كان «عمار المعراوي» من بين سوريين آخرين دفعوا أموالًا إلى مهرّبين لنقلهم في رحلة خطرة عبر البحر المتوسط إلى اليونان، ومنها في رحلة مرهقة عبر القطار أو حافلة أو سيرًا على الأقدام إلى أوروبا، وبعدها بعامين شعر بالاكتئاب والحنين إلى وطنه السوري.
تحدّث عمار إلى «الأسوشيتد برس»، ونقلت عنها «واشنطن بوست»، عن أهوال الحياة في ألمانيا للاجئين السوريين وغيرهم، يقول: «ألمانيا مملة مملة مملة»؛ لكنه في نهاية المطاف تمكّن من العودة إلى سوريا مرة أخرى، غادرها وعمره 36 عامًا وعاد إليها وعمره 38 عامًا.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، من بين 5.4 ملايين لاجئ سوري فرّوا منذ اندلاع الحرب في 2011، لم يعد سوى عشرات الآلاف، من بينهم «عمار»؛ وربما يكون أحد الأسباب في ذلك تشجيع الأمم المتحدة والحكومات المضيفة في أوروبا لهم على البقاء لأنّ بلدهم ليست آمنة. ومن المتوقع أن ترتفع أعداد العائدين إلى سوريا في العامين الجاري والمقبل، مع توقعات بعودة الاستقرار إلى سوريا؛ بعدما استعاد النظام، بدعم من إيران، معظم المدن الكبرى التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة.
لكنّ دوافع العودة للسوريين ليست مغرية، إذ فقد لاجئون معظم مدّخراتهم وأُحرقت منازلهم، في الوقت الذي يعجزون فيه عن العمل، ويعيش مئات الآلاف منهم في مخيمات رثة في البلدان المجاورة. ويستطيع السوريون الذين وصلوا إلى أوروبا الحصول على مساعدة مجدية نوعًا ما، غير أنّ معظمهم أيضًا لم يجد ما كان يأمله في الغرب أو واجهوا تمييزًا شديدًا أو شعروا بالغربة مع ثقافة مختلفة عن ثقافتهم، بجانب الطقس السيئ.
غير أنّ أسباب بقائهم هناك منطقية إلى حدٍ ما؛ فالتوتر ما زال يعمّ أجزاء كثيرة في سوريا، خاصة مع الهدنات المحلية التي غالبًا ما تخترق، ولا يزال القتال مستمرًا في مناطق مثل القتال بين قوات الأسد وجماعات المعارضة المسلحة، خاصة في الشمال الغربي من سوريا، كما يخشى شباب من العودة إلى دمشق؛ خوفًا من الخدمة العسكرية الإجبارية، وحتى المناطق التي توقف فيها القتال يعود إليها القتال بين حين وآخر، حتى لو من جانب واحد، كما دمّرت المدن. وتقول التقديرات الأخيرة إنّ 6.1 ملايين سوري مشردون في الداخل؛ لذا فاللاجئون ليسوا وحدهم من ينتظرون العودة.
ومن الصعب تحديد أرقام العائدين بدقة، غير أنّ المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين «أندريه ماهسيتش» أكّد أنّ الأمم المتحدة رصدت عودة 68 ألف لاجئ في أكتوبر 2017، وهي آخر الأرقام المتاحة، مضيفًا أنّ عدد العائدين من بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا وأوروبا ضئيل للغاية.
وتضم تركيا 3.5 ملايين لاجئ سوري، وتقع على طول شمال سوريا، وعاد منها 130 ألف سوري، ومن الأردن عاد فقط ثمانية آلاف من أصل 650 ألف لاجئ، ومعظمهم عاد أثناء التوصّل إلى هدنة محلية في أجزاء من جنوب سوريا في يوليو الماضي، ثم تراجعت الأرقام في وقت آخر من العام 2017، وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إنّ أعداد اللاجئين المسجلين انخفض إلى أقل من مليون لاجئ للمرة الأولى منذ عام 2014.
كما أنّ جزءًا من الرافضين العودة يبررون ذلك بأنهم غير مستعدين؛ إذ قالت أم وسام لـ«أسوشيتدبرس» إنّها عادت إلى سوريا في أغسطس بعد ستّ سنوات قضتها بصحبة زوجها وأطفالها الخمسة في الأردن، وعادوا إلى سوريا ضمن 2300 لاجئ رُحّلوا إلى بلدانهم، وكان زوجها يعمل في مجال البناء بالأردن قبل ترحيله إلى سوريا، بينما يوجدون حاليًا في درعا، غير أن زوجها لا يستطيع العثور على عمل حتى الآن.
وأضافت: «الوضع هنا مأساوي، لا ماء ولا كهرباء ولا عمل، وضعنا قاس للغاية».
في الوقت نفسه، يستعد «عمار المعراوي» للبدء في عمله الخاص؛ إذ يعمل حاليًا على إنشاء ورشة لتصليح إطارات السيارات بالقرب من ساحة «سعد الله الجابري» في حلب. فالمدينة على حد قوله تتمتع الآن بمدة سلام بعد أن هزمت القوات الحكومية «المتمردين» هناك في ديسمبر 2016.
ومثل كثيرين، بدأ «عمار» رحلة الوصول إلى أوروبا، حينما غادر سوريا في يناير 2016 من تركيا، مستقلين قوارب متهالكة خاصة بالمهربين في جزيرة ليسبوس باليونان، وهي رحلة خطرة للغاية؛ خاصة وأنّ معظم الهاربين لا يجيدون السباحة، ومن يسر على أقدامه عبر مقدونيا وصربيا وسلوفينيا وكرواتيا يضطر إلى السير على قدمه عبر غابات طويلة.
وبدأ «عمار» برفقة سوريين تعلم اللغة الألمانية منذ وصولهم، بجانب التدريب على العمل، وقدّم لهم الألمان بجانب ذلك الغذاء والملابس؛ لكنّ الحياة في البلدة التي كان يقيم فيها معدومة الحياة، على حد قوله، مضيفًا: «كنا نعاني هناك من الضغط النفسي والاكتئاب والجو القارس البرودة»؛ لذلك استقر هناك بضعة أشهر فقط قبل أن يقرر العودة إلى سوريا.
أما «أديب أيوب»، البالغ من العمر 13 عامًا، فسافر في رحلة بحرية إلى اليونان برفقة عمه في 2015، وقال عمه «فراس أيوب»: «شعرت أنّ إمكانية النجاة في رحلة عبر البحر أكبر من إمكانية النجاة بالبقاء في سوريا؛ فكيف يمكن لشخص أن يظل حيًا وسط كرة من النار والقذائف والصواريخ؟».
وأضاف، وهو يمتلك محلًا لبيع الشيكولاتة في وسط حلب: حتى لو أعطيت كل دول العالم لن أختار سوى بلدي. عاد فراس إلى سوريا في سبتمبر الماضي، واستقبلته والدته بحرارة في مطار دمشق. وقال: «بالنسبة لنا كانت مغامرة»، مؤكدًا أنّه لن يعود إلى أوروبا ثانية حتى لو أتيحت له الفرصة؛ «فهذه بلدنا وشعب ألمانيا ليس مثلنا»، على حد قوله.