نشرت صحيفة «ميدل إيست آي» تحليلا سياسيا مطولا عن الصراع لدبلوماسي الحالي بين مصر والسودان، والتلويح بين الدولتين باستخدام القوة العسكرية، مسلطة الضوء على إمكانية الدخول في حربٍ عسكرية من عدمه، وأسباب تصاعد الصراع، وتوصلت إلى أن هناك 5 أسباب رئيسية من بينها العلاقات التركية السودانية وجماعة الإخوان المسلمين والحدود، واستبعدت في النهاية إمكانية نشوب الصراع العسكري؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بين البلدين.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، ازداد التوتر بين مصر والسودان هذا الأسبوع، بعد التصعيد العسكري على حدود كلا منهما، حيث
أفادت وسائل إعلام تركية، أن القوات المصرية وصلت إلى الحدود الإيرترية شرق السودان، بدعم من الإمارات وبعض المجموعات المعارضة الأخرى في المنطقة، وفي نفس اليوم، استدعت السودان سفيرها لدى القاهرة؛ للتشاور، ثم أعلنت حالة الطوارئ بعدها بيومين في ولاية كسلا على الحدود الإريترية، وأغلقت الحدود دون تفسير رسمي.
فيما أفاد شهود عيان أن السودان حشدت عددا كبيرا من القوات العسكرية في المنطقة الحدودية، وردت القاهرة ممثلة في وزارة خارجيتها، بأن مصر تقيم الوضع من أجل الرد المناسب.
يأتي التوتر بين الدولتين، بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة السودانية الخرطوم، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم تركي منذ إنهاء الوجود العثماني في السودان عام 1885، ووقعت الدولتان 13 اتفاقية، بما فيها اتفاقيات عسكرية.
ولم تعلق القاهرة رسميا على زيادرة الرئيس التركي، إلا أن وسائل الإعلام الموالية للنظام، قالت إنها مؤامرة ضد الأمن القومي المصري، فيما نفت الخرطوم تلك الاتهامات، وقالت إن القاهرة ليس لديها الحق في التدخل في الشأن الداخلي السوداني.
وخلال الأزمة القطرية، افترق البلدان، مصر والسودان، حيث اختارت مصر دعم التحالف السعودي، فيما اختارت السودان دعم الدوحة وأنقرة، ولا تعد تلك المرة الأولى التي تختلف فيها الدولتان بشأن السياسة الخارجية، وتلك قائمة بإأبرز الخلافات بينهما:
السبب الأول: الحدود المتنازع عليها
بصرف النظر عن إريتريا، فخلال النصف قرن الماضي، تسبب نزاعان إقليميان بين الدولتين، في توتر في العلاقات بينهما، وتجدر الإشارة إلى أن دارفور غرب السودان، كانت منطقة حرب حتى العامين الماضيين، ولقي ما لايقل عن 3 الآف شخص مصرعهما، ونزع ما لايقل عن 2.7 مليون مواطن.
وفي مايو من العام الماضي، قال الرئيس السوداني، عمر البشير، إن الجيش السوداني تمكن من أسر عدة مدرعات مصرية كانت تشارك في النزاع في دارفور، وكان اتهم مسبقا المخابرات المصرية بدعم الشخصيات المعارضة التي تقاتل قواته في مناطق النزاع جنوب كردفان، غير أن السيسي رفض تلك الاتهامات، ورفض زعماء المتمردين أيضا التعليق على تصريحات البشير.
كما أن هناك مثلث حلايب وشلاتين، المتنازع عليه بين مصر والسودان، وهو نزاع دام لعقدين ماضيين، وتدعي القاهرة بأن الأراضي مصرية فيما تدعي الخرطوم العكس، وتعد تلك المنطقة غنية بالمواد المعدنية والنفط، وسارعت القاهرة إلى زيادة الوجود العسكري فيها منذ عام 1996 رغم الشكاوى المتكررة التي قدمتها الخرطوم إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي يناير 2016، وضعت الخرطوم قواتها العسكرية في حالة تأهب علىا لحدود مع مصر، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها على تلك الخطوة منذ أكثر من 60 عاما، بدعوى أن الجيش المصري يستفز الجيش السوداني.
