أثار إعلان إذاعة «بلادي» السودانية التي تمتلك الحكومة أسهما فيها، بث مسلسل إذاعي يستهدف مثلث حلايب الحدودي مع مصر، خلال أيام، الجدل خاصة أنها تتزامن مع حالة الاحتقان السياسي بين مصر والسودان، فيما رأى مراقبون أنها دليل على أن العلاقة بين مصر والسودان انقطعت إكلنيكيا.
وقال مؤلف العمل الدرامي «رمال وأصداف»، إن تقنيات الإذاعة ذات الصبغة الحكومية ستمكن قاطني المنطقة من متابعة العمل.
وقال كاتب السيناريو، معاوية السقا، في تصريحات صجفية: إن «المسلسل سيبث باللغة العربية العامية لسكان شرق السودان «البجا»، مشيرا إلى أن تسجيل المسلسل بدأ الخميس على أن يتم البث منتصف فبراير الحالي».
وأشار إلى مشاركة كوكبة من نجوم الدراما السودانية في العمل الدرامي الذي وصفه بـ«الإنتاج الإذاعي الضخم»، من بينهم الهادي الصديق، طارق علي، عبدالرحمن الشبلي، حياة طلسم، محمد عبدالرحيم قرني وأديب أحمد، إلى جانب المخرج أبوبكر الهادي، الحائز على جوائز عدة على مستوى الوطن العربي.
وأبدى السقا ثقته في تمكن أهالي مثلث حلايب من الاستماع إلى حلقات المسلسل الـ30، لجهة أن إذاعة «بلادي» منتشرة في السودان عبر 50 موجة «إف إم» تغطي كل أنحاء البلاد بما فيها مثلث حلايب، إلى جانب انتشارها في المنطقة العربية عبر الأقمار الصناعية والإنترنت.
من جانبه، أعلن مدير إذاعة «بلادي»، عبدالرحمن إبراهيم، في تصريح صحفي، أن مسلسل «رمال وأصداف» سيبث بعد أقل من شهر.
وأوضح أن أحداث المسلسل تدور داخل حلايب بتناول البعد الإنساني والاجتماعي للمنطقة، قائلا إن «الأرضية الدرامية تؤكد سودانية حلايب.. الأسماء، التقاليد، الطبيعة والموروثات».
واعتبر ذلك «استخداما للقوة الناعمة لتأكيد ما هو مؤكد أن حلايب السودانية عبر المكون البشري على الأرض وتفاصيل حياته اليومية التي هي سودانية بامتياز».
يذكر أن مثلث حلايب في أقصى شمال شرقي السودان على ساحل البحر الأحمر، وهناك نزاع عليه بين مصر والسودان؛ إذ تؤكد كل دولة أحقيتها فيه.
قطيعة قريبة
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور نادر فرجاني، المحلل السياسي، إن «الاتجاه السوداني نحو مصر يميل بقوة نحو القطيعة التامة خاصة مع تعمد الفريق المصري تجاهل الخرطوم والاستهتار برؤيتها ومطالبها وعدم تقديم قرابين سياسية أو اقتصادية تحاول مصر عبرها إعادة العلاقات بين البلدين مجددا».
وأضاف فرجاني، في تصريح لـ«رصد»، أن «النظام المصري لا يرى أي أزمة في حالة تعكير العلاقات بين البلدين الشقيقين، فهو يعتبر كل من لا يملك المال لا يستحق التعاون السياسي أو الاقتصادي معه، على الرغم من أن الخرطوم دولة غنية فقدتها مصر منذ عشرات السنوات لما بها من موارد طبيعية وأراض كبيرة ومياه جوفية ضخمة يمكن الاستثمار فيها، ولكن ما حدث اليوم هو تعمد حقيقي للقطيعة».
أزمة مشتعلة
وخلال الأسابيع الأخيرة، تفاقمت الأزمة بين مصر والسودان، بدأت بانتقاد الإعلام المصري للحكومة السودانية؛ على خلفية تمكين تركيا من جزيرة سواكن الإستراتيجية على البحر الأحمر، والإعلام السوداني واستقبال مصر للمعارضة السودانية ودعم حركات التمرد في دارفور، وسد النهضة».
واتخذت السلطات المصرية، بشكل لافت وغير مسبوق، 7 إجراءات، 3 منها في يوم واحد، مقابل إجراء سوداني واحد، بشأن مثلث حلايب وشلاتين.
شكاوى بمجلس الأمن
وتنوعت الإجراءات المصرية، بين إعلان مصر التوجه بشكوى لمجلس الأمن ضد السودان، وبناء 100 منزل بحلايب، وبث لبرنامج تلفزيوني، بخلاف بث خطبة الجمعة الماضي من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في «شلاتين»، فيما يعكس تكريسًا للسيطرة المصرية القائمة بالفعل على المثلث الحدودي.
