الأمور .. هتاف شباب الإخوان تزامن مع هتافات المتظاهرين بالخارج .. وحين خرج المعتقلون من سيارة الترحيلات لدخول المحكمة للعرض ورفعوا أيديهم هاتفين الله أكبر .. بدو لي في ثيابهم البيضاء أشبه بفرسان يرتقون للسماء .. امتزج الهتاف بالدموع .. واختلط الدعاء بالتكبير ووقفت مصر كلها في شارع الجلاء تهتف ضد الظلم وضد مبارك في مشهد لن ينمحي من ذهني ماحييت

أذكر يومها أن قائد الأمن المركزي رفض توقف الاتوبيس العام فماكان من بعض الشباب من داخل الاتوبيس الا أن تسلقوا إلي سقفه يشاركون الجمع في الهتاف .. لازلت أذكر يومها بعض الوجوه تبكي .. محفورة في ذهني تلك الوجوه التي احتضنتني يومها من أشبال الاخوان .. لأني رأيتها بعد ستة أعوام أمام لجنة الفرز بمركز أبوكبير وهي تتحدث بمالايليق عن (السلفيين اللي هيضيعوا البلد) وحينما واجهته بأن هذا لاينبغي أن يصدر منه خاصة في أجواء انتخابية أجابني وقد كشر بوجهه ناحيته (عمركو ماهتفهموا) ولولا تدخل إخوة الإخوان الذين يعرفونني لينتهروه بعنف لكانت ثمة مشاجرة بيني وبينه أوعلي الاقل ملاسنة لاتليق

وقفت ساعتها مشدوها أغالب دموعي .. لتقترب مني يد حانية لأحد إخواننا من الاخوان متحدثا بلهجة المعتذر : أنا آسف والله يادكتور .. اللي مايعرفك يجهلك .. تظاهرت برد شيء ما بكفي عن وجهي مداراة لدمعة أفلتت رغما عني ثم أجبت الأخ المهذب الذي يواسيني بابتسامة أقرب للبكاء : المشكلة أنه يعرفني .. يعرفني من زمااان

—————————

اعتصام مارس ٢٠١١ – ميدان التحرير

ثمة رد فعل غير مفهوم يصيب بعض من أقابلهم هاهنا حين يقدمني أحدهم له : دكتور دسوقي زميلنا سلفي وعضو مؤسس بحزب النور

نظرات متسائلة عن هذا الكائن الخرافي الذي يجلس وسط رسامي الكاريكاتير ومغنيي الراب وعازفي الجيتار ويقدم نفسه لهم .. سلفي

أنت تعلم هذه الأجواء .. تقدم نفسك ثم تتبعها بانتمائك السياسي أو عملك الفني أو ماشابه ذلك .. الصديق أحمد نادي يسألني عن فكرة أقترحها عليه لرسم كاريكاتير .. أقترح فتلاقي الفكرة صدي لديه .. يطورها ويرسمها كأبدع مايكون .. ننخرط في نقاش سياسي يسوده التوافق .. ثمة أسئلة عن موقف السلفيين من كذا وكذا .. مناقشات .. صداقات تتكون وتنمو .. نبيت ليلة في الميدان ثم نصبح سويا نستعد للذهاب لأعمالنا ثم نعود عصرا

أحمد نادي يشيد كثيرا بموقف السلفيين (أفرادا) في الثورة وهو يؤكد بأن الجماعات المنظمة والممثلة لهم غردت بعيدا عن القواعد التي شاركت منذ اللحظة الأولي .. يخبرني أحمد نادي .. رأيت كثيرا من الشهداء بسمت سلفي .. وأجيبه : مصر كلها قدمت شهداء ونحن جزء من هذا الشعب ولسنا أمة مستقلة

تتكون صداقات في الميدان مع أشخاص مختلفين تماما عني كسلفي .. يساريين .. ليبراليين .. اشتراكيين ثوريين .. يسار ديموقراطي .. حقوقيين .. صحفيين واعلاميين .. شعراء وأدباء وفنانين

تتغير رؤية كل منا عن الآخر ونقترب كثيرا .. نتهاتف بالساعات .. ونتقابل بوسط البلد لنتحدث أكثر عن رؤانا المختلفة .. نختلف كثيرا ويبقي الود .. ثمة مبادرة نتواصل فيها أنا والصديق أحمد نادي من أجل لقاء يجمع الدكتور البرادعي بمشايخ الدعوة السلفية ، نحصل علي موافقات مبدئية ونحاول ترتيب الأمر لكنه للأسف لايفلح.