السبب الثاني: العلاقات مع تركيا
خلال العقد الماضي، عانت الخرطوم من فقر دبلوماسي واقتصادي، وتزال الدولة خاضعة للعقوبات الدولية نتيجة صراع دارفور، ومازال البشير مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب في ذلك النزاع، وهو ما يفسر سعي السودان إلى إنشاء تحالفات دولية.
وكان الرئيس التركي، أكد أن الدولتين تسعيان إلى تعزيز التبادل التجاري بينهما، وزيادتها من 500 مليون دولار إلى 10 مليار دولار، وفي الوقت نفسه ترغب تركيا في زيادة نفوذها بالمنطقة، حيث تنشط أنقرة عسكريا في الصومال منذ عام 2009، حينما افتتحت قاعدة عسكرية في العاصمة الصومالية، مقديشيو، وأفادت تقارير بأنها تدرب 10 الآف من القوات الصومالية.
وفسر السفير التركي السابق في جمهورية تشاد، أحمد كافاس، ذلك، بأن وجود تركيا في أفريقيا أكثر منطقية من أي مكان آخر، مضيفا «إذا كان بإمكانكم التفكير في أي دولة يجب ان تكون في أفريقيا فهي تركيا».
وعاود الكاتب، للتأكيد، على أن اثنين فقط من الصفقات بين تركيا والسودان أثارت اهتمام القاهرة، وهي عقد إيجار جزيرة سواكن السودانية لمدة 99 عاما، وتمثل الجزيرة مفترق طرق تجاري بين أفريقا وأوروبا، وبررت تركيا استئجار الجزيرة، بأنها ستعيد إحيائها بعدما كانت مدمرة منذ أيام الوجود العثماني.
إلا أن أسماء الحسيني، نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام السابق، وقالت في مطلع يناير الجاري، إن الخرطوم وأنقرة اتفقتا سرا على إنشاء قاعدة عسكرية في الجزيرة؛ مما يهدد الممرات البحرية للبحر الأحمر.
وكانت الصفقة، تعزيز الوجود التركي في المياه الإقليمية، ظاهريا؛ لحماية السفن البحرية السودانية، أما الخبير الأمني السوداني العباس الأمين، أكد أن الوجود التركي المتزايد في البحر الأحمر يشكل طفرة في الطموحات التركية التي تثير قلق الدول العربية، خاصة مصر، وغير ذلك خرجت دعاوى معارضة للصفقات بين تركيا والسودان حيث قال عبدالله موسى، العضو البارز في حزب المؤتمر، إن الاتفاقات تشكل انتهاكا للسيادة السودانية والتي ستضع السودان في وضع حرج وسط الصراعات الإقليمية.
غير أن السفير التركى لدى السودان، عرفان نيزيروجلو، نفى أن تكون تركيا متورطة فى شؤون دولية على الأراضي السودانية، مضيفا أن الدولتين ليس لديهما ما تخفيانه بشأن اتفاق جزيرة سواطن والتواجد التركي في البحر الأحمر.
السبب الثالث: التحالفات الخليجية
قسمت الأزمة الخيليجية التي بأدت في صيف 2016، في تقسيم الدول الشرق أوسطية، إلى كتل متباينة، حيث دعم البعض التحالف السعودي، بينما دعم البعض الاخر قطر وتركيا، وقال عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق، إن الخرطوم عمليةة وانتهازية لأنها تقفز من مخيم إلى آخر دون أدنى أهداف استراتيجية سوى كسر عزلة النظام.
وأضاف المحلل السياسي الحاج ورّاق، المحلل السياسي السوداني، أن الطموحات التركية دفعت الخرطوم إلى بناء شراكتها الحالية مع تركيا إلا أنها تضع السودان في موقفٍ صعب، إلا أن الحاج، لاحظ أن السودان تنتقل من معسكر إلى ىخر، محذرا من أنه سيأتي بعواقب وخيمة على السودان.
