شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

كيف تحول علي عبدالله صالح من أقوى رجل إلى «قتيل ملفوف ببطانية»؟

علي عبدالله صالح

سلطت «شبكة الجزيرة»، الضوء على الأسباب والعوامل التي أدت في النهاية إلى وقوع علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني الأسبق، في قبضة الحوثيين وقتله، ومنعت استجابة معظم القبائل التي ساعدها أثناء حكمه لندائه بإنقاذه، كاشفة في تحليل لـ«جمال جاسم»، الخبير في سياسات الشرق الأوسط، كيف ساهم في توحيد القبائل اليمنية وكيف خسر دعمهم بين ليلة وضحاها، وتحوّل من أقوى رجل إلى قتيل مصاب بطلق ناري في الرأس ملفوف ببطانية.

وإلى نصّ المقال:

في تعريفه لمفهوم الدولة الحديثة، قال ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني، إنها «ادعاء جهاز إداري ما بالتمسك بحقه في احتكار الاستخدام الشرعي للعنف لفرض نظامه في منطقة بعينها».

في شمال اليمن، تمتعت بعض القبائل بقوة سياسية وعسكرية مستقلة منذ بداية الحرب الأهلية عام 1962 في جنوب اليمن، ونجح الحزب الاشتراكي اليمني، جزئيا في السيطرة عليها، إلا أن الصراعات العسكرية داخل الحزب، والتي تسببت في الحرب الأهلية عام 1986، مازالت طاغية على الحدود القبلية، ومن توابعها أيضا أن فشلت اليمن الموحدة عام 1990 في إنشاء مؤسسات وكيانات تشكل مفهوم الدولة الحديثة، وهو الأمر الذي سمح لبعض القبائل بالإبقاء على نفوذهم السياسي حتى وقتنا هذا.

وبعدما جاء علي عبدالله صالح، إلى سدة الحكم، في عام 1978، وكونه أول رئيس لليمن الموحد عام 1990، كان يدرك جيدا طبيعة وأهمية تلك القبائل؛ لذا أنفق مبالغ طائلة من رأس المال السيادي والموارد المالية للدولة؛ من أجل إقامة تحالفات مع زعماء القبائل الرئيسيين.

وأسس صالح، الاتحاد القبلي الأهم مع الراحل الشيخ عبدالله الأحمر، والذي ترأس الاتحاد القبلي الأقوى في اليمن منذ أربعة عقود حتى وفاته عام 2007، وشغل الأحمر أيضا، منصب رئيس مجلس النواب بين عامي 1993 و2007، ووصف علاقته المعقدة مع صالح ذات مرة بقوله «صالح هو رئيسي، لكنني شيخه».

وخلال فترة عمله في السلطة، استطاع صالح، أن يجمع قبائل رئيسية بجانب قبيلة حاشد، القبيلة التي ينتمي إليها، وسمح لهم بتولي المناصب العسكرية العليا في البلاد، كما سمح للسعودية بمواصلة رعاية زعماء القبائل اليمنيين الرئيسيين، بمن فيهم الأحمر نفسه.

ورغم ذلك، وقبل أيام من مقتله، لم يلبي أيا من مشايخ تلك القبائل دعوات صالح لمساعدته، فلماذا قررت تلك القبائل التخلي فجأة عن صالح، وهل يشير الأمر إلى نهاية السياسة القبلية في اليمن؟

انهيار تحالف «صالح – حاشد»

أكد الكاتب، أن انهيار تحالفات صالح القبلية لم تكن مفاجئة لأي شخص قريب من المشهد السياسي في اليمن، مسلطا الضوء على أبرز أسباب انهيار التحالف بين صالح وقبيلته حاشد:

أولا: بدأت الشقوق في الظهور بينهم عام 2000، عندما حاول صالح تمهيد الطريق لابنه الأكبر، أحمد؛ كي يخلفه، وفي محاولة لتنفيذ مساعيه، شرع الرئيس اليمني في تعيين جيل جديد من القيادات الموالية له في مناصب هامة، ومن جهة أخرى دأب على تهميش حلفائه القبليين عسكريا، بمن فيهم الشيخ عبدالله الأحمر والجنرال على محسن الأحمر، والذي كان أكبر مساعدي صالح في وقت سابق.

وأثار قرار صالح، مخاوف كبيرة، فضلا عن الغيرة السياسية بين شيوخ القبائل الأصغر سنا، بمن فيهم حميد الأحمر، وهو أحد أكثر أعضاء قبيلة الأحمر نفوذا وثراءا؛ لذلك كان معظم زعماء القبائل اليمنية، في مقدمة احتجاجات عام 2011 ضد صالح.