في المقابل، اتخذ السودان، الذي اعتاد أن يقدم شكوى أممية سنويًا حول مثلث «حلايب وشلاتين»، إجراءً واحدًا لافتًا؛ بإعلانه عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، مرجعًا ذلك لمساسها بحق السودان في المثلث الحدودي، كونها اعترفت بحلايب ضمن الحدود المصرية.
ووصفت السودان الخطوات الأخيرة للحكومة المصرية لتنمية مدينة حلايب، بأنها «إجراءات استفزازية»، وهدد مسؤول سوداني، بقوله إن استمرار ما أسماه بـ«العدوان المصري» على مثلث حلايب؛ يهدف إلى جر السودان للدخول في اشتباكات مباشرة مع مصر.
رئيس اللجنة الفنية للحدود من الجانب السوداني، عبدالله الصادق، والذي يشغل أيضًا منصب مدير هيئة المساحة، أكد في تصريحات لـ«المركز السوداني للخدمات الصحفية»، وهو هيئة حكومية سودانية، أن هذا التعدي سيأتي بنتائج عكسية لدولة مصر، مضيفًا أن حلايب سودانية وستسترد من مصر.
ويرى السودان أن الحملة الإعلامية التي اتخذتها مصر ضده، بعد الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والموافقة على إدارة تركيا لجزيرة «سواكن» السودانية، نيل من السيادة السودانية، وهو ما ظهر في تصريحات السفير السوداني بالقاهرة، لصحيفة «اليوم التالي» السودانية.
السفير السوداني لدى القاهرة، عبدالمحمود عبدالحميد، هاجم وسائل الإعلام المصرية، ووصفها بـ«الحمقى»، قائلًا: إن «الإعلام المصري وجد في زيارة أردوغان للسودان، فرصة سانحة أخرى للنيل من السودان وخياراته، وتحقير قيادته وتاريخ أمته».
وعلى خلفية سماح السودان لتركيا بإدارة جزيرة «سواكن»، القريبة من الحدود المصرية على البحر الأحمر، أقام محامٍ مصري، دعوى قضائية تطالب بإصدار حكم بطرد السفير السوداني لدى القاهرة؛ بسبب العلاقة السودانية القطرية التركية.
دعم مصر للمعارضة ضد البشير
أزمة أخرى تراها الخرطوم، هي دعم مصر للمعارضة السودانية، وهو ما قاله الرئيس السوداني عمر البشير، في تصريحات تلفزيونية سابقة، بأنه «يوجد معارضون سودانيون داخل الأراضي المصرية تدعمهم المخابرات المصرية»، وكشف أن حكومته في كل لقاء بين البلدين، تطلب من القاهرة وقف دعم المعارضة السودانية.
ورغم نفي القاهرة مرارًا وتكرارًا دعمها للمعارضة السودانية أو حركات التمرد في دارفور، إلا أن النظام ووسائل الإعلام السودانية، يصران على أن مصر تنفذ مؤامرة ضد الخرطوم.
سد النهضة
ويعتبر سد النهضة، أحد وسائل الضغط السودانية على القاهرة؛ حيث تدعم الخرطوم السد، وتراه في مصلحتها، فيما ترى مصر أن السد سيؤثر على حصتها المائية التاريخية، التي تقدر بـ55 مليار متر مكعب.
كما أن الأزمة بين البلدين اشتعلت مع نشر صحف إثيوبية، تقارير تفيد بطلب القاهرة رسميًا استبعاد السودان من مفاوضات السد، وردت وزارة الري السودانية على الأمر، بالقول إنها لم تستبعد هذا الطلب من مصر، رغم نفي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، هذه التقارير من الأساس.
وأشار متحدث الخارجية المصري، إلى أن «الاقتراح الذي قدمته مصر، بطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، تقدمت به مصر بشكل رسمي للحكومة السودانية أيضًا، وأن مصر تنتظر رد كل من إثيوبيا والسودان على المقترح، في أقرب فرصة ممكنة.
وتشير تقارير سودانية، إلى اتجاه الخرطوم لرفض المقترح المصري بشأن وساطة البنك الدولي في أزمة سد النهضة؛ حيث ترى أن سد النهضة سيكون له فوائد على دول المصب، عكس ما تراه القاهرة.
يتعارض مع مصالحنا
الاتجاه السوداني بشأن أزمة سد النهضة عبر عنه، في وقت سابق، وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي أكد أن موقف مصر من سد النهضة يتعارض مع مصالح السودان، مشددًا على أن مصر كانت على مدى السنوات السابقة، تأخذ حصة السودان من مياه النيل.
وقال «غندور»، في مقابلة تلفزيونية، إن حصة السودان منصوص عليها في اتفاقية عام 1959، مؤكدًا أن الوقت قد حان، لتدفع مصر ما عليها من استحقاق، ويحصل السودان على حصتها كاملة دون نقص مع مصر.
ورد وزير خارجية مصر سامح شكري، بقوله إن ما «استخدمته مصر من مياه حصة السودان في السابق، كان فائضًا عن قدرته الاستيعابية، وبموافقته وليس سلفة أو منحة».