تتملص أميركا من مسؤوليتها تجاه المدنيين السوريين، خاصة في الغوطة الشرقية، الذين يتعرضون إلى قصف متواصل منذ أيام. وعلى الرغم من موافقة مجلس الأمن أمس السبت على قرار بوقف إطلاق النار في الغوطة لمدة 30 يوما «دون إبطاء»؛ هناك مؤشرات قليلة بأنّ روسيا، التي تدعم بشار الأسد، ستقنعه بوقف مجازره، وأيضا لن تقدّم أميركا مزيدًا لحماية المدنيين في سوريا.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية «هيذر نويرت» إنّ بلدها تتحادث حاليًا مع الحكومة الروسية؛ لكنها ليست متأكدة من أنّ روسيا ستقنع النظام السوري بوقف حملته ضد شعبه.
هذا ما يراه الباحث في المجلس الأطلسي «كريشناديف كالامور» في تحليله بصحيفة «أتلانتيك» وترجمته «شبكة رصد». ويؤكّد أنّه من المفترض أن يسمح وقف إطلاق النار المتوصل إليه بإدخال الإمدادات والمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وتسيطر عليها المعارضة المسلحة؛ خاصة بعد أيام من القصف المتواصل الذي قتل أزيد من 500 حتى الآن.
عجز مجلس الأمن
تأخّر قرار المجلس مثل القرارات السابقة؛ وهو ما يضرب مصداقيته، بعدما أثبت أنّه عاجز عن إحداث توافق دولي للآراء فيما يتعلق بأسوأ الصراعات في العالم.
وقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة «فرانسو ديلاتر» إنّه «يجب ألا تصبح مأساة سوريا مقبرة للأمم المتحدة».
وفشلت جولة سابقة من المحادثات المماثلة يوم الخميس؛ بسبب رغبة روسيا في استبعاد من قالت إنهم «متحالفون مع الإرهابيين»، وبعضهم نشطون في محافظة الغوطة الشرقية؛ ما يعني أنّ تمرير القرار سيسمح للنظام السوري بالحفاظ على سيطرته على المنطقة، غير أنّه لم يشمل ما يضمن وقف المذابح اليومية هناك.
وحمّلت «هيذر» روسيا «المسؤولية الخاصة عما يحدث هناك»، قائلة إنّه «من دون دعم روسيا لسوريا ما حدث هذا الدمار وقُتل هؤلاء بالتأكيد». لكن، عندما سؤلت عما فعلته أميركا لوقف العنف هناك قالت: «لا أدري ماذا يتوقع البعض أنّ نفعله، أفضل وسيلة لدينا الآن الدبلوماسية، ونحن مستمرون في ذلك».
أزمة غير مسبوقة!
وتصف المنظمات الإنسانية الوضع في الغوطة الشرقية بأنه «يائس»؛ خاصة مع انعدام الغذاء والوقود والمياه، ومحاولات المدنيين للنجاة بحفر ملاجئ تحت الأرض للهروب من القصف المستمر، بجانب غياب طريقة للإجلاء الطبي. وبالرغم من أنّ الولايات المتحدة لديها قوات عسكرية في سوريا لقتال تنظظيم الدولة، كما تعتبر أكبر مانح للمساعدات الإنسانية في الأراضي السورية؛ ما زالت الحكومة السورية تواصل منع الإمدادات عن المناطق المحاصرة.
وقالت «دافنا راند»، نائبة رئيس قسم السياسة والبحوث في منظمة «ميرسيكورس» الإنسانية النشطة في سوريا منذ 2011، إنّ ما يحدث في سوريا الآن أحد أسوأ أعمال العنف التي شهدتها البلاد منذ سبع سنوات، و«تواجه منظمتنا وغيرها صعوبة في الوصول إلى المدنيين؛ لأننا على الأرض معرضون لخطر العنف، ونخاطر بحياتنا في كل مرة نذهب لتوزيع شيء».
واُتُّهم بشار من قبل باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه في الغوطة؛ خاصة غاز السارين السام، وهي المنطقة نفسها التي تُقصف حاليًا؛ وقاد باراك أوباما حملة ضده. لكن، بالرغم من ذلك، الأسلحة التقليدية التي يستخدمها قتلت أضعاف أضعاف من قتلتهم الأسلحة الكيميائية.
وتقول «ميرسيكوريس» إنّ الصراع السوري تحول إلى أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، وقتلت حتى الآن قرابة 400 ألف مدني سوري وشردت 11 مليونًا آخرين، بينما يعيش نصفهم في مخيمات لاجئين خارج سوريا.
ضعف «الدبلوماسية»
وأظهر الصراع السوري ضعف الجهود الدبلوماسية الدولية، خاصة وأنّ محادثتين للسلام لم ينتج عنهما ما يفيد أنّ البلد على طريقها فعلًا لتحقيق السلام؛ كانت أولاهما محادثات «أستانا» التي أشرفت عليها روسيا وإيران وتركيا، ونتجت عنها «مناطق تخفيف التصعيد».
وقالت «هيذر» إنّ أميركا تريد من روسيا أن تشارك في محادثات جنيف، التي تدعمها الأمم المتحدة وأميركا وحلفاؤها وتعد أكثر حظًا من محادثات أستانا، وتهدف إلى الجمع بين مختلف الأطراف المتحاربة وضمان انتقال السلطة في سوريا وتشكيل حكومة انتقالية؛ لكنّ بشار لديه محفزات قليلة للتفاوض، خاصة بعد استعادته معظم الأراضي التي فقدها من قبل، ناهيك عن تعنت المعارضة.
وجلّ ما تفعله أميركا حاليًا التعبير عن «بالغ قلقها»، الذي لا يفيد في وقف القتل الجماعي الذي يطال المدنيين الآن في الغوطة الشرقية؛ ولا يبدو أنّ خطة ترامب تشمل «وقف قتل المدنيين». وفي زيارته إلى الشرق الأوسط الأخيرة، لم يتحدث وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» عن سوريا من قريب أو بعيد. وردًا على سؤال، في مؤتمر صحفي، عن الاعتداءات على الغوطة الشرقية، قال ترامب إنّ ما يفعله نظام بشار وروسيا وإيران «عار على الإنسانية»، وبسؤاله عما تفعله القوات الأميركية أجاب بأنّها «تقاتل تنظيم الدولة؛ وبعد انتهاء مهمتها ستعود إلى ديارها».
هذه التصريحات من ترامب كاذبة؛ فالقوات الأميركية لن تغادر سوريا، وفقًا لما عبّر عنه البيت الأبيض قبل أيام قليلة بأنه لا يحتاج إلى إذن من الكونجرس لإبقاء القوات الأميركية في سوريا لأجل غير مسمى. كما أكّد السفير الأميركي السابق لدى سوريا «ريان كروكر» أنّ هناك شيئًا مألوفًا بشأن نهج ترامب في سوريا، وإدارته تعاملت مع تنظيم الدولة مثلما تعاملت إدارة أوباما، بطريقة عسكرية بحتة، ولا تريد أميركا حاليًا التورّط مع الأطراف المتصارعة الأخرى في سوريا؛ لذا لن تفعل شيئا تجاه المدنيين.