وخلال وبعد الانتفاضة اليمنية، لم يدرك صالح أن تحالفاته مع القبائل بدأت في الضعف، وبدأ في خسارة حلفائه العسكريين مثل الجنرال علي محسن الأحمر، وبذلك انهار ميزان القوى الحساس الذي دعم صالح لأكثر من ثلاثة عقود، ووقع بشكل كامل في عام 2014، بعدما أعلن صالح تحالفه مع الحوثيين، وهو التحالف الأكثر جدلا في حياته بين القبائل اليمنية.

كما لم يشكك صالح في جدوى تحالفه الجديد مع الحوثيين، بعدما شرعوا في هدم منزل الشيخ الأحمر في خمير في وقت لاحق من العام الماضي، واعتقد خطاءا أن تحالفه معهم هو الضامن لأمنه وبقائه، وبذلك فشل صالح في فهم الطموحات السياسية للحوثيين، والتي من طبيعتها عدم السماح بوجود أي قوة سياسية منافسة على المدى البعيد، سواء كان زعيم قبلي أو رئيس سابق.

عامل الحوثيين

ظهور الحوثيين على الساحة السياسية اليمنية؛ له أسباب وجذور عميقة لها صلات بالعلاقات الاجتماعية ببعض القبائل، وسرعان ما أصبحوا يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء الآن، وببراعة استغلوا الفجوة المتزايدة بين زعماء القبائل الأغنياء وبين نظرائهم الفقراء، موضحا، أنه تم إهمال شريحة كبيرة من هؤلاء الفقراء، لذلك سارعوا في الانضمام إلى الحوثيين ورأوا فيهم فرصة لتحسين رفاههم الاقتصادي، ولامتلاكهم مهارات عسكرية فائقة تمكنوا من مساعدة الحوثيين في صراعاتهم العسكرية طوال السنوات القليلة الماضية.

وتمكن رجال تلك القبائل من إزالة المعارضين للحوثيين في مناطقهم، وسارعوا في جميع ولاءات قبلية أخرى، معتمدة على العامل الديني، وقدموا انفسهم كسلالات للزيدين، والزيدية كانت العقيدة الرسمية للحكومة التي حكمت شمال اليمن منذ نحو 1000 سنة.

وغير ذلك، سارعت بعض القبائل في الانضمام إلى المسيرة العسكرية للحوثيين التي بدأت في 2014؛ بغية القضاء على عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح وعائلة الأحمر بأوامر مباشرة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولم يستغرق الأمر كثيرا حتى رأت القبائل، القوة المتصاعدة للحوثيين وتخافت قوة صالح، وهنا تغيرت بعض التحالفات أيضا، حيث انضموا إلى الحوثيين تاركين صالح الذي جاء بهم ورائهم.

وبالإضافة إلى ذلك، اتخذ الحوثيون تدابير متطرفة ضد المعارضين القبليين والعسكريين، وشملت تلك التدابير هدم منازلهم ومصادرة أعمالهم التجارية وتشريد أسرهم، ودفعت تلك التكتيكيات بعض حلفاء صالح الآخرين، إلى تجاهل ندائه بمساعدته.

انهيار التحالف القبلي الذي أسسه صالح

بعد تنازله عن الرئاسة في 2012، لم يتمكن علي عبدالله صالح من دعم الاتحاد القبلي الذي أسسه ماليا، بعدما فقد السيطرة على الموارد المالية للدولة، فضلا عن فقدانه نظام الرعاية السعودية لبعض زعماء القبائل اليمنية، والتي أشار لها الكاتب مسبقا.

ويعتقد على نطاق واسع، أن صالح استطاع جمع ثورة هائلة خلال فترة توليه السلطة، إلا أنه لم ينفقها للحفاظ على حلفائه القبليين بعد مغادرته منصبه، وعندما استهدف الحوثيين بعض زعماء القبائل الموالين صالح وأذلوهم؛ لم يستطع فعل شئ حيالهم، وغير ذلك تمكن الحوثيون من استغلال أخطاء صالح بشكلٍ جيد، وأبعدوا عنه حلفائه القبليين الباقين.

وهكذا بعدما دعاهم صالح للوقوف ضد الحوثيين قبل يومين فقط من اغتياله، لم يلبي أحد النداء لإنقاذه، وبدلا من ذلك تصرف الحوثيون بسرعة كبيرة وحاصروا مسكنه وقتلوه، وجعلوا نظامه رسميا، نظاما عفا عليه الزمن.

في النهاية من غير المرجح، أن تشهد اليمن عودة مستقبلية للسياسة القبلية، غير أن القبائل ستواصل لعب دور مهم في مستقبل البلاد بأي شكل، وستحتاج اليمن إلى إرادة سياسية قوية والمزيد من الجهود لتحويلها إلى دولة حديثة بدلا من دولة قبلية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023