السبب الرابع: سد النهضة
عبرت مصر عن قلقها مرارا بشأن تأثير سد النهضة الأثيوبي على إمدادات المياه، وتأمل اديس أبابا أن ينقذ المشروع الذي تبلغ قيمته 5 مليار دولار، ملايين الأثيوبيين من براثن الفقر، فضلا عن السماح ببيع الطاقة الزائدة وتعزيز اقتصادها المتدهور.
إلا أن مصر التي يعيش 90% من سكانها على ضفتي النيل، متخوفة بشأن الكميات التي ستحصل عليها من المياه ومخصصة لري الأراضي، كما أعربت القاهرة عن قلقها من أن السودان سوف تتخذ جانب أثيوبيا في محادثات السد.
وفي ديسمبر الماضي، ذكرت وسائل إعلام أثيوبية، أن مصر أرادت استبعاد السودان من المحادثات، ودعوة البنك الدولي للتحكيم، ونفت وزارة الخارجية المصرية تلك الادعاءات، إلا أن دبلوماسيا سودانيا، رفض الكشف عن هويته، قال إن الإفادات الإعلامية الأثوبية صحيحة، واصفا الموقف المصري من السد بالمؤسف، رافضا التحركات المصرية والتي ستؤدي إلىا لمزيد من التوترات.
السبب الخامس: جماعة الإخوان المسلمين
تولى عبدالفتاح السيسي السلطة في مصر، عقب انقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، في يوليو 2013، وكان مرسي عضوا في جماعة الإخوان التي أصبحت محظورة قانونيا الآن، وتعرض أعضائها لمحاكمات غير عادلة وحملات قمع وتعذيب، وعلى النقيض من ذلك صعد البشير إلى السطلطة في عام 1989 بواسطة انقلاب عسكمري دعمته الإخوان بزعامة حسن الترابي الذي أطاح به البشير بعد ذلك.
وتتهم وسائل الإعلام المصرية دائما السودان، بإيواء عناصر تابعة لجماعة الإخوان، وهو اتهام نفته السلطات السودانية، وكان عماد الدين أديب كتب مقال من قبل تحت عنوان «البشر والانتحار السياسي»، اكد فيه أن السودان تتآمر مع تركيا ضد مصر، وتوؤيد تركيا جماعة الإخوان ولا تعتبرهم إرهابيين.
ويرى حسن علي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، أن التوتر بسبب الإخوان، علامة على الانقسام الأيديولوجي بين الحكومة الإسلامية في الخرطوم والقيادة في مصر التي تواجه مشاكل في سيناء بسبب الأعمال اإرهابية، مضيفا أن تلك الاختلافات الأيدولوجية هي سبب التوتر الرئيسي، أما باقي القضايا فهي مجرد بطاقات معلقة وقت الحاجة.
إذن، هل هناك حربا؟
رغم الخلافات حول السد وجماعة الإخوان وتكتلات المنطقة المختلفة، ليس من مصلحة البلدين الدخول في حرب، ويعتقد المحلل السياسي السوداني، عبدالمنعم أبوإدريس، أن التوتر الحالي من غير المحتمل أن يتحول إلى صراع عسكري، موضحا أن البلدين تعانيان من مشاكل اقتصادية صعبة، وليستا على استعداد لخوض حرب.
وأضاف أبو إدريس، أن الدولتين تعانيان من بعد 2011 من تدهور اقتصادي، حيث فقدت السودان معظم عائداتها النفطية منذ انفصال جنوب السودان عنها، أما السياحة المصرية فقد انهارت في مصر في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ لذا فإن احتمالية نشب صراع عسكري أمر ضعيف للغاية.
كما أكد الحاج حمد، مدير المركز السوداني للتنمية الاجتماعية والإنسانية، أن الديكاتوتريين في الدولتين، يريدان إلهاء الناس عن مشكلاتهم الداخلية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينخرط الطرفان في حربٍ.