لم تحرمنا الأحداث من فرصة للقاء في الميدان .. نلتقي في كل الأحداث التي تندلع لكننا نختلف هذه الأيام كثيرا .. ثمة اتهامات للكيانات وللأفراد بالعمالة تارة وبالتنسيق مع العسكر تارة .. تأتي الانتخابات .. أقوم بـ(ريتويت) لـ(تويتة) علي موقع تويتر مساندة للشيخ عبدالمنعم الشحات فيقوم اثنان من الأصدقاء بالغاء المتابعة علي تويتر .. تتصاعد وتيرة الاختلافات .. ثمة أصدقاء كثر لي ممن يساندون التيارات المسماة بالمدنية يكتفون بعلاقة انسانية فقط معي .. لاأعلم هل تستمر علاقتهم بي (عشان العيش والملح) أم ماذا ؟ أراهم كثيرا علي الانترنت يتحدثون بكل جفاء عن الاسلاميين والسلفيين .. بعضهم يقذع في السب أحيانا .. الثورة اتسرقت .. (بتوع الخروج علي الحاكم ركبوا الثورة) .. سرقوا الدستور المتخلفين .. وهكذا يستمر رفاق الميدان

المشكلة أن بعضهم مثلا قد تعرف علي في الميدان ويعلم موقفي جيدا من الثورة لكنه يحدثني كأني ضد الثورة وأنني من تجار الدين الذين يخدعون الناس

بالطبع أنا لا أسكت .. أرد الصاع صاعين .. حين يتندر أحدهم علي الاسلاميين أرد عليه بما يسوؤه كذلك .. لم أعد أحدثهم إلا كأعداء .. وهم كذلك ، لانتفق هذه الأيام إلا قليلا .. نحن دائما بين رأيين متعارضين بصورة حادة .. ماأبجله أنا وأوقره يهينونه هم أمامي .. وأنا أبادلهم الفعل ذاته

سب أحدهم يوما الشيخ محمد حسان فسببت له البرادعي .. سب أحدهم الاخوان فسببت له حمدين والبرادعي وكل تحالف القوي المسماة بالمدنية

بت مقتنعا بأننا لو تقابلنا في حرب فسنكون حتما أعداء .. كنت جالسا يوما أنا وأحد الأصدقاء .. نأكل سويا .. واحتدم الخلاف بيني وبينه قلت له في عصبية شديدة : (بص .. احنا ف حرب .. واللي هيقابل التاني في الحرب يقتله) ، أجابني هو بأن حزب البرادعي سيكتسح الانتخابات وأجبته أنا : صدقني شعارنا القادم في المعركة لاأسري !

كل من أعرفهم من الاسلاميين يتبنون الموقف المعارض لمن يسمون بأنصار القوي المدنية .. أسميهم أنا بالعلمانيين بالرغم من أن كثيرا منهم يرفض العلمانية لكنهم ينتمون لأحزاب علمانية ويؤيدونها ويعملون بها .. هذا يكفيني

ماحدث في نقابة الأطباء من انقسام استقطابي حاد ضاع علي إثره حق الأطباء ذكرني بالحرب الأهلية اللبنانية حين تبني الأفراد خياراتهم السياسية علي أسس استقطابية دينية ومذهبية دون أي نظر موضوعي للخلاف السياسي .. نحن غارقون في هذا الاستقطاب لآذاننا .. من يدعمون الرئيس يمجدونه وينشرون فضائله .. ومن يعارضونه لايعترفون به ويلمزونه ويغمزونه ويصرون علي دوام انتقاده ، لدينا الكثير من الاعتراضات علي الحزب الحاكم والرئيس لكن استقطاب المعسكر الآخر يجعلنا نتوقف عن التفكير بموضوعية ونساند رجال معسكرنا

كل مواقفنا الحياتية وليس فقط السياسية مبنية علي هذا الاستقطاب .. نحن نتعسكر ، ولست أدعي أني محايد ، أبدا ، أنا هاهنا في أحد المعسكرين ، أنتقد البوب ليلا ، وحمدين صباحا والعلمانيين طيلة اليوم .. أنا كذلك أحمل السلاح في أحد المعسكرين ورغم أني مقتنع تماما بمعسكري .. إلا أني غير سعيد بهذا الاستقطاب الذي بالمناسبة هو واحد من أبرع الطرق للفوز في الانتخابات

——————

تاريخ ما – ميدان التحرير

يتفق الفريقان المتحاربان علي وقف لاطلاق النار لمدة ساعتين ريثما يستطيع الطرفان اخلاء الميدان من جثث القتلي ، أدخل إلي الميدان من ناحية المتحف المصري ، هذا المكان شهد منذ سنوات أحداثا عظيمة وصدا لهجوم من بلطجية مبارك .. لازال سقوط القتلي مستمرا لكن هذه المرة تغيرت أطراف المعركة

الآن تتحارب القوي الاسلامية مع القوي المدنية .. يقول الاسلاميون ان المعسكر الآخر مدعوم بقوة من الغرب الذي لايريد توريط نفسه في حرب داخل مصر بينما يصر المعسكر الآخر علي أنه يحارب الوهابية المتطرفة المدعومة من دول الخليج وإيران وأنه لن يسمح بقيام دولة دينية.

ينتمي إلي كل معسكر شبان يحاربون بقوة .. يتهامس كل معسكر فيما بينه عن حقيقة مايعتنقه المعسكر الآخر وعن جدوي الحرب بينهما إلا أنهما يواصلان القتال كأشرس مايكون

تصل السيارة إلي منتصف الميدان فنترجل أنا وزملائي الأطباء لإسعاف (جرحانا) ونقل (شهدائنا) ، نشرع في العمل بينما يقف اثنان من مقاتلينا يؤمنون لنا المجال تحسبا لأي غدر من الطرف الآخر

يوجد أطباء من الطرف الآخر لاسعاف (جرحاهم) ونقل (قتلاهم) كذلك ، تحين مني التفاتة نحو طبيب المعسكر الآخر ، أعرفه جيدا فقد تشاركنا قديما في (أطباء التحرير) ، تحين منه كذلك التفاتة نحوي ، ثمة ذكريات تشاركناها سويا تمر بذهني الآن ، أسعفته يوما وأسعفني هو يوما وتشاركنا في اسعاف متظاهر تحت غطاء من الثوار ليحمونا من هجوم البلطجية ، جمعنا الميدان قديما رفاقا واليوم جمعنا لكن أعداء نتحارب

أسرعت إلي مصاب وجدته يلفظ أنفاسه الأخيرة وقد أصيب إصابات بالغة ، جلس هو كذلك بقربي وقال له : قل (أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) ، نظرت إليه بحدة : (ده تبعنا .. أومال انت مفكر مين قتلوا يعني ؟ ) ، أجابني هو الآخر بحدة : (لأ تبعنا احنا.. وانتو اللي قتلتوه)

نظرت إلي المصاب وشرعت ألقنه الشهادة فقاطعني هو موجها حديثه إلي المصاب : انت تبع مين ؟

الغريب أني أيضا كففت عن تلقينه الشهادة أنتظره يخبرني إلي أي معسكر ينتمي .. شخص بنظره إلينا ثم فاضت روحه

نظرت إلي صاحبي (القديم) وهتفنا في صوت واحد : من قتله ؟



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023